أ. د. عادل الأسطة - إلياس خوري وبنيامين تموز: عرب طيبون ولكن ....

هل تقتصر صورة العربي في الأدب الصهيوني على تلك التي أبرزها غسان كنفاني في كتابه “في الأدب الصهيوني” (1966)؟ يخلص كنفاني، بعد قراءته الأدب الصهيوني، باللغة الإنجليزية طبعاً، إلى أن صورة العرب ظهرت في ذلك الأدب على النحو الآتي: “العرب خبراء في البناء فوق حضارات الأمم الأخرى” و”هم لم ينتجوا شيئاً يستحق المشاهدة إلاّ كباريهات وكرتات بوستات حقيرة، من طنجة إلى طهران، في الألف سنة الأخيرة” وهم إذا خاضوا معركة ليس لديهم أي حافز لها وإذا ماتوا فإنما في سبيل حكامهم وأفنديهم أو في سبيل النهب..”، ولا يغفل كنفاني الكتابة عن نماذج أخرى تبرز في الروايات الصهيونية تمدح العرب، ولكن هذا المديح، من وجهة نظره، هو مديح أكثر سوءاً من التهجم ذاته، فبعض العرب رحبوا بالصهيونية باعتبارها الخلاص الأوحد للشعب العربي. وهذا النموذج برز، ابتداءً، في رواية (هرتسل) “أرض قديمة ـ جديدة” (1902) ممثلاً في شخصية رشيد بك. للكتابة عن العرب في الأدبيات الصهيونية، على قتامة الصورة التي تبرزها تلك الأدبيات، وجه آخر ينقض تلك الأدبيات من داخلها، إذ تبطل الكتابة المقولة الصهيونية التي أرادت الحركة الصهيونية، من خلالها، إقناع الغرب بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الصورة التي تبرزها تلك الأدبيات لفلسطين، من أنها صحراء قاحلة ومستنقعات تكثر فيها الملاريا والبعوض، تنقضها صورة أخرى حفلت فيها بعض الأدبيات التي كتبت لاحقا وعن مشاهدة حقيقية لفلسطين. كأن الأدبيات الصهيونية ينقض بعضها بعضا. إن قراءة مثلا لقصة (بنيامين تموز): “منافسة سباحة” (1951) تنقض تلك الصورة التي أبرزها (هرتسل) في روايته (1902)، تماماً كما أن ما جرى في قصة (تموز) من قتل للعربي ينقض ما ورد في رواية (هرتسل) الذي دعا إلى التعايش مع سكان البلاد. أيعود السبب إلى أن (هرتسل) أراد أن يتمسكن حتى يتمكن؟ أم يعود إلى أنه لا يجدر أن يجاهر بحقيقة ما يخفيه المشروع الصهيوني، وما يخبئه لسكان البلاد، حتى لا يثور هؤلاء في وجه القادمين الجدد، قبل أن يتمكن هؤلاء ويصبحوا قادرين على المواجهة؟ تثير رواية إلياس خوري أسئلة عديدة حول دفاتر آدم المؤلف الضمني للرواية، ولكن هذه الأسئلة سرعان ما تتعثر بإجاباتها، فتفصح عن المراجع الحقيقية للدفاتر، وتحيل أحياناً إلى مراجع أخرى يعرفها قارئ الأدب العبري. ومن هذه المراجع الأخرى، كما ذكرت من قبل، قصة (تموز) “منافسة سباحة”. حفلت القصة المذكورة بترجمات عديدة إلى لغات عديدة، ومنها العربية، وقد ترجم د. أحمد حماد أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس/ القاهرة كتاب (إيهود بن عيزر” صورة العربي في الأدب العبري: في وطن الأشواق المتناقضة” (2001)، وضمّ الكتاب قصصاً مختارة من الأدب العبري، منها قصة (تموز)، ومن المؤكد أن القصة نشرت، أيضاً، بالإنجليزية، وقد ترجمت إلى الألمانية في كتاب عنوانه “Ich ging durch meer u>si-eine” وصدر في 1989 (أعدته ايتا كاوفمان). وكما ذكرت، فإن ما ألم بالعربي مفيد شحادة في رواية “أولاد الغيتو: اسمي آدم” يذكر بما الم بعبد الكريم في قصة (تموز)، حيث لم يتوانّ الإسرائيليون في 1948 عن قتل عرب عرفوهم وكانت علاقتهم بهم ودية إلى حد ما. وهذا ما أتى عليه (إيلان بابيه) في كتابه “التطهير العرقي”، وشكل الكتاب مرجعاً اعتمد عليه خوري في بناء روايته. إن كتاب (بابيه) دفتر آخر من دفاتر آدم. ما يهم هنا هو ما تقوله قصة (تموز). إنها قصة تفصح عن أن الحركة الصهيونية في سبيل تحقيق أهدافها ما كانت تتوانى عن القتل والطرد حتى لأولئك الذين استقبلوا اليهود في بيوتهم وأقاموا معهم علاقات ودية. وكما قتل مفيد في رواية خوري، علماً بأن أباه كان على علاقات تجارية حسنة مع اليهود، فإن عبد الكريم الذي كانت أمه استضافت الممرضة اليهودية وأكرمت وفادتها وابنها، فإن عبد الكريم قتل، أيضاً، ولم تشفع له ذكريات الأيام الماضية. وما يهم، أيضاً، في قصة (تموز) أنها نفسها تأتي على أراض خضراء فيها برك سباحة وبيوت جميلة يملكها الملاكون العرب، وأن فلسطين بالتالي لم تكن أراضي خربها العرب، بعد ترك اليهود لها، وحوّلوها إلى مستنفعات يكثر فيها البعوض والملاريا.

أد .د عادل الأسطة
2016-04-24

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى