أحمد رجب شلتوت - إياب

بمهارة فائقة؛ نجحت السيدة العجوز في تفادي وقوع أي اصطدام، أو حتى احتكاك للدراجة، ثلاثية العجلات، بالسيارات الطائرة فوق الكوبري..
تسير ببطء، تجبر السيارات على الإبطاء، أو تجنبها؛ فترتبك الحركة فوق الكوبري، لم تُبالِ بما نالته من سباب، لم تهتم إلا بأن تعبر الدراجة الطريق سالمة، فلما نجحت في العبور إلى الضفة الأخرى، تركت مقود الدراجة الشاغرة..
فتحت صدرها لنسيم النهر، أخذت نفسا عميقًا؛ ضاعف من نشوتها، وشعورها بالانتصار على الخطر، ثم عادت إلى الدراجة، تتحدث إلى راكبها غير المرئي:
– مبسوط يا حبيبي؟ سآتي بك يا حمادة كل يوم إلى النهر لكن لا تتركني، تحِنُّ إلى أمك، أنا أيضًا أحنُّ لها، هي ابنتي لكن لن أدعك تذهب إليها، أخذتْكَ معها، فاضطررِتُ إلى أن أخطفَكَ منها! صرخت، وقالت: ابني، لا تأخذيه، لكن لم أتركك لها، إن أرادتْكَ فلتأتِ هي، تعلَم أنني وحيدة دونكما، أرجوك يا حمادة لا تتركني، سأخرج بك كل يوم في نزهة، أحضر لك كل الألعاب، أضع في يديك كل الحلوى، لكن إبقَ معي..
تنحني على الدراجة، ترفع يديها ببطء؛ وكأنها تحمل شيئًا ما، تقربه من وجهها، تبتسم، وتقبله، تناجيه، وتغني له، تهدهده، ثم تعيده برفق إلى مقعده فوق الدراجة، تخرج من حقيبتها مسدسًا، تقربه من المقعد:
– أُنظر يا حمادة ماذا أحضرت لك؟
تضغط على زناد المسدس فينطلق سرسوب مياه، يبلل المقعد..
– إضحك يا حمادة، ضحكتك حلوة، خُذْ المسدس، رُش على تيته، إمسِك يا حمادة..
تمسح بطرف شالها نقاط المياه، عن مقعد الدراجة، تضع المسدس فوقه؛ وكأنها تناوله للطفل، لم تنتبه لنظرات المارة، عشاق صغار ينظرون لها بأسى، بائع الفل يدعو لها بالشفاء، ولنفسه بالنجاة، وأطفال ضالون يضحكون منها، يرمونها بالجنون، فيشتد خوفها على حمادة، تهدهده:
– لا تبكي يا حبيبي، هل تشعر بالجوع؟ سأشتري لك الذرة المشوية التي تحبها، ونعود إلى البيت..
تعود إلى مقود الدراجة، تمسكه بيد، وبالأخرى تشير إلى السيارات لتبطئ، تسير ببطء، توزع نظراتها بين الطريق والمقعد الشاغر، وتبدأ رحلة الإياب.
أحمد رجب شلتوت يكتب.. إياب (قصة قصيرة) - هارموني توب إيجيبت

HARMONYTOPEGYPT.COM
أحمد رجب شلتوت يكتب.. إياب (قصة قصيرة) - هارموني توب إيجيبت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى