أحمد الفيتوري - طبع يُطبع تطبيعاً! (1 - 2)

ضمن أوراقي، عثرت على كتابة، عن رواية أو رواية سيروية، قرأتها في حينها بشغف، وكتبت كقارئ عما قرأت، ما يعد انطباعاً عابراً. لكن الكتاب/ الرواية السيروية، مر عابراً في حاله كمؤلفه. في حين أن الكتاب/ الرواية يثير مسألة عميقة وجذرية، كمسألة إنسانية، وكذا كمسألة سياسية، تخص الإنسان «اليهودي العربي»، من اعتبر ضمن المسألة اليهودية، كما يراها الغرب، هكذا وبالجملة، ودون أي اعتبار له كإنسان حر، أن يرى المسألة كما تخصه.

الكتاب كما المسألة التي يثيرها، ضمن سرده كرواية، إشكالي على كل مستوى، وحتى أن الكاتب شخصية التباسية، دفن ضمن ما دفن، في مقبرة «اتفاق أوسلو»، ما حولت المسألة الفلسطينية، إلى مسألة قانونية تفاوضية... وهلم جرا. وعلى ذلك سأسارع بالتملص، من هذه القضية الشائكة والمعقدة، أنا أيضاً أدفن رأسي في أوسلو، وأنشر الأوراق، التي كتبت منذ عشرين حولاً، دون أية إضافة، وكأنها وثيقة لما جرى، في سالف الزمان، ما يعد عند تنابلة السلطان، الزمن الجميل. غير أني سأضيف، كعربي طيب، اعترافاً أن المرء عادة، ما يتكئ على الصعب، ليخفي ضعفه وتكاسله، وفي أحسن الأحوال: لا جدوى الكتابة أن لا جدوى الكتابة.

الكتاب: اعترافات عربي طيب
المؤلف: يورام كانيوك (يوسف شرارة)
ترجمة: عدنان حسين
الناشر: دار كنعان – دمشق
عدد الصفحات: 272 متوسطة .

الكاتب: إن اسمي ليس الاسم، الذي يظهرعلى غلاف هذا الكتاب. فأنا أعيش فى باريس، تحت اسم مستعار، تنتابني مشاعر الشوق إلى بلدي، وربما إلى بلداني، التي هي بلد واحد. خلفتني شجرتا النسب، مع أوراق خريف أوروبا، لأستر بها عُريي. ربما كنت فيما يلي، أحاول أن أدفع ضريبة أدين بها لنفسي، وضريبة أدين بها، لأولئك الذين يريدون تصفية حساباتهم معي، كما يبدو. إنني أتحدث عن ضريبة الأسى، وليس عن ضريبة الندم، نظراً لأنني من الصعب، أن أُلام لكوني قد ولدت على ما أنا فيه. فأنا ضحية تافهة، إن لم تكن عرضية، بيد أنني أعيش في غرفتي وحيداً، ومرآتي ليست انعكاساً لمبادئ موضوعية.

كان من المفروض، بما يلي، أن يكون اعترافاً، سيرة ذاتية جزئية. وبعد قراءته وإعادة قراءته، تأكد لي أنني لو نشرته، فإنه سيكون مصدر أذى لأناس أحبهم. لقد أعدت كتابة اعترافي، وغيرت الأسماء والأماكن: (هافا، على سبيل المثال، لم تكن هي بطلة كولونيا)، كما بدلت التواريخ والسيرالشخصية، لا بل حتى أنني غيرت، شبكة معقدة من العلاقات، لكي أحجب الحقيقة، بطريقة تبدو معها الحقيقة، التي أريد التعبير عنها دقيقة: (ولكن في الوقت نفسه، وبالقدر نفسه، أن تكون وهمية). وفي خضم إعادة الكتابة، سواء كان نحو الأسوأ أم نحو الأفضل، فإنني قد كتبت قصة. لقد كانت القصة، هي آخر شيء فى العالم، أريد أن أكتبه، فقد أردت أن أبكي وأصر بأسناني، لكن النتيجة جاءت قصة.

بناء على ذلك، سيتم الحكم علي، ليس وفقاً لما حدث فقط، بل وفقاً للطريقة التي أصف بها، ما حدث أيضاً، وفي أي من الحالتين، ثمة ما يدعو للشفقة. إن الرسالة السياسية، لهذه القصة، هي أيضاً، وببساطة، نتاج جانبي للحقيقة، التي حاولت أن أقدمها، وهي قد لا تكون مرغوبة، ولكنها ضرورية ظاهرياً. إن كثيراً ممن أحببتهم، هم الآن في عداد الأموات: كان من عادة فرانز، جدي من ناحية أمي هافا، أن يقول، إن عليك أن تكون، قريباً من الله، لتكون أيوباً صغيراً، إن آخر ما يهمني، هو الخوف من الله، فقد جعلني، مترجموه ومفسروه، بالغ الفظاظة .

إذا قبضوا علي، في نهاية المطاف، وقرر أحدهم، برغم كل شيء، أن يصفي حساباته معي، فسوف أضحك، لقد بلغت دموعي نهايتها، وواصلت مخاوفي، إلى نهايتها أيضا. إنني لا أزال متخفياً، ليس لأنني أخاف، أن يقبض علي، بل لأنني لا زلت أحاول، الإجابة عن لغز حياتي، فلو لم يكن عنقي، هو الذي أدخله في حبل المشنقة، ولو لم يكن ذلك، مسبباً لكثير من الأذى، لكان من الممكن، أن يكون هذا الكتاب مسلياً، مثل نكتة، حول أسرع عداء، في حي سكني من المبتوري الساقين.

إن اللغة الوحيدة، التي يمكنني، أن أكتب بها هذا الكتاب، هي العبرية، لكن الغضب ذو لغتين، عندما أترجم نفسي إلى نفسي، فينبغي علي أن أطلق النار، على المرآة، قبل أن يكون بإمكانها، أن تطلق النار علي.
- يوسف شرارة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى