أمل الراغب - كوكب الانوار.. قصة قصيرة

ما انفك يتساءل عن سر هذه الفتاة باردة المشاعر، كل يوم يحمل اليها الورود ويلقي عليها تحية الصباح قائلا: “صباح الورد” وهي ترد بكلمة واحدة “صباحك” يا لها من بخيلة في الحروف والمشاعر، كيف لها أن تكون أمامه بكل هذا الهدوء وهو الذي أعتاد على صخب الحياة والضحك، لم يعلم ما كانت ترمي إليه بكلمتها تلك ولا مقصدها منها، كان يعتقد أنها لا تتقن فن الحوار أو أن الحروف أخذت من لسانها إجازة، فهي بنظره لن تقصد من حروفها أكثر مما تكونه الكلمة، هكذا أعتاد من جميع الاناث اللواتي قابلهن، ولكنه كان يرى في عينيها تلك اللمعة التي تشي بما لا يقال، في كل مرة يمر بالقرب من مكتبها المجاور لمكتبه على بعد عدة امتار، يشعر ببريق عينيها يغتاله من غير النطق بحرف.

ولكن ذاك اليوم لم يكن كباقي الأيام، حين أتى يخبرها أنه يشعر بقربها منه وكأنهما التقيا من قبل، تلعثمت ولم تعرف بما تجيب، فما كان منها إلَا أن أجابته ممازحة: “ربما التقينا سابقا، في عالم آخر، فأنا كنت قبل خمسة وأربعين الف سنة أعيش في كوكب زحل، لعلك مررت يوما من هناك”.

لم يستغرب ردها وكأنه كان يتوقعه وجوابه كان حاضرا حين قال: “نعم أعلم الآن أين التقينا، فقد رأيتك تطلين من نافذة منزلك هناك، وكان شعرك يتطاير في الهواء، حينما كنت أعبر الكوكب طائرا إلى كوكبي، “كوكب الانوار”، الم تعلمي أنني بطل خارق؟ أطير أنقذ الناس؟ سأكون بطلك انتِ منذ اليوم فما رأيكِ؟”

رغم علمها بحقيقة خرافته هذه، تمنت لو أنها حقيقة، حاولت أن تصدّقها وتقنع عقلها أن ما قاله بمزاح ليس إلا واقعا ممكن أن يتحقق، ألم تصدق ساندريلا خدعة السحر لتحويلها إلى أميرة، وعندما رأها الأمير أحبها وبحث عنها في كل مكان حتى بعدما علم بحقيقتها؟

Amal El Ragheb-A

المهم أن نؤمن بما نريد كي يتحقق حتى لو كان حلما بعيدا أو حتى خرافة لا أصل لها. أليس للخيال مذاق آخر لا يشبه مرارة الواقع، لماذا لا تجرب هذه الخرافة إذن؟. ولكنها سألته باستغراب: ” كوكب الأنوار؟ لماذا اخترت هذا الاسم تحديدا”؟ ضحك وهو يخبرها أنه يحب النور جدا وأينما وجد يوجه نظره إليه، ترى هل يراها نورا أيضا لذلك توجه إليها بنظره وأعجب بها؟

ولكن كيف يعجب شخص بفتاة لا يستطيع فك الغاز حروفها؟ أما هي فكانت تراه بطلا حقيقيا يطير في سماء روحها وينقذ ما تبقى من آمالها، لذلك كانت لا ترى شيئا يضاهي صباحه هو، الورود تذبل بعد قطفها، فكيف يكون صباحه مثلها وهو الذي يبقى عطر وجوده إلى أن تغمض عينيها، لن يفهم كلامها حتى لو بعد ألف عام طالما يظنها مثل باقي الفتيات ولا تقصد بحروفها إلا ما ينطق منها.

تمر الأيام بسرعة الضوء، تحديدا الأيام الجميلة منها، وهو في كل مرة يلتقيان فيها يمسك يدها، ويقول: “هيا نطير سويا”، تشع عيناها وترتسم على ثغرها أبتسامة خجولة، فيضع على كتفيها رداء الشوق ويحلق بها في جنون الخيال، يراقصها ويلاعبها، يحملها بين ذراعيه كطفلة، وهي تعانقه كمن يخاف فعلا السقوط من أعلى، فالسقوط لا يكون دائما من الارتفاعات، بل سقوط أحلامنا أيضا يحدث كسورا غالبا لا تلتئم. كانت على يقين أنه متهور وأنها سريعا ستهوي هي وآمالها في وادي جنونه، لذلك كانت ترجو أن يتوقف الزمن قليلا وتبقى معه في “كوكب الأنوار”، ذاك الذي يشع من نور عينيه، نور عينه هو فقط، وحدهما كانتا العالم الآخر الذي تمنت أن تسكن فيه، كلما حدقت بهما، عادت أعواما كثيرة إلى الوراء، رجعت طفلة تحبو على أرض الشوق، وتأمل ألا تكبر من جديد، عالم كل ما فيه جميل، ينتشلها من بؤرة الواقع الممل الرديء، لذلك قررت دفع ثمن تلك اللحظات مشاعر متدفقة، لم تحسب لها أي حساب، أرادت أن تجعله أميرها وبطلها فهو الوحيد الذي استطاع ملء روحها، سعت لأن ترى ضحكته بأي ثمن فلا يهم ما سيحصل لاحقا، أما الأهم فهو أن تعيش اللحظة. ولكن الأحلام على كوكب الأرض لا تشبه تلك الموجودة بالقصص، وحتى تتحقق لا يكفي فقط أن نؤمن بها، بل علينا أن نعرف كيف نحققها ونتعامل معها، فطيبتنا تتحول إلى سذاجة في عيون من نحب، لأننا نتجرد أمامهم من أوشحة الحسابات ونتخلى عن انتظار المعاملة بالمثل. والمشاعر التي تقدم على طبق من ذهب لا تكون بالمذاق ذاته كتلك التي يفني المرء روحه من أجل الحصول عليها، لكن بعد وقوعه في شرك العطاء من دون حساب، لا يستطيع العودة إلى الوراء ولا ترميم المشاعر التي هدّمتها نظرة الآخر فيه. يعود يحمل جعبة من الخيبات ولكن معها درس دفع ثمنه غاليا.


نقلا عن موقع ألف لام

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى