كتاب كامل صلاح عبد العزيز - ديوان حياة كاتب السيرة (ج 2) (كتاب الوعد والوعيد)

هذا وعدك يا ربى
أورثتنى الأرض
وكل شئ فوق احتمالى
حتى أنا
وكلما قلت أصعد إليك
كلما وجدتنى أتهاوى
بوعدك ووعيدك
فأنر طريقى
واحسن ختامى
فأنا عبدك
ومازلت
..
1
..
لا مساحة لنبى يبكى
الرحيل دائما ممكن
سواء ركبت سفينة أو ناقة
أو مشيا على الأقدام
.
ليس من طينة الأرض جمالها
من جعلتنى من تراب
حمامتك السماوية يا رب
على باب غارى
أتأرجح فى ظلمة الكهف
أنا الخارج على المألوف
أقبل كل ما تريد يا رب
.
أتعبنى مراوغون قلت أهاجر
أترك البر للبحر
أنا صديق البحر
سأبتعد كلية يا رب عن كل بر
وما يشابه البر
أركب دابة البحر
.
لنذهب أيها البحر
نغترف من نارها
أنت ماء وأنا صاحبك
فى محبتها أذوب
.
يقول لى الربان حمل ثقيل
أنا يا رب لست وزنا زائدا
ولم أكن للعواصف سببا
سوى أننى أدركت أننى الهدف
كيف يا رب وأنا لم أهاجر
إلا بسببك
.
كل قدر بقدر
وعلى قدرك تطول الحرب
خاصمنى البحر
صرت طريدا
من البر
من البحر
من سمائك
.
أنا ذاهب للمدينة
أشترى نفسى
فهل تشترينى تلك البادية
بخيامها وتهدينى إليها
أنت يا رب ماذا تقول
جف البحر وانطوى بكفى
أنت معى
وأشعر بنجومك فى حجرتى
على باب مسكنى ظل الثأر
سيوف القبائل
..
2
...
كل ما تقوله جميل
وأنا يا رب لا أعترض
وليس لى سبب سوى
أننى ضعيف
هوانى على نفسى
أقرب من هوانى على الناس
.
وأنا يا رب كائن لطيف
خلقتنى من ضعف إلى ضعف
ولا أستطيع أن أواجه هؤلاء
هؤلاء يا رب لا يواجههم غيرك
هؤلاء يا رب نحتوا الجبال
وأنا لا أستطيع نحت جبل
.
أحتاج إلى دليل فى اجتياز صحراء
أحتاج إلى ماء
أحتاج إلى زاد
أحتاج إلى ناقة
والمدينة محاصرة
ولا سيارة ولا بئر
.
أنا يا حبيبتى لست نبيا
ولا صاحب سيرة
ولا كاتبا
مجرد أن أتخيلك يضيع منى
ذلك الوهج
وأعود إلى سريرى
وأنام
..
3
..
وأنا يا رب أحبك
وأريد بالناس المسرة
وعلى الأرض السلام
لكنما تأتى الضغينة من لا أين
ومن لا متى
تستمر
ومتى رأيت قوسك فى السحاب
أطمئن
وبينى وبينك تلك العلامة
.
كالعادة انتظرتهم
ناديت عليهم
تكلمت
وجدت الحصى فى وجهى
وجدت من يشج رأسى
حاصرونى
لم أجد حتى الطعام
صرت جائعا يا رب
.
ليس كل نوم نوما
لن أتظاهر بأننى غصت فى النوم
يا رب
النائم غيرى
واليقظان أنا
أنا يا رب صاحب السفينة
أنتظر طوفانك
.
لا
لا
تغرقنا يا رب
ولا تدخلنا الجحيم
أنا أسامحهم يا رب
لأننى لم أكن ربَّانا جيدا
وأخاف أن أغرقهم
..
4
..
عذبتنى الأبوابُ الموصدةُ
مثل باب قلعةٍ
الانفلات منها بموتٍ
تهدأ الرغبة الملحة فى الولوج
ولا يبق غير ورقةٍ بيضاءَ
فى غضون دقائقَ
ستكون بها كتاباتٌ
ربما رديئة ربما جيدة
وأنا يا رب من حالٍ لحالٍ
.
ليس كل خفاءٍ بخفاءٍ
أنت تقرأُ وتظل تقرأ إلى أن تلين
الجبال والطير
فى القراءة تختفى حيَاتُك الممددة
والتى لا تعنى سوى
أنك صوْت من قرون عديدة
مجرد أن يهمس يحضر نفرٌ
الخفاء سر الأسرار
وما بين اللمس والهمس
لا تراهم
.
فى عالم آخر لا تبدو الحياة رتيبة
تستطيع أن تخلقَ حياة موازية
نتبادل كل ما يمكن أن يُدنى المسرةَ
كأن تهمل عينيك
تكون كلك يدٌ تأخذ ما تريد
اللمس لذة متوالية
تفرض عالما حسيّا غير قابل للرفض
كأول فضيلةٍ تعانق الروحَ
.
قدمى فى رملٍ سائلٍ
الغرق بالوهج سر الكينونة
لا تستطيع أن تقتربَ
من يغمض عينيه ينتبه
مؤكدٌ أحلمُ بميلادٍ مثل هذا
كسلالة ارتقت عن فخار
تعصف بها ريحُ الأرض
خرير المياه ونقيق الضفادع
وخربشات الفئران
علمتني الأصوات ،
السمعَ قبل الرؤية سبباً أول للعشق
الحياةُ فى العاصفة لا تتطلب غير ذلك
..
5
..
من أى مكان فيه آخرون
أهرب
أريد أن أكون وحيدا يا رب
ومع ذلك لا تتركنى مع نفسى
تفرض علىّ ما لا يستطيع غيرك فرضه
وحدانيتى من وحدانيتك
أنت وحيد يا رب
لذا أريد أن أكون وحيدا
لست قويا على المواجهة
ما حاجتى للناس
وأنا جميل
على مثالك
..
فريد ووحيد ولا إنسان غيرى
أنت الجامع
وأريد أن أكون جمعا
ولا أعنى
أن باستطاعتى اختراق الحجب
كل من يتأله يسقط
وأنا متأله يا رب
أحب صفاتك
..
أحب العدل
لكن آخرين يرون غير ذلك
أحب الجمال
لكن من يكره الجمال يفرض القبح
وأنت جميل يا رب
..
6
..
لم أكن من الناجين من النار
لم أكن سوى رجل يخدع نفسه
بأمانِىَ لا تتحقق
رغم أنها ليست مستحيلة
..
أرى مؤخرات تسير دون ود
العداء أحيانا
يجعل العالم مؤخرة كبيرة
نسقط منها بفرح
مثل أرصفة تتبرز فى فمنا
نكهة البراز مثل مارجوانا رديئة
كمن يكتب بقبح ببول يسيل
الأعضاء ليست مصدر لذة
على غير العادة
عندما أنظر إلى مؤخرتك
أجد نفسى رهينا للغثيان
..
هل يمكن أن تعطيك حاسة الشم
رؤية محددة
كجان باتيست غرونوى
..
فى رواية العطر
أحاول صنع رائحة كبشر
فى أحيان كثيرة
حاسة البصر مهملة
واعتمد على تلك الحاسة
ما شأن بقية الحواس إذا حاولت صنع رائحتك
..
الناجون من النار
من لم يكونوا بشرا على الإطلاق
فى محبتك
أنا رهين المحابس كلها
صلنى بنار حبك يا رب
..
7
..
فى التفاسير
هناك خالدون فى الجنة
هناك خالدون فى النار
فى الفلسفة
يفنى الخالدون
فى الحياة
هناك أموات وأحياء
كيف يمكن بلوغ الخالدين
وأنا يا رب لا أدرى
هل أنا
ميت حى
أم
حى ميت
..
وبرغم أن نبتا هو علة لمعلول
يمكن أن يكون معلولا لعلة
هكذا
غير أن الصور العقلية
يمكن أن تكون متوازنة
السبب فى ذلك
أننا غير قادرين على التجانس
..
كنت نبتا
صرت أنمو حتى أصبحت شجرة
جاؤوا واستظلوا بظلى
وعندما فقدت أوراقى
قطعونى واستدفؤوا بى
ما العلة إذا كنت تفرش ظلا
وتفقده
ما العلة إذا كنت حطبا
وتحترق
ما العلة إذا أصبحت
كأن لم تكن
..
8
..
فى المابين تعترينى رعشات
أهرول بين جبلين
جبل الصمت
وجبل الصبر
أحب تلك الديار
وأحب أيضا أن أتوهم أننى مازلت
مقيما
كيف يكون الصبر على
ما لا صبر له
كيف يكون الصمت على
ما لا صمت فيه
كالرعب تماما
من أشباح فى ثلاجة موتى
مما يعزز قدرتك على الاختيار
أو تتخيل أن رسالتهم لم تصل
إختلال شخص كاختلال قبيلة
إنهم يتجولون فيك
أنا أيضا أستطيع أن أكون
ساعى بريد مختل
كأن لم أكن يا رب
درت فى الحياة
المرجح أن
لا أحد يفضل الموت
لا أحد يفضل الحياة
إننا أبناء العدم
..
9
..
نعيد صياغة الرعب برعب آخر
لا نلوى على شئ سوى أن
نرى آلامنا
وهى تقتل أحبائنا
..
مرات عديدة يا إلهى
كيف تحصرنا بين فكى المجاز والرؤى
أشباح السنوات الماضية
لسوف تمر من خلالنا
نحصد بمنجلها حسب ما فعلت فى اليوم السابع
عن حدث
أخذت له استراحة طويلة
وتركتنا فى عراء اللغة ما بين رعب وألم ..
..
كيف نفعل ما لا نستطيع فعله
كيف يمكن التعبير عما لا وجه له
من تركنا فى مواجهة رؤى
تمتد ككابوس
..
هل تتخيل مقدار ما يحتمله العاشق
فى ذهاب من يُفنى من بين يديه
وقد تصور فى موجوداته
حتما أنت وراءها
أنت تحركه يا رب فى فراغ محبتك
فيدور بألف فراغ ولا يصل
..
لا يعنى الفراغ حتما ما يظنه البشر
بل امتلاء بفراغ
..
10
..
اسمع موسيقى القواقع ..
حفيف ورق الشجر ..
تنهدات أحلام تخرج من نائم ،
يضع يده تحت رأسه ..
مقدمات لحياة خالية من مادتها .
مادة الحلم تصبغ لغة المجاز ؛ غير الألوان السبعة ،
فى ارتقاء اللون يرتقى الكرى ..
من يغادر النعاس إلى الإغفاء ، يصبح طيفا ،
خفيفا خفيفا إلى موسيقى اللون الثامن ..
اليوم الثامن أيضا مثل ذلك ؛
خارج ما يدوم وما ينتهى ،
من تواقيع المطر والسحاب ينهض الشاعر
ذات صباح
وعلى رأسه ذلك الوميض
مثقلا بكلمات غير ما يعنيه البشر .
رعشة لما يلاقيه من ثقل الجمل والألطاف تعصف به ..
عرق غزير ولم تبن سعاد
فى انكشاف الكساء عنه ..
عذاب الحيرة بالوعيد وبما يصله من أخبار الحوادث ..
يظن
غير أن الظن يفلت منه ويبدأ الإنشاد ..
ما يعينه ذلك الهاجس
بتحول الوعيد إلى اطمئنان وثقة فى القبول ..
إنها سعاد ؛
// واسطة القربى وسرها المكنون //
يحاول العاشق الدخول الى المرتقى الصعب
بعد إرسال الدموع فجع وولع وإخلاف وتبديل*
بين الرؤى والنوم يقظا ..
..
* هامش
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها
فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
كعب بن زهير
..
11
..
حملت تذكاراتى ومشيت
يدى فى يدها
أودعتنى الذئاب بكاءها المر
وثغاء الحملان كان علامة المغيب
تركت الأرض مطرزة بالدموع
ومشيت
..
فى الرمال السافيات
لم يكن لى أثر
يستدلوا به على
فى مزاوجة الريح بالرمل
الهلاك هين بلا معالم لقبر
..
من أين ياتى البكاء إذن
قيل هم بكاؤون بالغيب
على لا شىء فعلوا
..
يا مدينة الموتى البعيدة
يدى بيد حبيبتى فأين هى
وأين القمر وأين الشمس
فى عاصفة التراب
لا نجومك المتراقصة تأوى إلىّ
ولا الفضاء كان شاسعا أمامى
..
ذلك البكاء وما يصاحب بحر الرمال
قيل أنه الربع الخراب
المسافرون وحدهم من يسمعون
قيل أنه صفير السعلاة
وموطن الجن
موجات من حزن من غرقوا
حيث تتجول الريح وتبحث
عنك
ضاعت معالم المدينة
ليس هناك سحابات وليس هناك حجر
كتبنا عليه
هنا سيغرق شاعر
هنا سيدفن شاعر
هنا سيكون أنت
..
12
..
أعود من كتاب التيه
للكوفة
أخط فى مدارسها نحوى
أصرف مفردات لغتى
أدنو من مجالس ثعلب
وأتعلم
أدون نفسى فى عرائسه
كدرويش يخط على التراب حبه الأبدى
وكأننى حكاية
تفتح فمها كرغبة ملحة
..
تأتى عاصفة
مجردة من دموعها المطرية
هذا الجفاف ضل طريقه
أقام فى قلب مدينة
مبانيها وسكانها هربوا فى النحو
..
..
دم على النافذة
بقايا أجزاء بشرية
كانت هنا ذئاب مضت بى
أبحث عن جسدى
بالتئام الروح ربما تعود الدنيا من الغياب
وأجمع ملابسى من حبال روحى
أرتدى الأرض والسحاب
وأنبت من جذورى
..
13
..
فى الدرجات الثلاث الأولى اصطدمتُ بك أنت الطيف الذى مر بى البارحة وقال ستقابلنى على درجة السلم فى باحة خارج الوقت ما يعنينى أن الحلم أحيانا يتحقق دون قصد رغم أنّا نضيع بخرائطنا مثل مكان مجهول تضعف ذاكرته تدريجيا فى الفقد ..
مثل عالم ثالث تضمحل بنيته إلى أن يتلاشى والرابع والخامس إلى العاشر أين تلك العوالم المتلاشية عندما على درجة سلم كسرها الزمن لا نريد الاصطدام بغتة نريد الحياد حتى يتثنى لنا إصلاح ما أفسده الدهر فى البناء يجب أن نحب ..
إن كنت تود أن تربح بأقصى طاقة يجب أن تتحمل الهؤلاء تجلس صباحا وتراقب الإفريز تماما كشرطى المرور وكقاعدة أن تحذر خطأ الغير وليكن عندما يتحقق الحلم تتأسف لذلك الطيف لا تخبره بما قال كأنك ما عرفته إلا للتو حينئذ سيكون التعارف ..
كما يحب وكما يجب المكاشفة أحيانا سبب الفرقة وأيضا المقارنة بين ما يجب وما لا يجب أنت تحبه فلا تفصح عن نفسك تلك القاعدة ستكون بديلا عن سلم معلق فى الهواء ولا أحد يدرى متى يسقط بكما أنت قارئ جيد لتلك المواعظ المتناثرة ..
وغالبا لا تحذر ذلك
..
14
..
كل ذلك الضجيج الذي ينساب برأسى سينتهى حتما بجلطة أنا أدرك تماما أن سيارة ستترك الإسفلت وتتجه مباشرة نحوى علىّ أن أسير فوق الإفريز أتجنب الأخطاء العابرة لكن ماذا أفعل برأسى ..
حدث عدة مرات ونجوت
من الأخطاء الممكن ارتكابها تلك الرؤى التى تشبه الوهم والتى ما إن يتحقق احتمال منها حتى تتداعى الكوارث عليك أن تدفعها وغالبا ستفشل ..
سيكون موعدنا يوم الإثنين 16/5/2022 ومع ذلك لن نتقابل رغم أن حضورنا ضرورى ذلك أن الهوية المزيفة تفعل ما لا يفعله الشيطان ..
نحن حضور بلا أجساد ولا أرواح
وهكذا يجب
- ما اسمك؟!
- ...........!
- ما سنك ؟!
- ...........!
- هل هذا هو ؟!
- ............!
- هل هذه هى ؟!
- ............!
وهكذا يدور الحوار دون أن نصل إلى التعانق الرغبة الملحة أحيانا تدمر ما لا يدمره الزمن رغم أن الأقدمين حافظوا على تلك المسافة بينهم وبين شياطين الوهم إلا أننا لا نفعل ..
فى الرؤى القاتلة المرضى وحدهم يعرفون
..
15
..
وغالبا تحتمل الأسى
لا حزن إذا قابلت حزينا آخر
تخيل صعودك لأسفل
تلك السماء ما أظلتك يوما بحنين
لا ولا حققت رجاءك
حياتك المهدرة لا تثمر غير الفجيعة
مات شخص أو ولد شخص
سيان أن تحزن أو تفرح
ذلك الأسى لا يطيقه بشر
ومع ذلك
تتقبل الحزن كشخص لا يحزن أبدا
ذلك أن هناك شخص آخر حزين
..
وتسألين ما الحزن ؟!
الحزن أن أراك
والحزن أن لا أراك
وهكذا أظل دون أن أتقدم خطوة
إلى أن يموت ذلك الشخص
عندئذ سأشعر بالحزن والأسى
أظل هكذا إلى أن أسبح فى لجة الدمع
كبكّاء يتيم
بنى فى دمعه المحبوس مدنا بكاملها
كتلك العواصم المهدمة
والشعوب الفارة من حرب
إلى الجوع والبرد والمخيمات
..
سأنتظرك فى حروب الردة
أو
فى الفتنة بين القبائل
على جمل أشهب ..
أنا لا أريدك هكذا
ضائعة وأنا ضائع منك
أنا اليتيم وأنت اليتيمة
وهناك آخرون محشورون فى اليتم عنوة
من يكتب التاريخ غيرهم
..
زائفون ومدلسون
غير أنهم يكتبون بمهارة خنفساء
..
16
..
عرفت أن
العالم ضيق بسروال كبير
نحن فى حاجة أن نتبرز ونتبول خارجه
لكن لا مناص
من الجلوس مثل
قضايا عادلة لا تصلح للاحتفاء
..
الذى يتحدث من خلالنا
يمنحنا الهوية
وعندما نتحدث - نحن - لا نجد سوى
هوية مهترأة
..
بديهى يا حبيبتى
أن نلاحظ الخطايا وهى خارجة من أجسادنا
دون أن نرتكبها
والأحمق من يصدق
من يرفع المصحف على سنان الرمح
..
تخيلت أن هناك بشرا لا يكذبون
فى خلال رحلتى من الميلاد
لم أكن صادقا تماما فى تخيلى
لذا دفعت ثمنا مرهقا يقارب نصف حياتى
والآن
فى اللهث خلف الأمنيات
ضاع نصفى الآخر
وها أنا على ضفاف بحر
أريد الغرق
..
ولا غرق يا حبيبتى
إذ أننى أحيانا أتعلق بقشة
مثل أمنية جافة
تقربنى من القاع ثم تطفو بى
وهكذا أقضى الوقت
كلاعب محترف
رغم أننى فى الأساس مشاهد فقط
لكل ما يحدث
..
فى لعبة ما
تجد نفسك فريسة
كل الوقت
..
17
..
إلى أين تحت وطأة تلك الكتابات
أحترق إلى أن أرق كالخلال
لا يرانى سوى من كان مفتتا
واحترق تحت جذوتى
.
يمكن أن تمنع نفسك من الكتابة
لكن
هل تمنع الكتابة عنك
..
وكما أغلقت كل المسام
أغلق الشعر عليك كل الطرق
وأنا يا رب كما حدث سابقا
لا أريد أن أكون فريسة
..
فى التفتت لا تجد نفسك
كذرات التراب فى فم الهواء
ليس هناك مكان نطل منه
وحدك مع النص لا تطيق
أغلقت النافذة وحشوت ثقوب الأبواب
ولا فائدة
تهرب من النص
غير أنك لا تجيد الاختباء
..
18
..
فوق سطح البحر تلقيت الألواح
فى مستوى البحر ألقيتها
تعبت من القراءات
ومن تصدع الجبال
..
اليوم الثامن الذى لا شئ فيه
والذى كل شئ فيه
سأرتاح قليلا من تعبى القليل
التقاط الأنفاس ليس عمل الآلهة
تماما كنفخ الروح فى صلصال جاف
أنا لا أجف من العرق
دفء يسيل وبرودة تسيل
تنفصل سحابات الأرض
عن سحابات السماء
رأس بها قدم
خدر
أنام لكن من يُسير الكون بعدى
هل يرحل الكون معى
و
من معه الحواس لا يحتمل ما يُلقى عليه
وليس له إرادة
فى لا مكان والسموات مطويات ..
اندكاك الجبال ..
كهف بين السماء والأرض
كالعرجون يتهاوى ..
عظيم
كل ذلك العرق
تأخذك الرعشات والحرف كمسيل ماء ،
تهوى من أعلى الجبل ..
وها هو يقول لك أقرأنى
على حرف
جمعتَ الحروف كلها ..
مسيل العرق إلى زوال
تحت سطوة النص
فى القراءات السبع
صدرك بما يحتويه ضيق حرج
..
19
..
راحل من سورة الفجر
إلى سورة النور
أحمل حبيبتى
فى قلبى
كل تلك الجبال
كل تلك البيوت
كل هؤلاء الناس
لست غريبا يا حبيبتى عنك
لست غريبا يا حبيبتى عن حقيقة أنك امرأتى
وأنت لست غريبة عنى
ولولا فضلك يا رب
لكنت هالكا
..
وأنا أستمد من نورك كل ضوء
أرى الأشياء الشحيحة ملجأ
ثم أننى
هش وسائل
أقوم فى الليل
أكتب الشعر لحبيبتى فى مفازتى
والكلمات تضيق على مخيلتى
ومهما يكن يا رب
طريد مدينتك
تغادره الأقمار
تقطعنى المسافة
تحيلنى إلى خيوط عنكبوت
وهم كثيرون
بصرهم لا ينفذ إلى الظلمة
والظلمة كثيرة علىّ
..
هناك ضوء شحيح
وغالبا يكفى
أنتظر السنوات لاجتياز عتمة
وأرى بلادى من بعيد
أشير حتما إلى قلبى
ما لم يحتمله الطريق
تسوخ قدماى فى الرمال
أنا مهاجر لك أم مهاجر عنها
وهى مثلك تماما يا رب
أحب إلىّ
آه من وعثاء السفر
وطول الطريق
..
20
..
يؤسفنى سماع ذلك الخبر
أن جائعا فى المدينة يأكل من القمامة
لا أعلق على ذلك الموضوع
أنا نفسى فعلت
ما العيب أن نأكل من قمامتهم
ونسكن فى مقابرهم
ويقتلوننا أيضا إذا كان من حق الوطن
أن تجوع
وأن تموت
وأن لا تشتكى
.
تعلم جيدا أنه لا توجد أسرار على المقهى
الكلام الكثير الذى يقال يحتوى أساسا على كل شئ
فأين تخبئ أسرارك وهى على الملأ
وفى التلفاز
وفى الصحف الأنيقة
وحتى أفلام الكرتون
الأطفال أيضا يعرفون أسرارنا
لا تراوغ
فى نهاية الأمر ستعترف بدون تعذيب على الغالب
أين ما تخبئه وسط الكلام
.
سوف أمضى واثقا بنفسى
رغم عين اللص ويده الخفيفة
فلا شئ فى بنطالى سوى ورقة عليها مقطع من الشعر
السلعة الرديئة التى لا يطلبها أحد
اللص غالبا يعرف ومع ذلك يتبعنى
وعندما تعبث يده الخفيفة تختفى الورقة
المدهش أنه اختفى من رأسى أيضا كل ما دونته
.
وطالما يفجؤنى اللص
أجد مجموعة أخرى على الباب
تشهر فى وجهى قصائد لم أكتبها بعد
فى حين أن الذاكرة اختفت
ولا تصلح كى أقر بأنى شاعر
عليه أن يعانى السجن ويدون مذكراته
خلف الشاشات
.
واحد فقط سيخرج منا الليلة لإحضار عشاء
واحد يشبه جيفارا
صدفة ألتقطه من شارع كان به ثورة
المسألة ليست تافهة كالعادة
.
المباغتة فى اقتناص الرؤى وانحلال ما ليس ينحل
من جحيم المجاز
وكما أفسدتك الفضيلة
أفسدتك القبيلة
حيث تجلس وحيدا على إشارة مرور مقفلة
تهادن الموت فى صحراء نفسك
دون دليل
عما خلف التلال من جفاف البحيرات ووقوع الشرفات
صفقة متاحة
كمن يدير العالم بإصبعه الوسطى
.
وعلىّ فى مناسبة أخرى
أن أتحدث عن دول ستنهار
لا حلف سيتم ولا معركة بها انتصار
ولا غليان البحار سيطفئ النهايات
.
تلك هى المدينة
مثل منقب عن الذهب ملئ بكل تلك المعاناة
فلا تبحث
إلا عن قمامتها
وتقريبا هى كل ما أود
..
21
..
وعْد أم وَعيد
اللعنة بكل تفاصيلها
ذلك الكتاب المنمق فى الزاوية
وتلك الرؤى
حيث لا ترتدى السماء جلبابا
وكلَّما قرأت
كأنك تتجول فى الجحيم
اللعنة على كل الكتب
وبما لا يكون
..
انتهت أيامك الفانية بحياة أخرى فانية
سبب ذلك انتقالاتك بأجسام أخرى
فى زمن كلما هوى عاد
وأفكر مثلما أفكر كل مرة
من خلال تراتبية عجيبةٍ
لا أستطيع أن أفكر
هكذا
يمنعنى التفكير عن أن أرى
ما يفنى
وكل من عليها فان
ذلك العقل المرتب ترتيبا ضارا
على إنسانك الزجاجى
يخدش حياء الكتب
..
آه يا بحيرة نفسى الصافية
ويا مرآة قلبى
لا ترهقينى بالظنون
لتطفئى ما شب من جنوحك
أيقظينى من فتنة الأفكار
فى وهج الهجير من ليلى
من حلم مستحيل ومن سوأة المصير
أعيذك بآيات الله أن تحفظينى
من بذرة الشر
وسوء المنقلب وسطوة المآل
وفتنة العيال وقلة الزاد
بذلك الوعد
أم
ذلك الوعيد
..
22
..
كل ما يوده الآخرون
أن تظل سخيا لأقصى درجة
تعطى دون رد
حتى الدهشة
لو كنت فى الرمق الأخير
يستنكرونها
وغالبا أنت متهم الآن برداءة النفس
نظرة تلتهمك على السلم
من جارتك البلهاء
أو زميل فى العمل
كل ما طلبته أن يكف عن الغناء
كيف تفسر
أصوات برائحة الماكينات
الرداءة أيضا فى زيت الطعام
وقهوة الصباح
الشئ الوحيد منك مازلت تخفيه
ربما فى جواربك
ربما فى حذائك المنسى
أو
ما يغلفه الغبار فوق دولاب قديم
..
تسير من غرفة إلى غرفة خلال ممر طويل
فى المبانى الحديثة
لا توجد صالة على الأغلب
سوى أن
لديك أوزات فى مشهد غير هذا
ما المانع
بين نهرين وجوعين وزمنين
فى مدينة مفقودة
أن يدخلوا هذا النص
وآخر منك منفلت برهبة المعرفة
وديمومة العذاب
تترائى لك المدن القديمة
البطّاط فى المسبح
وصائدوا الأسماك
نخيل كبساط الريح
يجلس الشاعر فى علاقة مفتوحة
على قمة العالم
مع نص مراوغ
ينظر إلى الأوزات
وهى تحط على بحيرته
يقول :
إلهى غارت النجوم
ولم يبق غيرك انت
الحى القيوم
إحفظ أوزاتى
سوف أجلب لها السعادة وللنخيل
وكما تشاء من خزائنى
ليكن فى القيظ نهرٌ وخَضَارٌ
من خيالى سأهبها ما تريد
لك الإشارة يا أوزاتى
حتى لو تحولت فى مفترق القصيدة
إلى رسم على حجر
فى حجرة فارغة
..
23
..
فى الظل اليابس
مع الإبقاء على حيوية الشخص
الأزمان غالبا تتجمع للاشئ
سوى أن نغير الديكور
المتغير عادة لا نلاحظه
البطء لا يعنى أنك تكون أنت
يتكون تل رملى أمام البيت
به الزناة يقطنون
كسمسار أجد إنسانا بريئا
هو قواد على الأرجح
بينى وبينه
رتل من الكتابات
تكتب أحيانا أنك لست هنا
وتكتب أيضا أنك هنا
ومن قديم لا يعيرك أى انتباه
تلك لغة القوادين
وربما أشار لى
الفهم أحيانا يقودك لطريقين
وها أنت يا رب تشهد بمعصيتى
لملمت ملابسى وتركتها العارية
كشمس
سلبت كل ما معى
أصبحت عار منى
عاريا تياها فى لحمها
أبحث عن مؤونتى
لا شىء
هل وطئتها لا أدرى
هل وطأتنى لا أدرى
بينى وبينها أيضا كتابات
وعدتها بالمغادرة
ولم أغادر
وعدتنى بالرسو فى شاطئ الحياء
ولم أرس
وبين وعدى ووعدها كتابات
الخوف أحيانا يؤدى لطريقين
ومن طريقين إلى طريقين
وهكذا تتشعب الطرق بينى وبينها
ومن مقام إلى مقام
وأنا أخافك يا رب
فلم بها أهملتنى
قالت أنا وعيدك بينك وبين الله الآتية من تلك الرملى لا تستهن بى أنا ريحك العاتى وظلك اليابس وقوادك إلىّ أنا الطريقان إلى طريقين وأغويتنى أم هى أغوتنى وأنا يارب لا أحتمل
يدور الزمن مثل سرعة البرق
وينشطر بفعل عاصفة
زمن أول :
كيف تتكون اللغة
زمن ثان :
كيف يتكون المعنى
زمن ثالث يفرضه الزمنان :
كيف أفهم الأشياء المنشطرة
كيف لى الرسو إلى مقام
بفعل الوعد والوعيد
حالها من حالى أم حالى من حالها
..
بفعل الوعد والوعيد
بفعل الوعد والوعيد

***


ديوان حياة كاتب السيرة (ج2)
( كتاب الوعد والوعيد )
صلاح عبد العزيز
🇪🇬
🇪🇬
🇪🇬

الزقازيق
مارس/ يونيو 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى