شريف صالح - سحبت رمشها وتركت الباب مواربًا إلى الأبد

لا أذكر السبب الآن بوضوح. سافرت مع خالتي الكبيرة كي نقيم لمدة أسبوعين في شقة ابنتها في بندر كفر سعد. أظن أن اجتماعًا عائليًا عُقد وانتهى إلى أنني الوحيد المناسب لأداء هذه المهمة. كنت دون السادسة عشرة، وكانت الشقة ضيقة وبلا أي مزايا. ليس فيها تلفزيون، والمتعة الوحيدة الاستمتاع بغروب الشمس من البلكونة. وفي الأسفل كان هناك مصرف مائي، على جانبيه كل أنواع المخلفات، ويبدو في طريقه إلى الزوال.
وقت الغروب كان مثاليًا، أستمتع بالشمس وهي تتحرك وتتلاشى ببطء من وراء أشجار الكافور والبيوت، ثم أعود لقراءة إحدى الروايات. أظنها كانت "المقامر" لدوستويفسكي. لا أتذكر منها شيئًا الآن سوى أن البطل قال لحبيبته إنه مستعد لإهانة "البارون" علنًا كي يثبت لها حبه وقدرته على فعل أي شيء.
كان هناك "مسجل"، يبدو أن ابنة خالتي نسيته قبل سفرها إلى الإمارات، وكان به شريط واحد، على الوجه الأول أغنية "حكم علينا الهوى" وعلى الآخر أغنية "ليلة حب" لأم كلثوم. للحظة فكرت أن الأغنية الأولى حزينة ومؤلمة.. مثل وداع.. والثانية فرحة ومبهجة مثل لقاء. فكرت أيضًا أن صوت أم كلثوم المجروح وهي تغني "حكم علينا الهوى.. نعشق سوا.. وندوب سوا"، كان يصل ـ بطريقة ما ـ إلى بطل دوستويفسكي وهو يقف متذللًا ضائعًا أمام حبيبته.
خلال الأسبوعين سمعت الأغنيتين عشرات المرات، حسب حالتي المزاجية..وانتبهت إلى الجار العجوز الذي كان يتمشى أسفل البلكونة، رافعًا ذيل جلبابه في يده. كان ثقيل السمع جدًا، وبسبب ذلك سمعت كل الحوارات التي يشترك فيها مع آخرين في الشارع. جئت ومضيت ولم أعرف ماذا يعمل على وجه التحديد، كان بملابسه ومشيته البطيئة مثل رجل قديم تجاوزته تلك المدينة الصغيرة.
في عصر أحد الأيام سمعته يحادث شخصًا لا أراه، وأنهم يستعدون لزفاف ابنته قريبًا. لم أكن رأيت ابنته حتى هذه اللحظة، فقط جاءت زوجته وجلست أكثر من مرة مع خالتي، ودار الكلام المعتاد عن الزواج والمهر والشبكة وأفضل قاعة للزفاف في رأس البر.
امرأة ثرثارة وعجوز ثقيل السمع لديهما ابنة غير مرئية تستعد للزفاف!
لا أذكر ما الذي طلبته مني خالتي واستوجب أن أطرق باب الجيران، فالمعتاد أن الجارة هي التي كانت تأتي إلينا وتطلب أشياء كثيرة، لن تستطيع شراءها مع انشغالها بالتجهيز للزفاف.
ولا أعرف أين كان العجوز؟! ربما كان في إحدى جولاته الهلامية حول العمارة، أو يجلس في الشقة مع تسابيحه، ولم يسمع طرقاتي الثلاث على الباب. ما إن سحبت نفسًا عميقًا حتى توارب الباب وظهرت يد بيضاء ممتلئة قليلًا.. تستطيع أن تشعر بنعومتها القاتلة بمجرد رؤيتها. كان لها هذا الوجه شبه المستدير. أقرب إلى وجه الفنانة وردة.. مع شفتين مكتنزتين على شبح انفراجة.
كانت تحاول أن تداري وجهها بوشاح أبيض شفاف، لا يخفي بقدر ما يضاعف الإغواء. لمحت بوضوح نصف وجهها عندما انكشف. عيناها. السحر الأكبر كان في هاتين العينين الواسعتين بكحلهما الرباني. رموش طويلة، ونظرة فيها هذا المزيج من اللطف والإغواء والحنان.
كأنها كانت تعرفني وتنظر طرقاتي الثلاث منذ وقت. لعل هذا ما توهمته. كان لرموشها السوداء هذا الحضور اللافت للانتباه. كشفت لي عن عين وأبقت الأخرى وراء وشاحها الشفاف. وكان لها هذا الطول الدقيق المتناسق مع امتلائها النسبي.
وحين استدارت لتلبية طلب خالتي.. الذي نسيته كليًا الآن. صعقتني في استدارتها أكثر، فقد أبقت الباب مواربًا وتهادت أمام عيني مثل فرس تجر عجيزة مرتفعة تامة الاستدارة، ينسدل عليها شعر أسود ناعم بالغ الطول. وفي رجلها اليسرى رن خلخال فضي.
في هذا الصيفكنت قرأت لأول مرة "ألف ليلة وليلة" وفتنتي بقصصها ونسائها اللواتي اعتبرتهن ساحرات ممسوسات بالشبق ولا وجود لهن في حياتنا. على الأقل حياة الفلاحين التي كنا نعيشها، وكنت أرى الشقوق في أيدي وأرجل الفلاحات ومشيتهن القوية المتخشبة. أما هذه، فهي ليست أقل من إحدى ساحرات ألف ليلة وليلة، هربت من بين سطور الكتاب وسكنت في الشقة المقابلة لشقة بنت خالتي وراحت تتهادى باستداراتها مثل الموج.
أخذت نفسًا عميقًا وانتظرت عودتها، لكن أمها هي التي عادت وراحت تثرثر معي ببحة صوتها البغيضة كأنني ابنها. اللعنة!
ليلتها لم أنم. كنت أعيد المشهد على نفسي مرارًا وتكرارًا. أراها مقبلة ثم أعيد كاميرا الذاكرة لأراها مدبرة. كنت أخشى أن أفقد لذة استحضار ما رأيت. مشد لم يكن ينقصه شيء. الرائحة العطرة التي تشبه مذاق البخور. موسيقى الخلخال. إغواء وهفهفة الوشاح الأبيض وسحبة رمشها.
لم تنطق بكلمة واحدة. لم ترحب بي. أيضًا لم تجفل من رؤيتي. بهدوء واربت الباب وأبقتني عالقًا بين عالمين.
استأذنت من خالتي وخرجت أمشي في شوارع المدينة. بيوت قليلة ذات حدائق صغيرة بجوارها عمارات الإسكان الشعبي. قلة كانوا يعبرون ويسعلون هنا وهناك. العتمة والسكون يطغيان على كل شيء رغم أن الوقت لم يتجاوز العاشرة مساء.
أمام محل باتا المغلق سألت نفسي: كيف أنجب عجوز لا يسمع وامرأة ثرثارة لا تملك من الجمال سوى البدانة، مثل هذه اللؤلؤة؟! تذكرت آيات "وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون" و "حور مقصورات في الخيام" و "كأمثال اللؤلؤ المكنون".. لو كانت تلك الآيات تنطبق على امراة في الحياة الدنيا، لانطبقت عليها.
كنت آخذ نفس عميقًا وأسير في شوارع لا أعرف أين تذهب بي. لم يخطر على بالي أنني أحببتها، ولا أنني سأذهب إليها مثل بطل دوستويفسكي وأعلن لها أنني مستعد لإلقاء نفسي من فوق هذا الجبل لأثبت لها حبي كي تترك عريسها وتنتظرني. هي كانت تكبرني بخمس أو ست سنوات على الأرجح، ولم يتبق على زفافها سوى أسابيع قليلة.
في صلاتي، كانت تقطع عليّ فجأة مناجاتي مع الله مثل شيطانة مرحة، فأراها مقبلة ومدبرة.
هذه الدقيقة من حياتي كلها، ظلت تلازمني مثل لعنة. لا.. بل مثل التجلي. لا أجد كلمة أدق للتعبير عن رؤيتها وهي توارب الباب، وثمة ضوء يأتي من نافذة ما ويتكثف حول ليونة واستدارة جسدها الفائر. لا معنى آخر لكلمة التجلي سوى ما رأيت.
ليس كل النساء مهما كن جميلات، يملكن القدرة على التجلي. أذكر بعد مرور سنوات وسفري إلى القاهرة كنت أسكن في "ألف مسكن" وهبطت كي أدفع الأجرة لصاحب العمارة، ففتحت لي زوجته الأربعينية وهي لا ترتدي أكثر من قطعتين. كان جسدها يفيض خارج حواف السوتيان المشدود، فشعرت بالحرج. تركت الإيجار في يدها وغادرت مسرعًا. في المشهدين لم يكن هناك كلمة، لكن هنا فارقًا باتساع ما بين السماء والأرض. بين لحظة التجلي ولحظة الابتذال. في المرة الأولى كنت صبيًا بكرًا، أصابتني صاعقة جمال بالذهول والدهشة.. أما الأخرى فلم تشعرني سوى بالحرج والرثاء لها.
لماذا أحكي هذا الموقف مع زوجة صاحب العمارة؟ لأنني من تلك الدقيقة التي قضت على براءة طفولتي، لم أعد كما كنت قبلها، أصبحت أقيس جمال أي امرأة بتلك الساحرة. إلى أي مدى هي جميلة مقارنة بالفتنة الهائلة التي رأيتها عبر الباب الموارب؟ شعرها ليس بنفس الطول والنعومة. عيناها لا تملكان نفس الاتساع وطول الرموش والحور المرح الخفيف. أصبحت هي المرجع والشفرة السرية. المسطرة التي أقيس بها أي امرأة صادفتني في حياتي بعد ذلك.
لا أعرف لماذا لم أكرر الطرق على بابها؟! كان بإمكاني أن أطلب ملحًا أو سكرًا لخالتي.. مشابك غسيل.. أي كذبة تتيح لي أن أقف في حضرة تجلٍ آخر لها. حتى لو اكتشفوا أن خالتي لم ترسلني في طلب الملح، من المؤكد أنها كانت ستبتسم وتتفهم جنوني .
صلاتي! أجل.. صلاتي هي التي منعتني من كذبة الملح.. منعتني من التعرض مرة أخرى لصدمة الجمال. لا أدعي أنني كنت مثاليًا آنذاك.. كنت أيضًا أشاهد أفلام البورنو، وأحتفظ بأعداد مجلات الشبكة والموعد، وعند اللزوم تفيدني في الاستمناء.
هذه الفتاة كانت أكثر جلالًا من استدعائها في استمناء مبتذل. وددت لو تكلمت معها. كنت سأخبرها أنني بالأمس حلمت بها. كان الحلم ملائمًا لتديني المبالغ فيه وقتها. رأيتها قرب الفجر تسير عارية تمامًا، إلى أن تقترب من نافذة غرفتي المطلة على الشارع في قريتنا، وتطرق طرقة خفيفة. عندما نهضت وفتحت النافذة ابتسمت لي ثم فرت مسرعة، فقفزت وراءها. رأيت بياض جسدها مثل تمثال نوراني يهرول وسط العتمة. كنت أجرى وقطرات الندى تتساقط عليّ من أكوام القش والحطب التي تتدلى فوق سطوح البيوت. ومع سطوع نور الفجر كان مجسم نورها يتلاشى إلى أن اختفى من أمامي. وقتها كتبت أول قصة في حياتي بعنوان "عابدة نور". لا أتذكر نهاية القصة الآن. أظنني اعتبرتها ملاكًا سماويًا جاء لإيقاظي لصلاة الفجر. نهاية تناسب سذاجة مراهقتي وتديني وقتها.
هروبها في الحلم مثل سراب، كان يشبه ما حدث في الواقع. ذلك التجلي الفاتن المراوغ الذي لم يدم أكثر من دقيقة.
في نهاية الأسبوعين حاولت أن أستدرج خالتي إلى أي معلومات عنها. تجسست على ثرثرة أمها. حوارات أبيها في الشارع أسفل البلكونة. كأنها غير موجودة إلا في خيالي. حتى عريسها المنتظر لم أعرف عنه أية معلومة. كل ما عرفته ليس سوى شذرات بائسة. أيامها كنا نقرأ في الصحف عن زواج فتيات مصريات من أثرياء في الخليج. وقلت في نفسي: لو رأى أثرى أثرياء الخليج ما رأيته لن يتردد في الزواج منها.
أذكر أن والدتها تناقشت مع خالتي أن عريسها طلب منها ارتداء "النقاب".. وضحكت المرأتان عن هذا "النقاب".. لأننا حتى أواخر الثمانينيات لم نكن نعرف ما هو "النقاب". لم تتفق المرأتان على تعريفه بدقة، وأنهت خالتي النقاش بأنه زوجها وبشرع ربنا من حقه أن يفرض عليها ما يشاء، وأكدت الجارة على كلامها بأنها وافقت على ارتدائه بعد الزفاف مباشرة.
انتابتني أفكار شريرة أقرب إلى المعصية.. هل حقًا شرع ربنا أن يختفي كل هذا الجمال عن أعيننا؟ لابد أن هناك نساء "ملكية عامة" ليس من حق أزواجهن أن يخفيهن عن الأعين. مثل الورد الذي يبتسم لكل العيون.. أليست أنانية مفرطة أن يتمتع رجل واحد بكل هذه الفتنة ثم يغطيها بالثياب ويغلق عليها باب شقته إلى الأبد؟
هذه الفكرة المتطرفة راودتني، وآلمتني، لأنها كانت تتناقض مع قناعاتي المماثلة لقناعة خالتي بأن هذا هو شرع الله وعليها أن تمتثل لزوجها ولا تعصيه في شيء.
من كل هذه التناقضات طورت نظرية أخرى أن هناك نساء خلقهن الله للفراش. ليس لهنفي العزق بالفأس وحش البرسيم والانحناء أمام لهيب الكانون والفرن. هي خُلقت هكذا كي تتبغدد في الفراش وخادمتها تلبي طلباتها. وأثناء دراستي في كلية الآداب قرروا علينا معلقة امرئ القيس التي تثبت أصالة نظريتي حيث كان يمدح المرأة نؤوم الضحى التي لم تنتطق عن تفضل.. وفتيت المسك في فراشها.. وكيف هصرت بفؤاده حين أمالت برأسها. كأنه كان يراها منذ أكثر من ألف وخمسائة عام ويصفها كما رأيتها.
وعندما سمعت أستاذنا عبد المنعم تليمة وهو يلقي علينا مطلع قصيدة كعب بن زهير "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول" و "هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة.. لا يُشتكى منها قصر ولا طول". قلتُ لابد أن اسمها كان "سعاد".
هذا هو الجنون، أنني لا أعرف اسمها ومع ذلك أصبحت أراها في الأغاني والقصائد.. في لوحات عصر النهضة.. أراها في النساء وأرى النساء فيها.
تغني أم كلثوم وأنا واقف أمام محل العصير في ميدان رمسيس: "بالأمل مستني..سهرانتجينىياحياتىواسهرك.. تعالى .. تعالى .. تعالى ... تعالى..حبالعمركلهنخلصهحبالليلهدي".. فأتذكر هذين الأسبوعين.. العجوز الأصمخ وزوجته الثرثارة.. منظر الغروب.. ورواية "المقامر" طبعة الهلال.. خالتي رحمها الله.. ثم شيئًا فشيئًا تضيق عدسة التذكر وتقف مصعوقة أمام الباب الموارب والفتنة التي أطلت ممسكة حافته بيدها العارية.
لا أدعي أنني رغبت في الزواج منها.. ولا أقول إني أحببتها أو اشتهيتها جسديًا.. كل هذا لا يعبر بدقة عما شعرت به حين تجلت. شيء مازال يوقف قلبي ويزيد وتيرة ضرباته. جسدي كله ينتفض الآن وأنا أسمع أغنية محمد قنديل "سحب رمشه ورد الباب .. كحيل الأهداب.. نسيت أعمل لقلبي حجاب.. وقلبي داب".
هذا بالضبط ما حدث لي قبل نحو ثلاثين عامًا. بل لم أُعط الفرصة كي أصنع حجابًا لقلبي. لابد أن عبد الفتاح مصطفى رأى تجليًا مثل ما رأيت كي يكتب شعرًا بتلك العذوبة والفتنة والصوفية.. "رموشه تميل على خده.. جناح رفرف على ورده".. "كحيل والكحل من بابل.. وامتى عيونا تتقابل".. كحل أزلي من بابل القديمة تزينت به ساحرة ألف ليلة وليلة وهربت عبر الأزمنةثم وقفت على باب شقة في بندر كفر سعد، كي تصرع قلب تعيس الحظ مثلي.
أذوب مع الأغنية فأرى عبد الفتاح مصطفى ومحمد قنديل وملحنها عبد العظيم عبد الحق كأنهم يقفون أعلى مرج أخضر في الجنة ثم تتجلى لهم كما تجلت لي.
رغم مرور كل هذه السنين ـ كنت أتذكرها كل يوم. الفتاة التي لم أعرف اسمها أبدًا ولم أسمع منها كلمة واحدة. كان يكفي أن تمر في يومي شهقة جمال، فأعتبرها نفحة من أثرها. من تجليها البعيد الفاتن.
كان تذكرها وأنا أسمع "سحب رمشه ورد الباب" كفيلًا بأن ينتفض جسمي ويرتجف ممسوسًا بها. ثمة جمال مؤلم يدفعنا للبكاء أحيانًا. هذا الجمال الذي فتننا وعجزنا عن فهمه وامتلاكه. لم يُكتب لنا أن نمسكه بأيدينا بل صدمنا وعبرنا مثل السحر. مثل حلم المرة الواحدة في العمر كله.
أبكي. هذا هو اعترافي. بعد كل هذا العمر. بعد كل هذه التجارب في الحياة. أسمع عبد الوهاب يغني "كل دا كان ليه لما شوفت عينيه" فيترقرق الدمع في عيني بلا سبب.
أغلق عليّ غرفتي وأجلس ثم أترك صوت قنديل يسحبني " سحب رمشه".. وأبكي.. أبكي وسط عذوبة وشجن الموسيقى.. أراني أقف معهم على المرج السماوي نفسه منتظرًا تجليها لنا. نعم يحدث هذا الآن.. رغم أن خالتي أخبرتني عرضًا ـ بعد شهور قليلة من ترك الشقة ـ أنا الجار العجوز مات فجأة، وأن ابنته ارتدت "النقاب" بعد زواجها من ترزي انتقلت للعيش معه في قرية أصغر من قريتنا تسمى "العباسية".



شريف صألح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى