العربي شعبان - اشتعال..

بعد محاولات غير قليلة ظللت بعدها ألف وأدور حول نفسي كثيرا‏...‏ مرات أناجيها‏,‏ ومرات أناديها‏,‏ ومرات أبحث معها عنها‏,‏ أحادثها‏,‏ أسألها‏:‏ أين ولاعتي الصفراء الصغيرة؟

أظن أن زوجتي أخفتها بعيدا عني فأنا المسئول الأول والوحيد أمامها وأمامي. وعدتها كثيرا وقطعت لها العهود والمواثيق أن أتوقف عن التدخين وأن أحث الآخرين علي الامتناع معي عنه من أول العام, وأكون إنسانا جديدا. تلمست كل شيء حولي.. أخيرا وجدت يدي ضالتها.. أخيرا أمسكت بالكبريت. اقتربت منها أكثر, أشعلت النار فيها... تركتها هنيهة لأعد لنفسي كوبا من الشاي( فقد اشتقت إليه منذ الصباح فسيكون له شأن آخر مع النعناع ومعها) مستندا علي علي الحوائط والجدران( التي أعرفها جيدا وعن ظهر قلب فلي معها ذكريات وأحلام) رحت أتحسس مطبخي الخشبي القديم.. لحظات قليلة عدت بعدها تحملني عصاي الغليظة المسرعة. والتي ورثها جدي عن جده فلا أري إلا نصفها السفلي أسألها: متي؟ وكيف؟ تجيبني دموعها الجارية: أحترق وأذوب لإسعاد الآخرين. واضعا يدي علي خدي وعلي منضدتي الخشبية الصفراء جلست أرقبها... أتأملها مشتعلة وبشتي الطرق مدافعا ومحاولا أبقيها. فمازال طيفها يداعب خيالي, آخذ بيدها, أخيرها, أسبح معها بين موجات الصمت وصخور السكون, أو نسافر معا في ظلمات اللاوعي.
>> فنطير معا لنذوب سويا هناك في الملكوت. أقارن عمرها بعمري, لونها بلوني, وطولها بطولي و...... و...... و......
فهي تشبهني تماما: نفس العزيمة... نفس الإصرار والتحدي وتحمل عناء الحياة, نفس الفترة علي البقاء هيهات... هيهات صياح وضجيج أطفالي الأربعة الصغار( النور جه... النور جه... النور جه) أفاقني... أيقذني... أيقظني ممن يسرقها مني. صراخ زوجتي ووعيدها لي دائما وتذكيرها بتحذيرات الأطباء المستمر ووعدي لها جعلني أومئ لها برأسي وأنا بين البين بين. أعرف أن غضبها علي ليس لمجرد التوفير ولكن خوفا علي صحتي التي كل يوم هي في شأن وتزداد سوءا بعد سوء صوتها يزداد اشتعالا وهي تري بقايا السيجارة تحتضر بين أصابعي وكوب الشاي الفارغ علي فمي... أنظر إليها ضاغطا علي لساني وأسناني وآخر قطرة من دموع الشمعة مازالت تتساقط علي أناملي اليابسة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى