محمد الدويمي - آه يا "لاطايْ"!!

آه يا "لاطايْ"!!
كم مرة داس الموت بقدميه في فراغاتك على أزهار متفتحة باسمة كانت تداعب الحياة وتنثر السعادة والفرح حولها فأضحت في رمشة عين ذابلة حزينة...
باشر العَمْراوي عمله ب"لاطايْ" كعادته ذلك اليوم.
أزاح الحواجز من ممر الفحم..
بعد أن تأكد من أن "الطولا" مثبتة جيدا ببعضها البعض، جلس فوق إحدى الدعامات الخشبية ينصت لأهزوجة الفحم حين يتساقط بقوة ويرتطم بتلك الالواح القصديرية.
لم أعد أتذكر كم مضى من الوقت حين طرقت سمعي صرخة آدمية متقطعة..
لمحت وسط الغبار والظلام وميض مصباح يهوي بسرعة البرق عبر ممر الفحم..
ألقيت نظرة على العمْراوي..
لم يعد في مكان جلوسه..
شممت رائحة الموت البغيض..
لقد انزاحت تلك الدعامة الخشبية التي اتخذها مقعدا من مكانها..
لقد سقط العمراوي وارتطم ب "الطولا" وتدحرج بقوة نحو "السّانْسورْ" حيث يجتمع الفحم الذي يقطعه العمال..
انتشر خبر سقوطه.
توقف زملاءه في الورش عن عملهم..
انتقل الخبر بسرعة إلى الورشات المجاورة فانضم بعض العمال للمساعدة والمآزرة في عملية البحث.
تكاثفت جهود العمال..
استمرت عملية البحث دون انقطاع في سباق مع الوقت..
والموت...
ما أقسى الموت دون مقدمات!
مات العمراوي..
نشبت المنية أظافرها في شبابه.
ترك أرملة فقدت زوجها، وأما ثكلى فقدت وحيدها، وجنينا لم ير النور بعد.
بكت أسرته الصغيرة كثيرا.
حزن أصدقاؤه ومعارفه على فراقه.
إن آلام جرادة نبتت في أوصالها منذ اكتشاف الفحم..
آلام جعلت أحاديث الناس اليومية عن الموت والجراحات مثل مرثية حزينة متواصلة...
رحم الله كل ضحايا الفحم..

محمد الدويمي..
مقتبس من رواية: "مينورْ شَرْبونْ" مع بعض التعديلات..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى