حاميد اليوسفي - الهاتف الذي طار منه الرزق.. قصة قصيرة

اشتعل الضوء الأحمر ، وبعد تأكده من توقف السيارات قطع من ممر الراجلين إلى الجانب الآخر من الشارع . شاب في العشرينات يرتدي حذاءا رياضيا يتبع فتاة من الخلف ، ويخطف هاتفها النقال . يجري بسرعة حوالي عشرة أمتار ثم يقفز خلف صديقه الذي ينتظره على الدراجة النارية . يطيران ثم يختفيان عن الأنظار .
نفس الحادث وقع معه منذ حوالي عشر سنوات . عندما خرج من مقر عمله ، فضّل أن يمر عبر طريق لا يعرف ازدحاما بعد فتح المدارس لأبوابها في منتصف النهار . ركب دراجته ، وسار قليلا . أخرج الهاتف ، وفتحه ليجيب عن عشرات المكالمات . انحرف يمينا . فجأة أحس بقبضة يد قوية تنزع الهاتف من يده اليسرى . أوقف الدراجة ، ورمى يده بسرعة على ظهر اللص محاولا الإمساك بتلابيب بذلته من الخلف . جزء من الثانية جعله يفلت من قبضته بعد أن ضغط صديقه على جهاز نقل الحركة اليدوي لدراجة س 90 .
لو أمسك به لسقط على ظهره ، وسهّل عليه معالجتَه . لم يحدث شيئ من ذلك ، تابع الدراجة وهي تطير لتختفي داخل زقاق مجاور . خمّن بأنهما رصداه عندما أخرج الهاتف ، وتبعاه من الخلف دون أن ينتبه إليهما كما وقع للفتاة .
قال لنفسه :
ـ كان عليك أن تتوقف ، وتُسند ظهرك إلى الحائط ، وتتكلم وتراقب ما يجري من حولك .
ـ نصيحة فات أوانها ، اعمل بها في المستقبل . أما الآن فقد سُرق الهاتف ، وانتهى الأمر . والبكاء وراء الميت خسارة .
لم يسبق له أن تعرّض للسرقة . تجربته في السوق عندما بلغ سن المراهقة أكسبته خبرة في معرفة اللصوص ، والحركات التي يقومون بها قبل وأثناء السرقة . كان يجلس في دكان والده . الزقاق يعرف ازدحاما كبيرا خاصة في فترة الصباح بين التاسعة والحادية عشرة صباحا بسبب تواجد سوق شعبي للخضر يأتيه الزبائن من الأحياء المجاورة . عاين مرارا كل أنواع السرقة : من السرقة بالفن إلى السرقة بالنشل أو بالعنف .
حزن لفقدان الهاتف الذي اقتناه بأكثر من ألفي درهم من ماله الخاص ، ولم يمض على شرائه شهرا كاملا . وحزن أكثر على ضياع العديد من الصور والأرقام والمعطيات التي يحتفظ بها في ذاكرته . مَنَّى نفسه بأن الهاتف لم يبق فيه رزق ، لذلك سيضيع بهذه الطريقة أو غيرها . ويجب أن يحمد الله بأن اللص لم يسقط من الدراجة . ماذا كان سيفعل لو سقط ، وتوقف صديقه ، وأخرج سيفا من حزامه ؟! ربما كان سيجد نفسه ينام في مصحة بين الحياة والموت !
لعن النقابة التي كانت السبب . لو لم يكن مسئولا نقابيا لما أجاب عن المكالمات بهذه السرعة في الطريق العام !
تراجع ثم قال لنفسه :
ـ البعض تعرض للتعذيب والسجن ، والطرد من العمل ، وظل وفيا لمبادئه . وأنت فقدت مجرد هاتف ، ولم تستطع تحمُّل ذلك ؟ ثم إن النقابة تؤدي لك ثمن التعبئة ، ومن باب الأخلاق أن تردّ على مكالمات المسئولين والمنخرطين . من يدري قد تنقذ باستشارة قانونية موظفا من خطأ قاتل ربما يتسبب في إيقاف أجرته .
تذكرت المدرس الذي اتصل بك مرة بعد أن توصل بانتقال مؤقت للعمل بمؤسسة داخل المجال الحضري تبعد عن مؤسسته الأصلية بنصف ساعة مشيا على الأقدام . طلب منك المساعدة في رفض هذا التكليف . فصّلت له موقف النقابة في الموضوع :
ـ يا أخي أنت الآن في وضعية غير قانونية . عليك الالتحاق بمقر عملك الجديد ، وتوقيع محضر الالتحاق ، ثم كتابة تظلّم ، وتقديم نسخة منه للنقابة . كل ما أستطيع أن أعدك به هو أنه إذا كان قد لحقك حيف فإن النقابة ستتدخل لدى الجهات المختصة وتُنصفك .
لم تعجبه صراحتك . بعد أيام اكتشفت أنه يعمل رفقة زميل له بأقل من نصف حصة ، وأنه يقضي باقي الوقت في القطاع الخاص . اتصل بجهة أخرى ، وأفتى عليه أحدهم بأن يرفض التكليف . فماذا حدث ؟ بعد أسبوع أرسلت إليه النيابة إشعارا بالانقطاع عن العمل . ولم يلتحق عملا بنصيحة صاحب حاجته ، ثم أوقفت الوزارة أجرته . التحق بعد ذلك رغما عنه ، وانتظر أكثر من سنة حتى ينعقد اجتماع المجلس التأديبي ، ويبث في الموضوع ، وتعود الأجرة إلى حسابه البنكي . ربما تعرض حسب زعم البعض للابتزاز كأن يؤدي ثمن البيرة وعلبة المالبورو والقهوة طيلة الفترة التي ظل فيها أسيرا لمن نصب له ذلك الكمين .
قرأتَ في الجريدة خبرا يقول بأن وزيرا ، أو مسئولا كبيرا في جهاز الدولة سُرِق منه هاتف نقال في مدينة الدار البيضاء ، واتصل بالشرطة . لم تكد تمضي ساعة واحدة حتى أعادوا إليه الهاتف في الحفظ والصون . كيف ؟ الله أعلم !
ـ وأنت لماذا لم تتصل بالشرطة ؟
ـ لأن الأرزاق تطير من الأشياء التي يفقدها الناس القابعون في الأسفل .


مراكش 11 مارس 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى