ثقافة شعبية حنان النبلي - رقصة أحواش: لوحة جماعية تعبر عن روح الشعب المغربي

ما هي رقصة أحواش؟ وما الذي يسمو بها من مجرد حركات إلى مبعث للدهشة والانبهار للآخر؟ وكيف ينجح "مايسترو" الفرقة في أن يحولها عبر أنساق إبداعية إلى صور فنية جمالية؟ وبعبارة أخرى كيف يمكن له أن ينقل لنا لوحة تعكس تجربة إنسانية متفردة؟

ماهي أحواش؟

أحواش ليست مجرد رقصة عادية، إنها وجه آخر للحياة الباعثة على الإبداع والشعر والتأمل في الجمال بذاته، إنها صورة حية تعكس تفاعل الإنسان الأمازيغي مع محيطه الطبيعي والبشري في تفاعل يكشف بجلاء هموماً أو آمالاً أو أحاسيس وتأملات وصوراً مجردة في الخيال ويحولها عبر أنساق إبداعية إلى صور فنية جمالية.

إنها ذلك الإطار الجماعي، الذي تمارس فيه الجماعة حياتها الفكرية والوجدانية، في غمرة عادات وتقاليد فنية ثقافية، فهي إن شئنا سهرة موسيقية راقصة ولقاء يدعم أواصر التفاهم وروابط المودة والتآزر، في أسلوب جماعي مشترك، وهو مدرسة اجتماعية تلقن القيم والنظام والتعاون وتنمي الوعي الاجتماعي لدى الناس بحقوقهم وواجباتهم نحو المجتمع، ونحو بعضهم البعض، كما تربي الذوق، وتربي الإحساس بالجمال والقبح في السلوك والمعاملات، من خلال ما يطرحه الشعراء من قضايا وأفكار في أسلوب جماعي ينم عن عراقة ممارسة التقاليد اليومية.

وأحواش مصطلح يطلق على جميع أنواع الرقص الجماعي، مهما كانت أوزانه أو أشكاله وإيقاعاته وحركاته بجنوب المغرب بخاصة في مناطق الأطلس الكبير والصغير حيث تتوطن القبائل الأمازيغية المتحدثة بلهجة تاشلحيت.. ومعناه: اجتماع سكان الدوار أو القبيلة في مكان يسمى محليا "أسايس" أو " أسرير" أو "أساراك"، لإحياء سهرة فنية في الغناء والرقص والإنشاد الجماعي، وهي حفلة غناء ورقص عمومية مفتوحة لكل من آنس في نفسه القدرة على المشاركة بالكلمة أو النغمة أو الإيقاع أو الحركة.

أحواش رقص الرجال والعازبات

وأحواش هي رقصة جماعية يشارك في أدائها مجموعة من الناس في عدد غير محدود، بما فيهم النساء، ويشترط فيهن أن يكن عازبات حيث تستبعد النساء المتزوجات بينما لا يسري نفس الشرط على الرجال.

كثرة المشاركين في الرقصة وقلتهم خاضعة لعاملين أساسيين: عامل المكان الذي هو أسايس فكلما كان المرقص واسعاً وكبيراً، ويتسع لأكبر عدد من الراقصين، يكون إقبال الراغبين كبيراً، وعدد صف المشاركين كثيراً، وثانيا عامل الزمن، ويتمثل في المناسبة وظروفها، مع ما يلابسها من الملابسات ذات التأثير على المعطيات المناخية في حضور الجمهور وإقباله على الرقص فيقل المشاركون تبعا لذلك أو يكثرون.

وتقام رقصة "أحواش" بمختلف المناسبات التي يحييها أبناء القرى والقبائل كالأعياد الدينية والوطنية ولكن تبقى بالخصوص تعبيراً عن الفرحة الجماعية التي توافق وتطبع دورة الحياة الزراعية.

ولا تستقيم رقصة "أحواش" إلا بتوفر عناصر بها يكتمل مفهومها في عرف التقاليد واصطلاح الجمهور وهي: الشاعر، الراقصون، الموقعون، الجمهور، المقدم. ويشترط في الشاعر الذاكرة الحفاظة للأشعار وسرعة البديهة والقبول الاجتماعي، أما الراقصون في أحواش فهم من يشكلون اللوحة الزاهية، والوجه البارز الجميل، والمنظر العام للرقص فهي مثار الانتباه، واهتمام وإعجاب المشاهدين، ويجب على الراقصين الاصطفاف والانضباط في الموقف والحركة، وقبل هذا وذاك التمرس والخبرة بشتى أنواع الحركات، مع جودة الأداء، والعلم بالألحان والأوزان، وهي مادة الإنشاد والغناء في الرقص.


الجلباب والبلغة والخنجر لاكتمال اللوحة

وبجانب استقامة الصف، وترتيب القامات مع ممارسة أنواع الحركات والخفة، لا بد من وحدة اللباس، حيث يرتدي المشاركون في أحواش زي الحفلات والأعياد المميز للقبيلة، فالرجال يلبسون الجلباب الوطني والقميص (تشامير) والبرنس والعمامة البيضاء ويتقلدون الخنجر الفضي، و"أقراب" (المحفظة الجلدية المزركشة بالحرير) بينما تتزين النساء بالحلي التقليدية التي تتكون عادة من القطع الفنية المسبوكة و كريات اللوبان.


"أعلام" مايسترو "أحواش"

يترأس المجموعة الراقصة أكثرهم وجاهة وخبرة بالرقص، وعرف بفنونه المتوارثة، ويسمى "أعلام" أي: ملقن الحركات، فهو قائد الجماعة، تصدر منه الإشارات اللازمة خلال الرقص برسم أداء الحركات في دقة وانتباه، وسرعة وذوق. ويشترط فيه أن يكون على معرفة بالأوزان والألحان والقاعات، ويتمتع بثقافة وأذن موسيقية رهيفة، يستطيع بها التمييز بين الألحان والأوزان والإيقاعات المتشابهة والمعقدة، وأن يكون كذلك خبيرا بالحركات وفنونها، مما توارثه الناس عن الأولين أو أحدثوه، مع معرفة القياسات الزمنية الإيقاعية والنغمية وخفة الحركة والتحكم في توازن الجسم.

يضطلع " أعلام" في المجموعة الراقصة، بدور قيادي مهم، فهو المسؤول في الرقص عن وحدة الحركة وتناسقها الإيقاعي مع الإنشاد، يراقب الضبط في أدائها، والانضباط في ملازمة الصف، فهو قائد الإبداع الجماعي عليه المعتمد في اختيار الحركات وترتيب أدائها وجودتها، بحسن ذوقه وذكائه وفنيته، وطول تجربته العملية في المراقص، لكي يمنح لوحة متكاملة.


الكلمة الفصل للجمهور

ويعد الجمهور في أحواش عنصراً أساسياً في إغناء مضمونه الأدبي والفني والاجتماعي، لما له من أثر فعال في إثارة حماس الشعراء والراقصين والموقعين جميعا، وإذكاء روح التنافس في الإبداع تجويد الأداء، سواء في الحوار الشعري بين الشعراء، أو في مجال الرقص والحركات الجماعية أو في عالم الإيقاع وهذه الروح التي تسري في نفوس المشاركين في أحواش بجميع عناصرها كان سببها الجمهور ورأيه النقدي وتشجيعه التلقائي.

وفي مجال رقصة أحواش، هناك تقليد مقدم أحواش له دلالة ذات أهمية بمكان، هي أن أحواش مظهر فني وثقافي في مجتمع القبيلة جدير بالعناية والتنظيم، ومهمته تتمثل في تنظيم المجموعة الراقصة، وتوجيهها ويشرف خلال السهرة على تفقد أحوال الجمهور بواسطة مساعدين متطوعين من شباب القرية طيلة السهرة، وله أن يحث على الإصغاء والهدوء، ويشجع على إبداء القدرات الفردية والإبداعية، بمختلف الأساليب المتاحة.

إن رقصة أحواش، التي تضرب بجذورها في عمق الموروث التاريخي والثقافي هي نموذج الفن الراقي والتعبير الفني السليم والتأطير الواعي للإنسان في تفاعله المستمر مع ذاته ومحيطه الخارجي.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى