إبتسام الزريعي - ادعوك للرقص

التقته صدفة في ورشة عمل لإحدى المؤسسات كانت تثير من حولها ضجة ساكنة بهدوء جاذبيتها الواضحة تطرح فكرة، تساؤل، واقتراح يتابعها من مقعده الأخير، واضعاً يده على خده والأخرى تعانق سيجارة توحي لمن يراه بمدى متعته بالدور الذي اتخذه لنفسه ، كان في رحلة بحث عن امرأة تختزل الحياة، دائمة الاشتعال،
في ساعة الاستراحة توجه إلى طاولتها مباشرة تراقبه بل تنتظره
- أين الطريق حيث يسكن النور؟ متسائلاً باستفزاز يرتشف قهوته أمامها،
- رجل يبحث عن أفق يحمل حاضره نحو الغد، وامرأة نحلة... نخلة، لست أدرى! لعلها الحلم الذي لن يأتي
ممعنةً في استفزازه واصلت حديثها بنظرة ثاقبة إلى عيناه :
- الحياة إما مغامرة جريئة أو لا مغزى لها، اختار فإذا كنت حتى الآن أهلا لهذه المغامرة دعنا نبدأ، أتأتيني أم آتيك ؟ ـ واستدركت ـ بما أنك رجل تقدمي لا يهمك من يأتي الآخر، كما لا يهم
- لنخوض تجربة سوية يلزمنا أن نكون جاهزين لاستحقاقها
ذكرته بأسطورة قديمةـ أخبرته إياها من قبل ـ بطلها آدم وحواء كانا واحد ثم انقسما وأضاع كل منهما الآخر عند حافة جبل، كان كل منهما يدور حول الجبل بحثا عن نصفه الضائع بعد جهد قررت حواء أن تجلس فوق قمة جبل الجليد متيقنة أن أدمها سيظل يبحث عنها حول الجبل، متى رفع رأسه رآها وتسلق الجبل ليجدها في انتظاره هذا ما أخبرتنا به الأسطورة ومن يومها أصبحت حواء في حالة انتظار دائم لآدم الباحث عنها، لا تخرج عن الإطار الذي فُصل لها، تتحمل حاضرها بصبر وخيال متقد
ضحك ضحكةً خبيثة وسألها عن مغزى تلك الأسطورة ، وعلاقتها بما بحدث بينهما
أخبرته أيضا :
- أنها صقر يقبل الميتة جوعاً ولا يقبل الجيفة، امرأة انتقائية، خطت خطوتها الأولى تجاه رجل اتفقا من البداية على انه خلع عدة طبقات من جلده المورث ،الذي أنتجه تاريخ من أنظمة القهر والاستغلال كما قشر طبقات الجلد حتى العظام، وبدا عارياً حتى من أوراق التوت،
- هل أنت من تخلى عن الإرث ومشت حافية بمحاذاة حواف الطرق الملغومة بالأشواك؟ أين الطريق إليك ؟ تساؤلاتي مشروعة كما شكوكي ،
لم تكن ديكارتية ، لم تكن منقادة بحكم الضرورة ماتريده واضح أمامها
، معاً في طريق يضمن لهم لحظة هدوء بعد سير مضني، هي العاصفة وهو الصقر، دعته للرقص بين يديها لعل في دعوتها ما ينفى شكوكه ،
قال لها:
- ابق على سجيتك ما أروعك هكذا عفوية..هدوء طيراني يقابله اندفاع عاصفتك يا امرأتي الآتية من تيه ... كل ما احتاجه حضن نابض وغفوة لحظة بهدوء أطلقت لبوحها العنان ائتمنت زهر اللوز، وفاحت رائحة الربيع، في زمن قررت أن تطوى كتاب اصفرت أوراقه
مهلاً مهلاً بيده ولسانه قالها وكأنه يستبق الأحداث
- لا تهرولي باتجاهي، أخاف أن أخذلك لا أريدك أن تتألمي بإشراقة اليقظة حين تراقص حفيف الأماني، ما تريده امرأة غيرك من الحب هو الموافقة، التزاوج التلاقح، أو أن تقلدني عقداً حول عنقها، وأعرفك تماما لا تستحقينني
قالت في داخلها بألم من اكتشف خذلان نفسه لنفسه ، لنطوى الصفحة :
- صغيري لست من النساء الباكيات الشاكيات غادرتُ تقاليد الجدة بعدما زلزلتها ورفضتُ فعل الانتظار المر فوق قمة جبل جليد، يبدو أن الإرث تغلغل في تكوين العظام، الرجل التقدمي يحاول أن يقمع اختياري الحر
- جاهز للرحيل في كل أوان، الثورة في زمانها ومكانها عبقرية وفي غير ذلك حماقة افهميني يا امرأة بلا لوم
- دعوتك لأعلمك كيف ترقص الصقور في حضرة العاصفة، فإذا لم يرضيك حضني غادر.. لكني لم أخبرك أن العاصفة إذا لم تجد صقراً يلامس حناياها، يقتحمها يحتويها فانه لن يتملكها، ستبقي عاصفة تستمر في طريقها
تذكرت...! دعوتك للرقص في حضرتي......هل ستأتي ؟ !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى