حاميد اليوسفي - المسخ.. قصة قصيرة

هذه المرأة خطيرة. تُطلق البخور، وتذبح دجاجة، وترفع يديها إلى الأعلى، وتُغمض عينيها، وتُمتم بكلام غامض، فتُرقّص الحجر. كل النساء يخفنها.
بالأمس زارتها زهرة زوجة العربي، وقدّمت لها ديكا وعشرين درهما، وعشرَ بيضات. طلبت منها أن تضع (الفتوح)* في الداخل حتى يأتي مَلَكٌ من أهل المكان ، فيأخذه لصاحبه ، وعادت فأمرتها أن تجلس بجانبها، وقالت وهي تنظر إلى أعلى :
ـ أعرف أنك جئت لتقديم شكوى بزوجك ! لا تخافي ، لكل عُقدة حلّال.
سقطت دمعة من عين زهرة، وأجهشت بالبكاء. ثم شكت لها بتفصيل ما تعانيه كل يوم من ضرب وشتم واغتصاب، وبأن صبرها نفذ، ولم تعد قادرة على التحمّل. طلبت منها أن تجد لها حلا ، وستُقدّم لها كل ما تطلبه.
ربتت العرافة على كتف المرأة، وسألتها عن اسم الزوج، واسم أمه، وتاريخ ميلاده. رمت بعض البخور في النار، ثم بدأت تُغمغم بكلام، فهمت منه زهرة بصعوبة أنها ستعاقب العربي، وتمسخه إلى حيوان ذليل ومُطيع لفترة وجيزة. ولن يعود إلى وضعه الطبيعي، حتى يُقبّل التراب من تحت رجليها.
قدمت لها تميمة وحرزا ومسحوقا سحريا. وأوصتها بأن تشدّ التميمة بخيط أو سلسلة في عنقها، وأن تخفي الحرز تحت الجانب الذي ينام عليه من الفراش، وأن تخلط كل مساء القليل من المسحوق مع الماء أو الشاي أو أي سائل آخر، وتُناوله لزوجها.
بعد ثلاثة أيام أرغمها الحيوان أن تمارس معه الجنس على طريقة الكلاب. أفرغ فيها كل غضبه، واسترخى ثم أعطاها بالظهر ، وبدأ في الشّخير. تقلّبت أكثر من مرة في الفراش. استغربت كيف لم يُؤثر فيه السحر. بقيت تُفكر إلام سيتحول العربي؟ تمنت أن يتحول إلى أرنب أو ديك! لا تعرف متى سرقها النوم ؟!
عندما نهضت لتذهب إلى المرحاض، لاحظت بأن العربي لا ينام بجانبها. تحسّست الفراش، ثم أشعلت المصباح، لكنّ الرجل لم يظهر له أثر. شعرت بالخوف. ماذا لو تحوّل إلى عفريت، وفعل بها ما لم تكن تتوقعه. تذكّرت حكاية هينة التي خطفها الغول، وتزوجها وأسكنها الكُدية البيضاء، كما سمعت من جدتها. سارت نحو المرحاض بخُطى مرتعبة. الريح تعوي في الخارج. ارتجت النافذة بقوة، فقفزت زهرة من مكانها حتى كاد قلبها ينخلع. لم تعد ترغب في الذهاب إلى المرحاض. أغلقت النافذة بحذر، وعادت إلى غرفة النوم، وأغلقت الباب بإحكام. تعمّدت ترك ضوء المصباح مشتعلا. رفعت الغطاء قبل أن تجلس. ما إن وقعت عينها على جرو ينام مكان زوجها حتى قفزت من مكانها، وهي تصرخ؟!!
تكلم االجرو، وطلب منها أن تهدأ، وقال بأنه هو العربي، ولا يعرف ماذا وقع له. نام حوالي ساعتين، وعندما استيقظ، وجد نفسه على هيأة جرو.
أحسّت زهرة بالشلل في ركبتيها، تبلّل سروالها من بين فخذيها. جلست على الأرض، واستندت على الباب، وضعت يدها على رأسها، وهي في حالة ذهول! كيف ستنام بجانب زوج تحول إلى جرو، وماذا بوسعها أن تفعل إذا غرز أنيابه في كتفها؟! كيف تأكل وتشرب وتخرج معه إلى السوق، وتضع يدها في يده، ويركبا الحافلة؟!
بعد أن تأكدت بأن السحر أدى مفعوله، ضحكت بهستيريا. قالت مع نفسها لا بد أن تبحث في الصباح عن حبل، وتربطه في الممر حتى لا يخرج إلى الزنقة، ويرجمه أطفال الحي بالحجارة. وعندما تذهب عند الخضار والبقال، ستجره خلفها، أو تحمله بين ذراعيها كما تفعل نساء (البولفار). ستضحك عليها الجارات، ويسألنها من أين جاءت بهذا الجرو؟ ستقول بأن العربي هو من جلبه إلى البيت، وأوصاها أن تعتني به. لكن ماذا لو تكلم المسخوط، وقال بأنه هو العربي، وفضحها أمام الناس؟ لا، لن تأخذه معها إلى الخارج. ستتركه مربوطا في البيت.
لم تعد تعرف من يبكي الكلب أم العربي؟! الصوت الذي يصدر عن الحيوان هو مثل صوت كلب تعرّض لضرب مُبرح. اقتربت منه بحذر. مرّرت يدها فوق رأسه، تحسّسته بأصابعها، وقلبُها يدقّ من شدّة الخوف . هدأ الأنين نسبيا. قالت في صمت:
ـ لو تحولت إلى كلبة مثله لفهمته، وأشفقت عليه أكثر! ليس هذا ما كنت أريده، لا بد أن أزور العرافة في أقرب وقت.
في منتصف النهار قدمت له الطعام بمفرده. فكّت الحبل عن عنقه، فجلس بجانبها، ينظر إليها بتودد، ويُحرك ذيله، ويتبعها أينما ذهبت داخل البيت. في الليل لم تسمح له بالنوم معها في الفراش. خشيت أن تغرق في النوم فيضاجعها.
قالت لنفسها : وإذا أخرج الكلب عينيه، وكشر عن أنيابه، سيغمى عليها، ويمكن أن يفعل بها ما يشاء. لا بد أن تحذر، فالإنسان بشر ، والكلب حيوان، هكذا خلقنا الله. والله لن يرضى عن امرأة تسمح لكلب بأن يضاجعها. ثم إنه مجرد جرو من النوع الأكثر انتشارا في القرى والأحياء الفقيرة، لا يُشبه أنواع الكلاب التي يُربّيها الناس، ويظهرون بها في التلفزيون، أو في شوارع خمسة نجوم.
سمع العربي نباح الكلاب في الخارج، فبدأ هو الآخر ينبح (هاو هاو هاو). ارتفعت الأصوات، وتداخل بعضها مع بعض، حتى رأت زهرة بأن جميع كلاب الحي بما فيهم العربي يطاردونها، ويمزقون ثيابها، وينهشون لحمها، فقفزت مذعورة من الفراش، وهي تصرخ، وتتصبّب عرقا ، حتى أيقظت العربي من النوم.
فحصت وجهه ، ووجدته العربي بشحمه ولحمه ، فاستغربت كيف عاد إلى طبيعته البشرية من غير أن يُقبّل التراب من تحت رجليها !


المعجم:
ـ (الفتوح): ويسمى أيضا (البياض)، وهو مثل العربون الذي يُهدى للعرّافة كمُقدّمة لتصريف العمل حتى يُعطيِ النتائج المطلوبة.


مراكش 10 / 07 / 2022
  • Like
التفاعلات: حاميد اليوسفي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى