حاميد اليوسفي - الرجل الذي ينزف من الداخل

توقف عبد السلام في محطة الوقود . رفع بصره للوحة كتب عليها الثمن بأرقام إلكترونية بارزة . بدا له الرقم 18 درهما مثل رصاصة أطلقها جندي لا يجيد التصويب ، فاخترقت الجيب .
قال في نفسه الحمد لله أنها أصابت الجيب ، ولم تصب ما بجواره . الجيب إذا تمزق يُمكن رتقه ، لكن إذا أصيب ما بجواره ، فستندلع حرب لا أول لها ولا آخر .
تذكر الكثير من القصص التي سمعها عن أقرانه حول رجال لا يشبهونه ، فقدوا أعضاءهم التناسلية بهذه الطريقة أو تلك ، فانشغلوا بجمع المال وتكديسه ، ونسوا أنهم لم يعودوا رجالا ولا نساء .
وصل دوره ، عليه إخراج العشرين درهما ، سيكتفي بملء لتر واحد ، ويسوق باعتدال حتى لا يحترق البنزين بشكل سريع . والباقي سيشتري به سيجارتين .
وهو عائد في المساء إلى البيت ، توقّف في منتصف الطريق . حرّك الدراجة ، وأصاخ السمع لخزان الوقود ، بدا فارغا . أزال الأنبوب من أسفل ليقطع الشك باليقين ، لم تسِلْ أية قطرة . استغرب للأمر . شك في حارس الدراجات أمام المعمل ، ثم لعن الشيطان . شك أيضا في عمال محطة البنزين ، وفسر ذلك بجشع أرباب المحطات . المضخة تعمل بآلة حاسبة إلكترونية . كل ما يخرج من المضخة ، يتم ضبطه ب(السنتيلتر) . البنزين الذي يتبخر لا بد أن يجد العامل طريقة لتعويضه ، وإلا سيؤدي ثمنه من جيبه ، ويتهمونه بأنه لص ، وقد يتعرض للطرد من العمل ، ولن يأخذ منهم ما يُنقّي به أسنانه . وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك ، فلا بد أن درجات الحرارة ، جعلت البنزين يتبخر بسرعة .
استغرب بالأمس لرجل أصلع تبدو آثار النعمة واضحة على خديه الأحمرين ، وهو يصرح لقناة بفخر ، أن حزبه الذي يقود الحكومة ، حصل على أكبر عدد من الأصوات يفوق مليونين ونصف ، وعلى أكبر عدد من المستشارين الجماعيين ، ولا حق لأي أحد بأن يدعوهم إلى الرحيل ما دام المغاربة راضون على عملهم .
رد عليه بامتعاض :
ـ ولكننا لم نصوت عليكم لرفع الأسعار بشكل جنوني ! لم تبق سلعة في السوق لم تزيدوا في سعرها ؟!
وهو يُدقق في ملامح الرجل الأصلع لاحظ بأنه يشبه (الباطرون) ، عندما قال له عبد السلام بأن الأسعار ارتفعت إلى أكثر من الضعف ، والأجر لازال يراوح مكانه ، نظر إليه باحتقار ، وخاطبه بقوله :
ـ كلنا احترقنا بارتفاع الأسعار ، وإذا لم يعجبك العمل ، فالباب أوسع من كتفيك ؟!
أسرّها في نفسه ، وقال بصوت خافت أفرغ فيه كل حقده الطبقي :
ـ لولا هنية والأطفال لفعلت الآن ما اشتهيت !
هل تعرف ماذا اشتهيت ؟! أن أصفع الباطرون والرجل الأصلع على خديها الأحمرين حتى ينزفا دما ، مثلما أنزف أنا من الداخل .

مراكش 20 / 07 / 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى