علجية عيش - قراءة في سؤال النهضة عند مالك بن نبي و إشكالية التغييير الإجتماعي

ما علاقة المفكر مالك بن نبي بالإخوان المسلمين في مصر؟
(هكذا ربط مالك بن نبي بين التربية و الحضارة)
(نحن في حاجة إلى تجديد خطابنا الإسلامي و السياسي)


هي سلسلة من الدراسات اعتادت شركة "الأصالة" للنشر الجزائر ـ، إنجازها في شكل ( كتاب جماعي) ، سلطت فيه الضوء على مواقف شخصيات و نظرياتهم في مختلف القضايا، و كان لها أن اختارت في عددها السادس (6) شخصية فكرية تناولت من خلالها سؤال النهضة، إنه المفكر و الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي ، وهو عمل جماعي جبّار شارك فيه نخبة من الباحثين العرب سلطوا الضوء على جملة من الإشكاليات المتعلقة بالفكر النهضوي عند مالك بن نبي و شروط الإقلاح الحضاري، الكتاب صدر في 2019 أشرف عليه الدكتور عمر نقيب، الملاحظ أن الكتاب لا توجد فيه مقدمة و لا خاتمة و لا تعقيبات كما نراه في بعض الأعمال الجماعية، وكان على المشاركين في هذا العمل الجماعي الجبّار أن يتفقوا على وضع مقدمة أو يختاروا من يتوبهم، وحبذا لو كتب الناشر تصديرا يعلم فيه القارئ بمبادرتهم في إنجاز هذا العمل الجماعي و نشره في كتاب، ليكون مرجعا للطلبة و الباحثين


الهدف من إصدار هذا العمل الجماعي الكشف عن أسباب التعتيم الإعلامي، الثقافي و السياسي التي مارسته بعض الأطراف بعد الإستقلال و لعل السبب الرئيسي يعود إلى نوعية خطب مالك بن نبي الموجهة إلى النخبة ، كما كشفوا فيه مدى تأثر مالك بن نبي بزعماء الإصلاح كالأفغاني، الكواكبي، محمد عبده و ابن باديس، إلا أنه كان أكثر التزاما بحياده العلمي و فكره الموضوعي في نقده أعمال الإصلاحيين و وضعها في إطار سمّاه مشكلات الحضارة، فقد عالج مالك بن نبي قضايا الأمة و مشكلات المجتمع و الثقافة و مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي و الظاهرة القرآنية، كما عالج يعض الأمراض الإجتماعبة كالتخلف الحضاري و الظاهرة الإستعمارية وهذا لمدة تزيد عن 20 سنة، و المتأمل في أفكار مالك بن نبي أن الرجل كانت له نظرة تفاؤلية في عملية التغيير الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي، من الصعب طبعا تلخبص كتاب يحتوي على 430 صفحة، فما وقفنا عليه هو أن الأفكار كانت متقاربة و متكررة من باحث لأخر، رغم أن كل واحد منهم اختار الزاوية التي يعالج بها مسيرة هذا الرجل الفكرية ، آرائه و مواقفه من مختلف القضايا و من هم الذين يقاسمونه هذا الفكر النيّر، كأرنولد توينبي و محمد إقبال و غيرهم، خاصة و أن مالك بن نبي يعدّ من أعلام الفكر العربي هو و محمد أركون إلى جانب طه حسين و عادل حسين و عبد الله العروي و عبد الرحمان بدوي و غيرهم ( انظر كتاب اعبلام الفكر العربي للد/ السيد ولد اباه صدر عن الشبكة العربية لالألأبحاث و النشر)
فعلى سبيل المثال وقفنا على أن بعض المشاركين في هذا العمل الجبار تحدثوا عن فكرة تطرق إليها آخرون ليس هذا من باب المقارنة بل لغياب اتفاق مسبق حول الأفكار التي ستطرح للنقاش و هذا قد يقودنا إلى الإجترار كما يقال، كما لاحظنا أن بعض الباحثين المشاركين طرحوا فكرة حساسة حدا لكنهم لم يعطوها حقها من الشرح و التبسيط، و آخرون اكتفوا بنقل مشاركات مللك بن نبي في الملتقيات و هي عبارة عن تغطيات إعلامية و حوارات أجراها إعلاميون معه و شهادات من عايشوه، باستثناء البعض الذين ابحروا في فكر مالك بن نبي و موقفه من المذاهب و الفرق الإسلامية وهو البحث الذي أجرته الباحثة استاذة ا آمنة بن شيكو أستاذة التعليم العالي بالمدرسة العليا ببوزريعة خاصة ما تعلق بنظرة مالك بن نبي للوهابية في قضية التوحيد، و لكنها لم تعطه حقه من الشرح بحكم أن الوهابية تعتبر من أكبر الفرق الإسلامية تشددا، في ظل ما يتميز به الفكر افسلامي من جمود و انعدام الفعالية في مرحلة النهضة، ما وقفنا عليه أن مالك بن نبي كان متأثرا بالنهضة اليابانية ما جعله يولي أهمية كبيرة للثقافة و التربية في جوانبها العملبة، من أجحل محاربة التخلف الذي ارجعه مالك بن نبي إلى الجهل بالإسلام و روحه، عكس الأمم الأخرى الي جعلت من عقيدتها مرجعا في بناء نهضتها و لم تتأثر بالثقافات الغربية كاليابان و الصين.

هل كان مالك بن نبي إخوانيا؟
سؤال قد يخضع إلى التأويل بل التمييع ، و قد يقول قائل أنها محاولة لزرع فتنة أو إحياء فتنة نائمة، الهدف ه تسليط الضوء على بعض المصطلحات التي قليلة التداول في النقاشات الفكرية ، كمصطلح "الإسلامائية المعاصرة" التي أسسها الإخواني حسن البنّا في الثلاثينات قبل أن تتغير في الستينات بعد سيد قطب و تنوع تياراتها حيث بات من الضروري الإعتقاد أن حل مشكلة المسلمين ينحصر في بناء دولة إسلامية و هة ما عبروا عنهى في مصر بشعار " الإسلام هو الحل"، و قد تطرق إليها الدكتور محمد شاويش عندما تحدث عن العلاقة بين مالك بن نبي و الإخواني حسن البنّا و لا يقصد بالعلاقة تواجد شخصين في مكان و زمان واحد باستمرار، و إنما هي علاقة تقارب فكري بين مفكر و آخر او منظر و آخر مهما باعدت بينهما المسافات، فهذا الموضوع بالذات حساس جدا، و من باب الشغف اخذت من مكتبتي المنزلية مذكرات الدعوة و الداعية للإمام الشهيد حسن البنا، و قد وقفت على تقارب أفكارهما في قضية "النهوض في سبيل النهضة، فمالك بن نبي تحدث في بحوثه أن التربية تعتبر واحدة من دعامات النهضة، و كان هذا موقف حسن البنّا، يقول حسن البنا في اصفحة 130-131 من مذكراته: " يجب أن تكون التربية دعامة النهضة فترى ألأمة أولا و فهم حقوقها تماما و تتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق و تربى على الإيمان بها ، و يقول لا نهوض لأمة بغير خُلُقٍ ، إن نهضتنا لا تزال مبهمة لا وسائل و لا غايات و لا مناهج و لا برامج، كل ما في الأمر تطاحن على الحكم و تهاتر بالألفاظ و دس و تقرب من الهدو و انتظار لما يلقى إليههم من فضلات مائدته.

هكذا ربط مالك بن نبي بين التربية و الحضارة
في حين يرى مالك بن نبي أن التجديد هو عملية تربوية لها آلياتها، فقد اعتبر مالك بن نبي مشكلة الإنسان التربوية هي ألصل في ازمة الحضارة الإسلامية، و قد اشار عمر نقيب في لصفحة 258 من الكتاب إلى مفهوم التربية عند مالك بن نبي، يقول مالك بن نبي: " ليس الهدف من التربية أن تعلم الناس أن يقولوا أو يكتبوا اشياء جميلة لكن الهدف ان يتعلم كل فرد فنّ الحياة مع زملائه، يعني ان نعلمه كيف يتحضر ( وردت هذه العبارة في كتابه ميلاد مجتمع) و عي وسيلة فعالة لتغيير الإنسان و تعليمه كيف يعيش مع أقرانه، و نستنتج أن مالك بن نبي ربط بين التربية و الحضارة إذ يرى أن التربية أفرغت من محتواها الحضاري، الفرق أن حسن البنا يربط الترببة بالزعامة من أجل النهوض فيقول: أمنا الزعامة فيجب ان تختار و تنتقد حتى إذا وصلت إلى درجة الثقة، و يجب ان يكون الزعيم زعيما تربى ليكون كذلك ، لا زعيما خلقته الضرورة و زعمته الحوادث فحسب أو زعيما حيث لا زعيم، في حين لا يتحدث مالك بن نبي عن "الزعامة" و لا ترد هذه الكلمة في بحوثه، و ها نقف على الفرق بين مالك بن نبي و حسن البنا ، الأول تبنى المنهج السياسي لأن مطالبهم كانت الوصول إلى الحكم و بناء دولة إسلامية ، و الثاني (أي مالك بن نبي) اتخذ من المنهج العلمي و الفكري الحضاري مسلكا لبناء الإنسان، كما نلاحظ الإختلاف بين مالك بن نبي و حسن البنا هو أن مالك بن نبي لم يضع نصورا واضحا لهذه المدرسة ( مدرسة الإخوان) سواء في كتابه شروط النهضة أو كتابه وجهة العالم الإسلامي، رغم أنه كان ملما بأفكار عصر النهضة كالأفغاني و محمد عبده مثلما أشار إلى ذلك الدكتور محمد شاويش .

500 فتوى أباح أصحابها الجهاد لبناء الدولة الإسلامية
قد يتساءل سال مالفرق بين النهضة و الحضارة؟ و من التي تسبق الأخرى؟هل الحضارة تأتي قبل النهضة، ثم تأتي هذه الأخيرة في حالة سقوط الحضارة، و ماذا عن الحضارات الأخرى التي سقطت؟ هل أعيد بناؤها؟ بمعنى هل نهضت من جديد؟ نحن أمام إشكالية معقدة وهي الهزيمة التي لحقت بالحضارات و بخاصة الحضارة الإسلامية والسؤال يفرض نفسه: هل الإسلام هو السبب أم المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام فَهْمًا صحيحا فراحوا يمارسون التطرف باسم الجهاد؟ حسب الأرقام، فقد أفتى 500 عالما ينتمون إلى 70 هيئة و منظمة و رابطة على أن الجهاد واجب بالمال و اسلاح، دون مراعاة خطر التطرف الذي غالبا ما يفضي إلى صراع مسلح بمختلف أوجهه و مساحاته، فهو لا يغدو أن يكون صراع أفكار فقط، إنما صراع أفراد، صراع هيئات و صراع مصالح و مؤسسات ز صراع نظم عسكرية مدنية، بل صراع أجيال و في النهاية يكرس الصراع التخلف فكرا و سلوكا ( و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر..) إلى آخر الآية 159 من سورة آل عمران، و لهذه الأسباب تأخر المسلمون ، و لا ننسى أن المدّ السلفي لا ينادي بقيام ثورة ثقافية أو فكرية، فهو يراها ( أي الثورة الثقافية و الفكرية) خطر يهدده، و لذا فهو يبذل جهده لإبعاد هذا الخطر.

كيف يحدث الإصلاح الحضاري؟
لقد تحدث كثير من المفكرين و الفلاسفة عبر مختلف العصول عن هذه المسألة و منبينهم المفكر افسلامي محمد إقبال، فهذه الإصلاحات تقوم على أسس روحية يفرزها القرآن، و أخرى علمية و منطقية و تاريخية، لأن الإنسان بتركيبته البشرية و اختياراته الضالة كثيرا ما يوقع نفسه في الهلاك، فهو جوزء من العالم خلقه الله و وهب له العقل و قوة الإرادة و العزيمة، كانت هذه نظرة محمد إقبال الذي قال : إن الإنسان بدن و نفس ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون) بينهما انسجام و تكامل، كل منهما يتحرك و ينشط و يؤثر في الآخر و هما معا يشكلان الشخص الذي تجتمع فيه الوحدة مع الكثرة،، من وجهة نظر محمد إقبال فإن التغيير يعني الإصلاح و التجديد و قد ذهب في ذلك باحثين آخرين منهم الدكتور جيلالي بوبكر بأن الإصلاح و التجديد يقتضي بأن أي إصلاح مرتقب و أي تجديد منتظر في حياة الإنسان الفكرية و الإجتناعية لا يحصل إلا إذا بدأ التغيير فعلا و حقيقة في النفس÷ بحيث يسترجع قوتها و إلهامها و جمالها و تجدد حياتها الروحية بتجديد صلتها بمبادئها و تمسكها بها، و يؤكد الدكتور جيلالي بوبكر أن الحضارة لا تبنى خارج التغيير الذي لابد أن بما في نفس الإنسان ثم يتحول إلى خارج الذات، فالمسلم عند محمد إقبال هو منبع التغيير و التجديد و افصلاح في التاريخ و مصدر السعادة في العالم، لا يسع المجال هنا الإشارة إلى رؤية الدكتور جيلالي بوبكر لـ: "مفهوم الإصلاح و نظرية الحضارة في فلسفة محمد إقبال " وهو عنوان حمل كتابه و جاء باسلوب مشوق جدا يجعل القارئ اسيرا له لما يحمله من معاني سامية للإنسان المسلم الذي على عاتقه رسالة ربانية في النهوض بالأمة، يقول محمد إقبال أن هناك فهم خاطئ من المسلمين للإسلام نفذ إليهم بمخالطتهم لغيرهم و تمكن منهم بسبب ركودهم و موقفهم في تدبر معنى الإسلام أمام خطورة المرحلة.
أما التجديد عند مالك بن نبي فهو مبادرة تغير الإنسان والأفكار و الشياء بما ينسجم مع القوانين و السنن في الطبيعة،كما لا يؤمن مالك بن نبي بالتكديس، أما افصلاح عنده يعني إزالة المفاسد و العودة إلأى حقل الحارة كما يعني البعث و الإحياء و هو في جميع الحالات شرط لقيام الحضارة و بناء المجتمع، و كما سبق ذكره فإن مالك بن نبي عندما اصدر كتاباته الأولى التي صاغ فيها نظريته حول شروط النهضة في نهاية الأربعينات كان الخطاب الإسلامي قد بلوره الجيل ألأول من مدرسة ألإخوان المسلمين ( عبد القادر عودة)، فمالك بن نبي رأى أن الصراع اليوم هو صراع إيديولوجي و فكري ما دعله ينطلق من فكرة جوهربة هي ان العالم اليوم يتجه إلى المفهومية ( افيديولوجية) و هو ما خلص غليع الدكتور عبد القادر بوعرفة من جامعة وهران ليوضح أهمية إعداد الإنسان، و نستخلص مما جاء في أعمال هؤلاء الكتاب و الباحثين ان المشروع النهضوب عند مالك بن نبي قائما على التحليل العلمي و العقلاني لظاهرة التخلف الحضاري الذي تعيشه الأمة وعدم فهم المسلمين للإسلام مقدما ىفي ذلك التجربة الصينية و اليابانية، و خلاصة القول أننا اليوم في حاجة ماسة إلأى تجديد خطابنا الإسلامي و السياسي لتحقيق المشروع النهضوي و الحضارية و بناء مجتمع سليم .

علجية عيش بتصرف


1656945832926.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى