صفاء عبد المنعم - ميرامار ياعم نجيب

ظللتُ أعد سيناريوهات عديدة فى رأسى، عن أصول التعامل والبرتوكول المتبع فى هذه الحالات، وانا أرتدى المعطف الجديد، واضع قدمى المتعبتين داخل حذاء قديم ذو كعب عالى كنتُ قد أهملته منذ سنوات طويلة، ولكن مازال به رونق جذاب.
فالأول مرة أحضر لقاء بهذا الشكل.
وهى تمرر أصبع الروج الأحمر القانى فوق شفتى، كانت تحدثنى كثيراً عن مكان عملها الجديد وهى مبتهجة مرة وحزينة لمرات وتتلعثم وتردد : أنا تعبت!
فكنتُ أضحك بفتور شديد : اللى تعب من حاجة يسيبها.
فتغضب من حديثى، وتقوم واقفة، تدخل حجرتها وتغلق الباب خلفها.
وأنا أظل مكانى ساهرة طويلا وأفكر : كيف أرضيها؟
كيف أجعلها مبتهجة وسعيدة طوال الوقت؟
وأجعل أبتسامتها المشرقة لا تفارق وجهها البض الطفولى.
وهى التى كانت تحكى لى طويلا عن رؤساء العمل الأغنياء الحضاريين، وكيف يعاملونها بلطف ومودة رغم صغر سنها.
وفى خلال عامين، أصبحت(مانيجر) ويعمل تحت يدها 8 موظفين أكبر منها سناً.
كان بودى أن أقول لها" أنتبهى ياصغيرتى للرأسمالية الحديثة" تمتص وقتك وعقلك، ولا تتركك إلا قطعة مهلهلة لا تصلحين لشىء"ولكننى تراجعت عن قول تخوفى" بما أننى أشتراكية قديمة فى مدرسة الحياة، وهى لن تتقبل كلامى ولن تتمعن فيه جيداً، فصمتُ.
هى اللحوحة.
وأنا الصامتة.
هى المبتهجة بالجو العام، ومتزمرة طوال الوقت.
وأنا الراضية القانعة بما لدى من أفكار وطموحات.
هى المنفتحة على العالم الجديد.
وأنا المغلقة على نفسها صاحبة الطوطم الأزلى(السلحفاة العجوز).
فى ليلة وضعت نفسى مكانها.
ماذا يضرنى لو فكرت بنفس طريقة تفكير شباب اليوم؟
ونظرت للحياة من خلال عينيها هى، لا من خلال عينى؟
ما الثمن الذى سوف أدفعه؟
وماذا سوف أخسر؟
لا توجد خسائر ضخمة بالنسبة لى الآن(لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض).
بعد جهد جهيد، وتفكير طويل مع النفس، وأخذ ورد.
قررتُ، أنا السلحفاة الآتى: زيارة تلك المناطق الجديدة التى تعمل بها والتعرف عليها عن قرب.
وذهبت إلى هناك.
ظل السائق يلف ويدور، ويدخل ويخرج من شارع إلى شارع.
الشوارع منظمة بدقة وعناية بالغة، والخروج من بوابات، والدخول إلى بوابات أخرى، إنها المتاهة الحديثة.
أفراد قليلون يسيرون هنا وهناك، وكلما أشار السائق إلى شخص ما يمر وسأله عن المكان، يهز كتفيه(لا أعرف).
لذا ظللنا مايقرب من ساعة كاملة نلف وندور، ولمحت اليأس بدأ يتسرب إلى عينى السائق، كأننى ضللته أو أعطيته عنونا وهمياً.
فضحكتُ بشدة وسعادة عندما لمحت اسم ميرامار على واجهة كافيتريا بعيدة نائية هناك، وأخذت أردد بصوت مرتفع(ميرامار ياعم نجيب) ألتفت السائق نحو الطريق، ثم ضحكتُ وهو يلف ويخرج من نفس المكان للمرة الألف، ويدير السيارة ببعض العنف البطىء، وهو يردد : لف وأرجع تانى.
فضحكتُ كى أفرج عنه قليلاً : دوخينى يالمونة دوخينى.
فضحك هو الآخر.
وأخيراً عثرنا على المكان.
الفيلا الضخمة الفخمة، المجهولة بالنسبة لنا، والتى لففنا حولها مالا يقل عن ثلاث مرات ونحنى نغنى(التعلب فات فات وفى ديله سبع لفات).


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى