أ. د عادل الأسطه - محمد علي طه في روايته " نوار العلت " والكتابة عن اليهود :

أ. د عادل الأسطه - محمد علي طه في روايته " نوار العلت " والكتابة عن اليهود :



" نوار العلت " رواية جديدة لمحمد علي طه الجليلي صدرت مؤخرا عن الأهلية في عمان .
أصدر الكاتب من قبل رواية هي " سيرة بني بلوط " ٢٠٠٤ ، و سيرة ذاتية " نوم الغزلان " ٢٠١٢ ، وأكثر من إحدى عشرة مجموعة قصصية وعرف أولا كاتب قصة قصيرة .
تحول كاتب قصة قصيرة إلى كتابة الرواية أو النوفيلا في أدبنا ظاهرة لافتة بدأها جبرا ابراهيم جبرا وسار على خطاه كتاب كثيرون ، مثل إميل حبيبي وتوفيق فياض ويحيى يخلف وغريب عسقلاني ومحمد أيوب ، وهناك كتاب مالوا في الأعوام الأخيرة إلى الرواية أو النوفيلا مثل محمود شقير وأكرم هنية ومحمد نفاع ، ولا ننسى كتابة شعراء عديدين الرواية مثل سمبح القاسم وأسعد الأسعد وزكريا محمد وغسان زقطان .
حقا إن الظاهرة تبدو لافتة .
في روايته الأخيرة تستثار ذاكرة قاريء الأدب الفلسطيني ، فيربط بين الرواية وأعمال أدبية عديدة أنجزها أدباء المقاومة ، بخاصة تلك الأعمال التي صورت العلاقات بين العرب واليهود ، وهنا أشير إلى قصائد راشد حسين في " الحب ... والغيتو " ومحمود درويش في ريتا وقصص سميح القاسم الطويلة وأهمها " الصورة الأخيرة في الألبوم " ١٩٨٠ وقصة عبدالله عيشان " الغلطة " ، ولا يجهد الكاتب قارئه بالبحث عن صلة روايته بالأدب العبري ، إذ يذكر رواية الكاتب الإسرائيلي ( ا.ب.يهوشع ) " العاشق " التي نقلها إلى العربية ، في العام ١٩٨٤ ، الشاعر محمد حمزة غنايم ، وتتناص رواية " نوار العلت " تناصا لافتا مع رواية " العاشق " على صعيد الشكل ومرايا العرب واليهود ، وليس محمد علي طه أول كاتب يتناص معها ، فقد سبقه الروائي اللبناني إلياس خوري في " أولاد الغيتو : نجمة البحر " ، وهو ما أتيت عليه من قبل في كتاباتي .
في الصفحة ٧٥ من الرواية نقرأ :
" هذا يذكرني يا عزيزتي برواية " العاشق " .
هذا إقرار بقراءة الرواية ، ما لا يدفع مجالا للشك بالصلة بين الروايتين .
في الصفحة السابقة تحس ، إن كنت قرأت " العاشق " ، أنك ما زلت تقرأ فيها ، بخاصة حين يأتي طه على فارس وعمله " وقالت له : اسمه فارس وله راحتان من ذهب " . كما لو أنك تقرأ ما كتبه ( يهوشع ) عن العامل العربي نعيم . إن العاشق في رواية طه هو فارس الذي تريده شولا زوجة أوري صديقا لها .
قبل أن يكتب ( يهوشع ) روايته كتب محمود درويش قصيدة " الكتابة على ضوء بندقية " ( ١٩٧٠ ) وفيها يأتي على سيمون وشولميت ومحمود . يكون سيمون في الجبهة وتحتاج شولميت إلى صديق فيكون محمود العربي . إن شولميت / شولا تحتاج إلى حنان وحب تفتقدهما في سيمون الذي تشتم فيه ، حين يمارس معها الحب ، رائحة الحرب والرصاص . فحين كانت كفه تفترس خصرها كانت تصيح : لست في الجبهة ، وخلافا له يكون محمود طيب القلب خجولا ويقول كلمات توقع المنطق في الفخ . هذه العلاقة ثلاثية الأطراف نجد شبيها لها في قصة المستوطن ( نفتالي ) بيافا " ( نفتالي = سيمون ، ومحمود = سمير ، وشولميت = يافا ) والاسم يافا عموما هو الاسم الذي استخدمه راشد حسين في قصيدته للفتاة اليهودية وهي كما يافا في رواية طه تقيم علاقة مع أنا المتكلم في القصيدة - أي الشاعر .
والعلاقة بين يافا وسمير تعيدنا إلى علاقة روتي وأمير في " الصورة الأخيرة في الألبوم " لسميح ، علما بأن والد يافا الضابط الإسرائيلي المتقاعد هنا لا يكون عنصريا ، فلا يمانع في إقامة ابنته علاقة مع عربي ، خلافا لوالد روتي الضابط الاشكنازي الذي يكره السفارديم والعرب ، والأطرف أنه يسمح لهما أن يناما معا في بيته دون أن يكونا ارتبطا بعلاقة زواج .
وأنت تقرأ عن يافا وسمير وزيارتهما للقرية واستقبال والدة سمير لهما واحتفالها بهما لا ترى فرقا بين ما قرأته وما قرأته في قصة سميح الطويلة المذكورة . إنك هنا ، دون وعي ، تجد نفسك تكرر " لا أرانا نقول إلا معادا مكرورا " ، ولسوف تقرأ تقريبا كلمات الترحيب نفسها .
هل كانت مرايا الذات والآخر في " نوار العلت " خارجة من بطون الأعمال السابقة أم أن تشابه الواقع الذي عاش فيه الكتاب وتشابه المنطلق في الكتابة هو ما أدى إلى تشابه الكتابة ؟
مرة قال محمود درويش إن شعراء المقاومة في الأرض المحتلة كانوا يكتبون قصيدة واحدة - أي قصيدة متشابهة . طبعا لتشابه الواقع والتجربة والمنطلق الفكري . ( أحيانا نقرأ في الرواية عن شخصيات فلسطينية معروفة ، كما في صفحة ٢٣٦ و٢٣٧ إذ يذكر البروفيسور الفلسطيني سليم ، طبيب القلب المشهور " وله اسم عالمي " " أخبرني سمير أن البروفيسور يجري عمليات جراحية في مستشفيات القدس ولندن والرياض وبيروت ودبي وأضاف : سليم يطير من عاصمة إلى عاصمة " والفلسطينيون يعرفون الدكتور سليم وفصته مع رامي الحمدلله الرئيس السابق لجامعة النجاح الوطنية ) .
ومن يقارن صورة المجتمع الفلسطيني في الرواية بصورته في قصص الكاتب في ٧٠ ق ٢٠ يلحظ التطورات التي طرأت عليه ، فالمجتمع الذي كان مجتمعا مقاوما يدافع عن الأرض غدا مجتمعا مفككا . لقد حلت العصابات محل الحزب والجريمة محل التماسك الاجتماعي وهو ما نلحظه في الرواية ، وهو مخالف لما في قصة الكاتب القصيرة التي نشرها في سبعينيات القرن العشرين" وصار اسمه فارس أبو عرب " مثالا . فارس في القصة عامل ينتمي إلى الحزب الشيوعي ويوزع جريدته ويدافع عن أرضه ويشتبك مع الجيش الإسرائيلي ، ولا يقتل من أجل مال ولم ينتم إلى عصابة أو مافيا . طبعا نجد في الرواية شببها له ، بل نجد من يحمل اسمه فارس ، ويكون أيضا عاملا ماهرا . إن سمير مثلا شاب فلسطيني يدرس في الجامعة وهو ذو وعي وطني يشارك في الحياة الجامعية ويناضل من أجل حقوقه الوطنية ، شأنه شأن أمير في قصة سميح الطويلة .
تنتهي الرواية عموما بقتل المستوطن ( نفتالي ) للشابة اليهودية يافا أهروني ، لأنها فضلت عليه الشاب العربي سمير ، وكان نفتالي ، كما جاء في مذكراتها التي تركتها ، كان حذرها قائلا :
" بنات إسرائيل لأبناء إسرائيل " .
المساحة محدودة والكتابة تطول .

الجمعة والسبت
٢٣ و٢٤ نيسان ٢٠٢١ .



( مقال اليوم في جريدة الأيام الفلسطينية متوسعا فيه )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى