أ. د. عادل الأسطة - عرب جيدون

"عرب جيدون: المخابرات الاسرائيلية والعرب في اسرائيل: عملاء ومشغلوهم، متعاونون ومتمردون، أهداف وأساليب" هو كتاب للكاتب الاسرائيلي د. هيلل كوهين، صدر حديثاً (2006)، وقد قدم له عرضاً الكاتب الفلسطيني بلال ضاهر (الايام، 19/9/2006)، ومما ورد فيه عن العرب الجيدين انهم اولئك الذين يقدمون خدمات للدولة الاسرائيلية مقابل خدمات تقدمها هي لهم، وإن كانت أحياناً تتخلص منهم بقتلهم حين تنتهي مهماتهم. والكتاب الذي يأتي على الفترة ما بين العامين 48 و 1967، الفترة التي كان فيها الحكم العسكري مفروضاً على عرب فلسطين، الذين تشبثوا بأرضهم ولم يغادروها، يذكر مؤلفه فيه نوع الخدمات التي قدمها الحكم العسكري لمن تعاون من العرب معه: تعيينه مختاراً، إصدار تصاريح له ولجماعته حتى يتنقلوا بين القرى التي كان يفرض عليها منع التجول او التي لم يكن التنقل بينها مسموحاً، والاستجابة لطلبات عودة نازحين الى البلاد بعدما كانوا قد نزحوا عنها في أثناء الحرب. ويشير مؤلف الكتاب أيضاً الى الشيوعيين ودورهم في تلك الاثناء، لقد غضبت الدولة عليهم، ورضيت عنهم في الوقت نفسه. غضبت عليهم لأنهم كانوا رأس الحربة في مقاومة سياسة السلطات ضد العرب، ورضيت عنهم لأنهم ساعدوا منظمة (الهاغناة) على إنهاء صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا، الصفقة التي اعتبرت في حينه صفقة مصيرية كرست تفوق القوات اليهودية ومكنتها في ربيع العام 1948 من الانتقال من حالة الدفاع الى حالة الهجوم. وما من شك في أن قارئ مقالة بلال ضاهر، إذا كان مطلعاً على أدبيات الأدب الفلسطيني، من رواية وقصة قصيرة، ومن مقالات نشرت على صفحات الصحف والمجلات الصادرة ما بين 48 و 1967، وإذا كان أيضاً مطلعاً على حياة الكتاب العرب في فلسطين ونشاطهم وآرائهم السياسية فسيلحظ ان ما أتي به (هيلل كوهين) ليس جديداً، إذ يعرف قارئ تلك الادبيات كيف كانت السلطات الاسرائيلية تتعامل مع العرب. وإذا كانت السلطات، كما يرد في كتاب (هيلل)، بعد العام 1948 سمحت لشخصيات بالعودة الى البلاد بعد قيام اسرائيل.. بهدف تشكيل احزاب وقوى سياسية تقف في مواجهة الشيوعيين، لمنع الاخيرين من السيطرة على العرب، فإن هذا الشيء، يتجسد في رواية اميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل" (1974). إن بطل الرواية سعيداً يعود الى فلسطين متسللاً، وتساعده السلطات، بواسطة الضابط يعقوب على ذلك، ويغدو سعيد رجل السلطة الذي يحارب الشيوعيين، ولكنه قد يسجن إن أساء للدولة ولو من باب الخطأ وعدم الفهم. وتحفل قصص "جسر على النهر الحزين" لمحمد علي طه بنماذج فلسطينية، أبرزها المختار، تعمل لصالح الاحزاب الحاكمة وتقدم لها خدمات مقابل الامتيازات التي يحصل عليها، وما ورد في عرض بلال ضاهر لكتاب (كوهين) عن الدروز يتجسد في رواية سلمان ناطور "انت القاتل يا شيخ". أنا لم أقرأ الكتاب كاملاً، وإنما قرأت العرض الذي قدمه له بلال ضاهر، ولا ادري ان كان الكتاب سينقل الى العربية، فمما لا شك فيه انه سيكون ذا فائدة لأنه دراسة انجزها كاتب اسرائيلي له باع في الموضوع. وربما أثارت قراءة الملخص لدي تساؤلات واستحضرت قراءات قديمة. حقاً من هو العربي الجيد في نظر الاسرائيليين؟ الذين تناولوا صورة العربي في الادب الصهيوني، ابتداء من غسان كنفاني، ومروراً بـ (ايهود بن عازر)، وانتهاء بـ (دان ياهف) في كتابه "ما اروع هذه الحرب" الذي نقله الى العربية سلمان ناطور )2004( اشاروا الى ان العربي الجيد هو في كتابات كثيرة، صهيونية واسرائيلية هو العربي الميت. وإذا لم يكن ميتاً وظل على قيد الحياة، فهو لا شك العربي الذي يرضى بأن يعيش في دولة اسرائيل مواطناً من الدرجة الثالثة: عاملاً وخادماً مطيعاً وجاسوساً مخبراً يؤدي الخدمات الى الشين بيت والشاباك والموساد. في رواية (ثيودور هرتزل) "أرض قديمة جديدة"، هناك الباشا التركي رشيد بك، ولا يمانع المستوطن اليهودي القادم من الحديث مع رشيد بك واصطحابه معه في رحلة ليرى ما سينجزه اليهود في الأرض الخربة، لأن رشيد بك يرحب بقدوم اليهود الى البلاد ويرى فيهم جالبي الحضارة، جالبي الضوء الى هذه البقعة المظلمة السوداء. وفي رواية (أ.ب. يهوشع) فإن العربي الطيب الجيد هو الذي يعمل في الكراج ويخلص في عمله ويحرص على مصالح سيده صاحب العمل، ويظل في علاقاته بعيدا عن خصوصيات اليهودي، وحين يقيم علاقة مع ابنته، فإنه يطرده شر طردة. وفي رواية (يورام كانيوك): "عربي طيب" يوضح يوسف بطل الراية اخيراً ان العربي الميت فقط هو العربي الجيد، وربما وجب ان يقرأ المرء كتاب (دان ياهف)، فمن خلاله يخلص المرء بصورة عن العرب الجيدين في نظر الكتاب الاسرائيليين. حقاً ان هناك كُتاباً يهوداً لا ينظرون الى العرب هذه النظرة (افنيري مثلاً)، ولكن سياسة اسرائيل منذ نشأتها ترى في العربي الجيد العربي غير الموجود على ارض فلسطين.


أ. د. عادل الأسطة
2006-10-01


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى