أ. د . عادل الأسطة - صورة العرب في الأدب العبري يورام كانيوك في 1948 (2)

[HEADING=1]ما الصورة التي تبرز للعرب في كتاب الأديب العبري (يورام كانيوك) "1948"؟ سارد الكتاب هو يورام كانيوك نفسه، وهو يفصح عن اسمه في مواطن عديدة، أول مرة ذكر السارد أن اسمه يورام، وفي المرة الثانية ذكر أن اسمه يورام ك، وفي صفحات متأخرة أورد اسمه كاملاً: يورام كانيوك، وكما ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي، فإن الكتاب هو سيرة ذاتية جزئية للكاتب تركز على خمسة أشهر من العام 1948. في نهاية كتابه بين الكاتب السبب الذي حدا به إلى تأليف هذا الكتاب: "بعد سنوات كثيرة، أي ليس من زمن بعيد، وقد غدوت كهلاً، وبعد مرض شديد، طلب مني التحدث إلى طلاب شباب عن الحرب ..." (ص 240) ويكرر ، باستمرار ، وفي صفحات عديدة ، أن ما يكتبه يعتمد على الذاكرة، فهو في السادسة والسبعين من عمره ، يروي عن حياته في سن السابعة عشرة ، يوم شارك في حرب 1948. "منذ تسعة وخمسين عاماً أحاول كتابة هذه الأمور. لست متأكداً مما أذكره بالفعل، وأنا لا أعتمد على الذاكرة ، لأنها ماكرة ، وليس فيها حقيقة واحدة" (ص 23)، وغالباً ما يكرر الكتابة عن حالته زمن كتابة الكتاب ، وعن حالته التي هو عليها ، حتى لكأنه يقول : إنه غير متأكد من صدق ما يقول ، وإن ما يقوله قد يكون وقع ، وقد يكون اختلط بأحلامه أو بقراءاته : "أكتب هذه الأشياء في هذه الساعة، وقد غدوت كهلاً، ودماغي خاو. أنا تجويفة كعكة. لا أذكر أكثر مما أكتب هنا، ولعلي قد ابتدعت بعض الذكريات في مرّ السنين ... هل ما رأيت قد رأيت حقاً ؟ وأين كان "الأنا" المتواجد اليوم، إلى جانب كل تلك الأيام التي اختزنتها بداخلي، أم لعلّ ذلك كله كان حلماً حلمته؟" (155) الفكرة هذه تتكرر في صفحات لاحقة، وأظنها مهمة جداً للموضوع الذي سأخوض في جانب منه، وهو صورة العربي في الكتاب، ففي ص172 يعود ويكتب: "إن كل ما سأكتبه هنا غير واضح لي تماماً، أما المعركة فقد نسيتها، فقد خبت في داخلي لأكثر من ثلاثين عاماً... بيد أن ما أكتبه ليس بالضرورة ما كان فعلاً. عبد القادر الحسيني في النص : مدخل ما لفت نظري في الكتاب هو مرايا الذات والآخر؛ الصورة التي يبرزها لليهود، والصورة التي يبرزها للعرب، وتحديداً الصورة التي يبرزها للشهيد عبد القادر الحسيني. وقبل التوقف أمام صورة عبد القادر أود أن أشير إلى أن كانيوك لم يظهر للذات صورة واحدة إيجابية، كما لم يبرز للآخر صورة واحدة سلبية، فالمتتبع لمرايا الذات اليهودية يلحظ تلوناً فيها، وكذلك الأمر فيما يخص صورة الآخر. ولكن الأهم من هذا كله هو كلام المؤلف عن الذاكرة الماكرة، فهو، كما يشير الكتاب، يكتب عن أحداث 1948 بعد 62 عاماً من انتهائها، بل ويذهب إلى ما هو أخطر، فهل ما يكتبه حدث حقاً أم أنه ما كان يحلم به؟ وهل ما كتبه هو ما كان فعلاً أم أنه ليس بالضرورة ما كان فعلاً؟ إن قارئ الكتاب، كما ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي، يتذكر وهو يقرأ عن بعض ما جرى، وعن بعض بطولات اليهود وخوف العرب وجبنهم، بل وعن وحشيتهم ولا إنسانيتهم، يتذكر الأدب الصهيوني الذي نفخ في الشخصية اليهودية، وقلل من شأن الشعوب الأخرى، ومنها العرب، يتذكر المرء بخاصة رواية (ليون أوريس) "اكسودس"، وصورة اليهودي فيها وصورة العرب. اليهودي بسوطه على فرسه يخيف سكان قرية عربية كاملة. وإذا ما عاد المرء إلى رواية (ارثر كوستلر) "لصوص في الليل" مسوغة، فإنه يرى وحشية العرب ولا آدميتهم. أتذكر منظر ثلاثة شباب عرب مناظرهم منفّرة يعتدون على فتاة يهودية متحضرة ترتدي الشورت والـ "تي شيرت" وتقود حصانها في البراري، فيغتصبونها ويقتلونها. هل كانت بعض قراءات (كانيوك) لمثل هذه النصوص وجدت طريقها إلى كتابه، وهو ما جعله يكتب: "لعل ذلك كله كان حلماً حلمته" و"أن ما أكتبه ليس بالضرورة ما كان فعلاً؟". وعموما لا أستطيع أن أقول إن ما كتبه خرج من معطف الأدب الصهيوني الذي رسم صورة سلبية بالمطلق للعرب، ولكن بعض ما كتبه يتطابق وما ورد في روايات صهيونية دعائية كان هدفها الإعلاء من شأن اليهود والتقليل من قيمة العرب. و"كانيوك" كان، في أحايين كثيرة، يدعو إلى التعايش والأخوة العربية ـ اليهودية، وكان صديقاً لإميل حبيبي، وبعد أن قرأ الكاتب جميل السلحوت بعض ما كتبه عن كتاب "1948" عقب على الكتابة، وأشار إلى أن كانيوك تغير، وأتذكر أنه في العام 2006 و2007 أيد الحرب على لبنان وعلى غزة أيضاً، من منطلق أن الإسرائيليين انسحبوا من جنوب لبنان ومن غزة، فلماذا يواصل هؤلاء حربهم؟ صورة عبد القادر الحسيني في النص : يبرز النص صورة تبدو كاريكاتورية ومضحكة للشهيد عبد القادر الحسيني "لمحتُ في لحظة كوفية من النوع الفاخر مثبتة بعقال مذهّب، ومن تحتها رجل وعلى جنبه سيف. صاح موشيه : انظروا إلى هذا.. أتراه رودولف فالنتينو! [ممثل سينمائي أميركي من أصل إيطالي] هتف هذا البوك جونز [من مشاهير الممثلين السينمائيين الأميركان] المتمنطق الكوفية بالإنجليزية Hello Boys. لم نفهم تماماً لماذا يخاطبنا صارخاً بالإنجليزية. أصدقاؤنا يتهافتون ويطلقون علينا النيران، فيصيب أحدهم فالنتينو، ويدرك للتوّ أنه أخطأ، لكن الرجل يستلّ مسدسه مصوّباً إلينا..." (66). يبدو الشهيد عبد القادر أشبه بممثل سينمائي، وحين يذهب إلى الحرب يذهب إليها وكأنه في نزهة، ولا يخفف من هذا الوصف والتشبيه ما كتبه كانيوك بعد صفحتين: "إنه عبد القادر الحسيني. كان هذا الرجل المتأنّق القائد الأسطوري للقوات العربية في المنطقة منذ الثلاثينيات، وهو ابن عم المفتي. عبد القادر الحسيني في النص الأدبي الفلسطيني : النص الأدبي الأبرز الذي قرأته ويرسم صورة لعبد القادر الحسيني هو رواية سحر خليفة "حبي الأول" (2010)، وقد صدرت قبل عام من ترجمة رواية (يورام كانيوك)، وكان عبد القادر في عيون الفلسطينيين قائداً فذاً أسطورياً، نظر إليه، كما تقول الرواية، كما لو أنه المخلص المنتظر. عبد القادر الحسيني، منذ شبابه ودراسته في جامعة عربية كان وطنياً مخلصاً غيوراً صادقاً محركه الأساس حبه وطنه وأمته، حتى لو فصل من الدراسة في الجامعة العربية دفاعاً عن الحق وقول الحقيقة. كان متواضعاً يعمل لصالح وطنه وشعبه، وكان يثق في شعبه، وحاول وحاول مراراً الحصول على السلاح من أجل الدفاع عن فلسطين، وكان فوق هذا كله شاعراً. وكما كان يثق في الشعب، فقد كان الشعب يحبه، وكان يعلق عليه آمالاً عريضة، كما لو أنه المخلص المنتظر. "نظرت حولي، فرأيت نساء الجمعيات ونساء الوفود، والممرضات يحطن بالقائد يتعبدنه بعيونهن، وينظرن إليه، كما لو كان يسوع المخلص، ماذا وأين؟ وأين الجمال والقوة؟ لو أنهن رأين كيف صلبوه في مقر الشام!" (329)، وفي صفحات لاحقة: "وإن مات القائد كلنا سنموت. إن مات هو من يبقى لنا" (334). وتبدو صورة عبد القادر الإيجابية بارزة حين تقارن بصورة الزعماء العرب في البلدان العربية، فبقدر ما كان وطنياً صادقاً غيوراً على وطنه، مندفعاً أشد الاندفاع للحصول على السلاح والذهاب إلى أرض المعركة للدفاع عن أرضه وبلده وأهله، كان الزعماء العرب متخاذلين، ما يذكر المرء، وهو يقرأ رواية سحر خليفة، بقصيدة الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) التي كتبها في ثورة 1936، والصورة التي أبرزها فيها لكل من الزعماء العرب من ناحية، وللقسام وفرحان السعدي من ناحية ثانية. ما يكاد يتقارب في نصي (كانيوك) وخليفة هو وصف ما حدث بعد ذيوع نبأ استشهاد الحسيني، فقد نزل المقاتلون الفلسطينيون عن الجبل ليشيعوا جثمان الشهيد، وهنا حدثت الكارثة وتغيرت وجهة الحرب "ربما أن تلك اللحظات هي التي غيرت وجه الحرب" (ص68) يكتب كانيوك.[/HEADING]

[HEADING=1][/HEADING]
2014-04-27




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى