د. محمد عباس محمد عرابي - الوقفة التحليلية الثانية في روائع الرثاء في فقد الأم لفضيلة الشيخ الشاعر عبد الله بن علي العامري.. الدرة الثانية 2

الدرة الثانية 2

*وقفة مع الدرة الثانية لفضيلة الشيخ الشاعر / عبد الله بن علي العامري
في رثاء الأم، فيما يلي وقفة تحليلية للدرة الثانية لشاعرنا الشيخ الجليل عبد الله العامري يقول شيخنا العامري في درته الثانية في رثاء أمه وبيان مناقيها (رحمها الله):
وفي يومٍ تُداهمني الخطوبُ
وأَنى لي بمركبها رُكوبُ
تناثر حزمُ عزمي من عراهُ
وأبعدني عن الشمس الغروب
أيا أماه أنت الشمس أنتِ
وإني الطفلُ و الدنيا لُغوبُ
أَمرضعتي الحياةَ بكل حبٍّ
وحاضنتي و ممشايا لَعوبُ

و عامرتي بجدٍ و اجتهادٍ
بنصحٍ مستديمٍ لا يخيبُ

و كيف يخيب يا أماه سعيي
و في كفيك أدعيةٌ طَلوبُ

تناجين الإله بكل صدقٍ
لأرجع بعد أن نأتِ الدروبُ

طلابُ العيش أرَّقَ كل عينٍ
و أبعد من يُرجيه الحبيبُ

أنا طفلٌ و مهدي في يديك
و طفلٌ بعد أن لاح المشيب

و طفلٌ أنجب الأولادَ شيخًا
و أحفادًا و أسباطًا تطيبُ

إلى أن غبت يا أماه يومًا
فإني اليوم في يتمي أذوبُ

ليكوي مقلتي دمعي و خدي
و قلبي حين تنفطرُ القلوبُ

تغالبني الخطوبُ بسيف حقٍ
و أغلبها بصبر لا يعيبُ

أُصابرُ صبر أيوبٍ أتاه
على دنياه مغوارّ سَلوبُ

و أصبر مثلما قد شاء ربي
و أصبر مثلما صبر الحبيبُ

رسولُ الله تأتيه البلايا
ليسمو و الإله له يُثيبُ

فصلى الله ما برقت غيومٌ
على من قبره نورٌ مَهيب

على المبعوث بالرحمات تترى
رسولُ الله أطيب ما يطيبُ

ليَسقي قبرَ أمي غيثُ غيثٍ
طهورٌ طاهرٌ دِيمٌ سكوبُ

و يسقيه من الرحمنِ رَوحٌ
أنيسٌ مؤمنٌ مهدٌ رطيبُ

و يُسليه مدى الأزمان نورٌ
من الجنات مفتاحٌ رحيبُ

إلهي هاك أمي قد رضينا
جوارً منك قُربَكَ يا قريبُ

لقد كانت لنا أمًا رؤومًا
طبيبتنا و قد أعي الطبيبُ

و مسلمةٌ موحدة لربي
و تعبده بلا شركٍ يخيبُ

و تفقدها مساجدها ببيتٍ
شهودٌ لا تزول و لا تغيبُ

فيا رباه رُحْمًا ثم رُحْمًا
لأمي، كل مقبورٍ غريبُ
وفيما يلي بيان لمحور هذه الوقفة نعرضها على النحو التالي:
*المحور الأول: يوم الفقد وأثره على الشاعر:
يوم فقد الأم يوم ولكن ليس كأي يوم، يوم هاجمت فيه بالخطوب بأهوالها التي لا تطاق شاعرنا صدمة وأي صدمة لا تطاق، تذهب لب الحكماء وشاعرنا القدير (أظنه منهم ولا نزكيه على الله) فقد تناثر حزم عزمه نعم ولما لا يتناثر فقد غابت شمسه (أمه عن الدنيا) أليست الأم الحياة ورمزها !! وحق للأم أن تكون شمسًا تعم الدنيا بضيائه حيث يقول شاعرنا العامري:
وفي يومٍ تُداهمني الخطوبُ
وأَنى لي بمركبها رُكوبُ
تناثر حزمُ عزمي من عراهُ
وأبعدني عن الشمس الغروب
وقد أجاد شاعرنا القدير في توظيف البيان في بيان أثر فقد الأم على نفسه فها الخطوب تهاجم، ولها مركب، وها هو حزم العزم يتناثر، والغروب يبعد والأم شمس استعارت وصور فنية بليغة ساهت في إيضاح المعنى في صورة حسية مجسمة ملموسة.
المحور الثاني: في وصف الأم:
وها هو شيخنا العامري يصف أمه، ويبين مناقبها (رحمها الله)، فالأم كالشمس، مصدر الحب والحياة والسعادة للأبناء، رمز الهمة والجد والاجتهاد، والدعاء الصادق للأبناء حيث يقول:
أيا أماه أنت الشمس أنتِ
وإني الطفلُ والدنيا لُغوبُ
أَمرضعتي الحياةَ بكل حبٍّ
وحاضنتي وممشايا لَعوبُ
وعامرتي بجدٍ واجتهادٍ
بنصحٍ مستديمٍ لا يخيبُ
وكيف يخيب يا أماه سعيي
وفي كفيك أدعيةٌ طَلوبُ
تناجين الإله بكل صدقٍ
لأرجع بعد أن نأتِ الدروبُ
طلابُ العيش أرَّقَ كل عينٍ
وأبعد من يُرجيه الحبيبُ
وقد وظف العامري في أبياته البيان البلاغي توظيفًا رائعًا حيث نجده يبين مكانة الأم بالنسبة للأبناء فهي ينبوع الحياة من خلال التشبيه البليغ" أنت الشمس"، والاستعارة الموضحة للمعنى في قوله "أَمرضعتي الحياةَ بكل حبٍّ"

المحور الثالث: فقد الأم وأثره على المرء:
وفي المبحث الثالث نجد شاعرنا العامري يبين فقد الأم وأثره على المرء بالرغم من بلوغ الستين (بارك الله فيه وحفظه) أنه الشاعر طفل في جناب الأم (رحمها الله) بالرغم من المشيب فهو طفل شيخ له بنين وحفدة (بارك الله فيهم)، ثم يبين مشاعره، وأثر فقد الأم عليه حيث الحزن الذي خيم عليه بفراق أمه حيث يقول:
أنا طفلٌ ومهدي في يديك
وطفلٌ بعد أن لاح المشيب

وطفلٌ أنجب الأولادَ شيخًا
وأحفادًا وأسباطًا تطيبُ

إلى أن غبت يا أماه يومًا
فإني اليوم في يتمي أذوبُ

ليكوي مقلتي دمعي وخدي
وقلبي حين تنفطرُ القلوبُ
وبالرغم من عرض شاعرنا العامري لحقيقة فقد الأم إلا أنه البيان البلاغي أظهر هذه الحقيقة بصورة ملموسة حيث نرى المهد في اليدين "ومهدي في يديك"، وبيان الأثر الشديد للفقد حيث الذوبان من اليتم من خلال الاستعارة في قوله: فإني اليوم في يتمي أذوبُ، والدمع والخد والقلب يكوي المقلة استعارة تبرز أثر الحز في صورة مجسمة


المحور الرابع: التغلب على الخطوب بالصبر
وبين أنه لم يتمكن من التغلب على هذا الحزن والخطوب (التي غلبها شاعرنا ) إلا بالتحلي بالصبر امتثالا للأمر الإلهي ،واقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم )حيث يقول
تغالبني الخطوبُ بسيف حقٍ
و أغلبها بصبر لا يعيبُ

أُصابرُ صبر أيوبٍ أتاه
على دنياه مغوارّ سَلوبُ

و أصبر مثلما قد شاء ربي
و أصبر مثلما صبر الحبيبُ

رسولُ الله تأتيه البلايا
ليسمو و الإله له يُثيبُ

فصلى الله ما برقت غيومٌ
على من قبره نورٌ مَهيب

على المبعوث بالرحمات تترى
رسولُ الله أطيب ما يطيبُ


المحور الخامس :الدعاء للأم بالرحمن :
وها هو شيخنا العامري يعدد مناقب أمه، معددًا فضائلها، وهو يدعو لها بالرحمة والمغفرة حيث يقول:
ليَسقي قبرَ أمي غيثُ غيثٍ
طهورٌ طاهرٌ دِيمٌ سكوبُ

و يسقيه من الرحمنِ رَوحٌ
أنيسٌ مؤمنٌ مهدٌ رطيبُ

و يُسليه مدى الأزمان نورٌ
من الجنات مفتاحٌ رحيبُ

إلهي هاك أمي قد رضينا
جوارً منك قُربَكَ يا قريبُ

لقد كانت لنا أمًا رؤومًا
طبيبتنا و قد أعي الطبيبُ

و مسلمةٌ موحدة لربي
و تعبده بلا شركٍ يخيبُ

و تفقدها مساجدها ببيتٍ
شهودٌ لا تزول و لا تغيبُ

فيا رباه رُحْمًا ثم رُحْمًا
لأمي ، كل مقبورٍ غريبُ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى