ثامر إبراهيم المصاروة - الوردة الحمراء

كان منظرها يدعوني بشدة لملامستها ومداعبتها....... ما تلك الرّقة الفائقة، والنعومة الوارفة؟ سبحان الله! إنها تتضوّع عطرًا منعشًا لا يُقاوم... تتمايل ..... تناجي حبات النسيم.... كأنها رسائل تدعو المحبين للودِّ والصّفاء... كان الإغراء شديدًا لدرجة أنّي لم استطع كبح نزعات نفسي ورغبتي الجامحة في احتضانها.... فمددتُ يدي نحو عمقها الرشيق... وما كادتْ تلامسها حتى سمعتُ صوتًا خافتًا قادمًا من بعيد... إنه صاحب تلك الرَّوضة :ـ
اترك تلك الوردة وشأنها..... اترك تلك الوردة وشأنها.

ولكنّي تجاهلته ظانًا بأن ضيعي هذا لا يجلب المضرَّة لأحد... فمددتُ يدي وقطفتها... أخذ الصوت يقترب منِّي شيئًا فشيئًا حاملاً بين طيّاته بُحَّة ثائرة: دَعها ... دَعها... فطفقت أجري بدون وعيٍّ وبأقصى سرعة..... بُعيد دقائق كانت أصوات سيارات النجدة تطرق مَسمعي، أيقنت أنها تلاحقني، حثثتُ خطاي هاربًا.... اتخذتُ انعطفت... يمنة ويسرة؛ لأشتت الأنظار المصوَّبة تجاهي بدقّة متناهية... اختبأتُ وراء جدران إحدى الأزقَّة... تَلفَّتُ في جميع الاتجاهات.... فوجدتُ نفسي وحيدًا... وكأن المطاردين يئسوا أو ربما ضاعوا في متاهات الأروقة والأزقة.... حمدتُ الله.... وجلستُ ألتقط أنفاسي الحائرة... متأمِّلاً ما صنعت يداي...! إنها تذبل رويدًا رويدًا، ولا أستطيع أن أفعل لها شيئًا،... ما العمل؟!... هل أترك الرّقة والجمال يموتان هكذا؟!!

ولكن.... ماذا في وسعي عمله الآن؟... فأنا ملاحق من قِبل الجميع... وأضحت فعلتي تلك حديث الشارع والإعلام... الكُلّ يترقَّب ظهوري... الجميع يتمنى أن يكون له قصب السبق في إلقاء القبض عليّ، لعله يفوز بتلك المكافأة العتيدة التي عرضها صاحب الرَّوضة.. الجميع يبحثُ عني ملهوفًا وكأنّ به مسًّا من جنون... أكادُ أجزم بوجود خللٍ ما، فيما يحرّك عواطف الناس ويتلاعب بمشاعرهم... يقنعهم بصحّة الخطأ... وخطأ الصحيح.... كيفما يحلو له... يجب أن يدرك الجميع أني لم ارتكب خطيئة... فما عملته عمله كثيرون قبلي، ولم يُتخّذ بحقِّهم شيءٌ فَلمَ الآن قامت الدنيا ولم تقعد.

بقيتُ مَطاردًا عدة أيام.... وفي يوم فاجأني مجموعة من رجال الأمن يصِّوبون عتادهم نحوي.... أطلقوا عدة عيارات نارية.... شعرتُ بأجزاء جسمي تتناثر من حولي.... وتسرّبت إلى أنفي رائحة الدّم مختلطة برائحةِ تلك الوردة.... آه...... لقد فقدتُ كل قواي.... وخَرَرْتُ جاثبًا على ركبتي.. ألقيتُ نظرة شاحبة على الوردة الآخذة بالذبول، وعلى يدي التي ما تزال تمسك بها رغم اجتثاثها من مَنبتها.... ثم أدرتُ بنظري صوب رجال الأمن.

وفجأةً، تناهي إلى مسمعيّ صوت مألوف.... لا أدري... لقد شعرتُ بسعادة غامرة إزاء ذلك الصوت....وما إنْ فَتَّحتُ عينيَّ الغارقتين في سباتٍ عميق حتى وجدتُ نفسي مُلقى تحت السّرير ... وألفيتُ أخي يدعوني لتناول وجبة الفطور.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى