نقوس المهدي - بخصوص مقال د. أمين الزاوي (لماذا يخشى العرب ترجمة الأدب الإسرائيلي إلى لغتهم؟)

[أستغرب كيف تترجم وتُنشر كتب كثيرة في مدح الفاشية، وتقرأ في كثير من البلدان العربية والإسلامية من دون رقيب أو حسيب، ويعتبر نموذج كتاب "كفاحي" لأدولف هتلر، على سبيل المثال لا الحصر، واحداً من هذه الكثرة، بينما في المقابل يتم منع ترجمة كتب أخرى أقل خطورة على الفكر وصناعة المخيال المعاصر للمواطن العربي الجديد. ]



هكذا استهل الكاتب الجزائري الدكتور أمين الزاوي مقالة يتساءل من خلالها عن (لماذا يخشى العرب ترجمة الأدب الإسرائيلي إلى لغتهم؟)
والأسئلة هي أساس الاكتشاف، والوصول الى نتائج حتمية من شانها إنارة السبيل نحو الحقيقة

وليس غريبا ان بثير هذا المقال حساسية بعض القوم ممن ينصبون انفسهم أوصياء على الفكر يحسبون على الناس انفاسهم وخلجاتهم.. يحاسبونهم على أقوالهم، يفتون في امور مايستحب قراءته، وما لا يجوز مسه، وبنوع من الأستاذية والتعالي، يجهزون لهم صك اتهام، ويصدرون في حقهم احكاما

الامر هنا يتعلق بخصوص مقال د. أمين الزاوي، الذي قوبل بوابل من اللغط المجاني، والتشكيك، وكلها تهم تجرم دعواته لترجمة الادب والفكر والثقافة العبرية لى اللغة العربية.. وهو امر حضاري، وعادي تقريبا، يدخل من باب استقلالية الرأي والفكر والمعتقد ، بل ويدخل في خيار الحريات الشخصية والقناعات..

والاطلاع على الادب العبري شيء تفرضه الضرورة ، كما تفرضه الظرفية التاريخية لمعرفة خبايا هذا الفكر العنصري.. وترجمته من أو إلى لغته الام او اللغات أمر نابع من قناعات شخصية لا تخص أحدا ، ولمن كان ضده فذلك شانه ليقرأه او يتركه فالامر سيان ولا يزيد الا غفلة وجهلا وخذلانا

والمثقف العربي الذي يطلق مثل هذه الاحكام الجاهزة والتهم المجانية انسان منافق . وهذه الخرجات الاعلامية المضادة هي اعلى قمم النفاق الثقافوي الذي ينخر مخ العربي .. خاصة بعد زحف المد الاسلاموي البغيض الذي اكتسح الساحة العربية بكل ترسانته وارتكاسته وفوضاه ، فاصبحنا نسمع عن شعارات التخوين التي كانت غائبة عن الفكر المادي لما قبل عقدي ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي

ففي الوقت الذي يتفاخر المثقف العبراني باكتشاف المجتمع العربي وتفكيكه وفهم طباعه والتعرف عليه عبر ترجماته لأمات الكتب العربية .. وتضرب اسرائيل حصارا على الاراضي العربية المحتلة ، وتتوغل عسكريا واقتصاديا في عمق الكيانات العربية ، نجد المثقف التقليدي العربي يضرب حصارا سميكا علي الفكر التنويري عموما .. معتبرا اياه فكرا عدوا و عدوانيا .. بينما نجده اكثر عدوانية وانبطاحا وتزويرا وتزمتا وشوفينية واقصاء للغير حتى مع مواطنيه ، مزهوا بجهله ، منتفخا منغلقا متطرفا في مواقفه وتصرفاته .. ولا يكاد يعرف عن آداب البلدان المجاورة له أدنى شيء.. بل لا يعرف حتى اداب وتراث وفنون بلاده.. خاصة المعربون لأن تفكيرهم قاصر ومحدود نابع من اصول فكرية اكثر تشددا وشذوذا وتحجرا وتخلفا وأمية وجهلا وتطرفا وكبتا ورهبانية وغرورا . ويدعون دوما لاقصاء الاخر وتثبيط جهوده وتشجيع الرشوة والمحسوبية والتحقير والموالاة ويقفون في طريق الاجتهاد والنجاح والبحث العلمي .. بل و لا يتميز الواحد منهم عن عقلية الفقيه التقليدي في افكاره وتصرفاته

و نجد ان بعض من انتقدوا الدكتور أمين الزاوي لهم مواقف سلبية مسبقة منه شخصيا ومن فكره التنويري المثير للجدل ، وجاهروا بها علانية حتى بدون مناسبة على اليوتوب، ووجدوها ذريعة لمهاجمته مع سبق الاصرار والترصد للرد على دعوته ومهاجمته ، متوهمين أن فضولهم سيجعل منهم أبطالا مناصرين للقضية الفلسطينية ومنافحين عنها ، ويجعلهم على خطوط النار مع اسرائيل التي طبع معها بمكر الكثير من السياسيين والفنانين والكتاب العرب بلا خجل ولا حياء

هل يمكن اعتبار دعوة الدكتور أمين الزاوي لترجمة الادب والفكر الاسرائيلي الى العربية اثما ودعوة الى التطبيع ، وهي جريرة قد تمس حتى من يقرأه ويدرسه في الجامعات

هل قرأ هؤلاء الأدعياء المتهافتون روايات كافكا خاصة " مستوطنة العقاب" وقصصه القصيرة التي تهاجم العرب، خاصة نصه الاشكالي " بنات آوى وعرب" ، اعتقد العكس، لانهم يقدسون الشخصية ولا يستطيعون النيل من شخصية كافكا الذي ارتقى بأدبه الى الكونية مع ان بعضهم قرأها وطبل لها وافتتن بترجماتها العربية العديدة

أو قرأوا كتاب الحرية أو الموت لنيكوس كزانتزاكيس الذي تنوي اسرائيل اعتقاله حيا او ميتا لأنه شرح المجتمع الاسرائيلي في بدايات غزوه المقيت واستباحته لارض فلسطين

أو قرأوا لكتاب يهود متسامحين ناصروا القضية الفلسطينية ، وجاهروا بأصواتهم ضد الانتهاكات الاسرائيلية العنصرية الجسيمة، وتحملوا من اجل ذلك الكثير من المتاعب ، وكانوا أكثر شجاعة وإقداما من بعض الكتاب العرب أنفسهم

ثم هل المواطن العربي في كامل حر يته، اعني ان جل الاوطان العربية مستعمرة بصورة او اخرى ابتداء من المغرب الذي تحتل اسبانيا جزءا من ترابه ، وصولا لاقصى دول المشرق المسيرة سياسيا واقتصاديا من طرف دول استعمارية ، وتدفع الكثير من الأموال لشراء الشرعية والدعم والحماية لأنظمتها الرجعية

ومتى يفهم بعض الانام ان ترجمة الاداب انما هي تشجيع للمعرفة وانفتاح على ثقافات أخرى ، وليست تطبيعا ولا دعوة لذلك

ومثل كل مرة سينقسم القوم الى فريقين ، فريق يخلط الفكر بالسياسة ويرفض هذه الدعوات ويشجبها ، وفريق سيؤيد هذه الترجمات ويدعو لتشجيعها وترويجها والمساهمة فيها .. و سيحتدم النقاش ككل مرة..

بالنسبة لي لا احب ان يتدخل احد في حياتي واختياري وقراءاتي .. حتى من الذي ولدني


نقوس المهدي/المغرب




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى