أ. د. مصطفى الشليح - تَدُورُ على غَير أسمائِها

لوْ أنَّها لغةٌ رأتْ
كنتُ اختلفتُ إليكَ
أسألكَ البدايةَ كيفَ لمْ تأتِ اختلافا فاتنا،
كيفَ اقترابكَ منْ يديكَ .. مسافةً بيني وبينَكْ؛
لوْ أنَّني أوجزتُ قوليَ خائفا
ألغزتُ كيْ أردَ الزَّوايا سبحةً للذِّكر
كنتُ أهَبتُ بي، واجتزتُ كلَّ اسمي كيْ أجِنَّكْ؛
الإثمُ نافذةٌ أفتِّحُها إليكَ
وطائفا بي أحملُ الصُّورَ القديمةَ، طائفا
بوصيَّةٍ أولى أفكِّرُ في الوصايا كلِّها حتَّى أُكِنَّكْ؛
الإثمُ حلمُ الواقفين على الفراغ
أنا الذي هيَّأتُ للمعنى سريرًا لا ينامُ،
وقلتُ للأرضيِّ: فاذهبْ قاطفا نجمًا إذا ما كانَ عينَكْ؛
والإثمُ كلُّ وصيَّةٍ تأتي لتأتي
كلَّما تركتْ عَصافيرُ الحَديقةِ للصَّدَى
منقارَها ليقولَ لي: لولا وصيُّتكَ الأخيرةُ كنتُ أينَكْ؛
الأينُ مِئذنةُ الصُّعودِ إلى النَّدَى
والغيبُ ينشرُ ظلَّه، قُربَ البُحَيرةِ، سائلا:
هلْ كنتَ تمشي قُربَ ذاتكَ
أمْ غزلتَ بمائكَ اللُّغويِّ كَونَكْ ؟
والكَونُ، بينَ فراشةٍ وفراشةٍ، يَسعَى
وينزلُ. كانَ أعمقَ منْ نُزول الماء يرعَى
طارئا، في الأرض،
يحملُ شاعرا لا يأتلي وجعا،
وأغمضَ منه عُشبٌ حينَ يَقرأ خطوةً
وثبتْ سَماءً ترتخي ودَعًا
لتعرفَ كيفَ أنتَ مُغَمغِمٌ للأرض:
لولا هذه اللُّغةُ الخَبيئةُ .. لمْ أكنْ شأنَكْ؛
لولا انحناءُ اللَّيل يَقضمُ وقتَه
تُفَّاحَةً، وكأنَّ آدمَ ناظرٌ، خوفا، إلى جلبابِه
حتَّى إذا شجرٌ تَحركَ صوتُه
كنتُ الخطَى لأشدَّ مَتنَكْ؛
أسماؤُنا. لوْ هذه أسماؤُنا
وأنا وأنتَ هُناكَ ثمَّ هُنا، وذي أشياؤنا
تركتْ أهلَّتَها إلى أقمارنا، كنَّا نُكوِّرُ دَهشةً
كبداية التَّكوين، كنَّا نبتنِي، منْ حِكمةِ التَّمكين، حُزنَكْ؛
هيَ سطوةٌ بينَ الغَمام ومائِه
بينَ النِّداءِ وخشيةِ الرِّيح التي بندائِه
مِنْ هُوَّةٍ عندَ اسمِه وكلامِه، ومنَ الهُويَّةِ ذاتِها
ومنَ البكاءِ، وقدْ أسالَ اللَّيلُ فِضَّتَه؛
لكنَّها لمَّا تكنْ عَينَكْ،
وهيَ التَّحَولُ بينَ نافذتين
والأرضيُّ يعلو طائرا بحِكايتين:
حِكايةِ الطِّين المُناور باسمِه ليرى يَدين،
حِكايةٍ ليدين تقتربان منْ عُشِّ البدايةِ يَستقي دَنَّكْ؛
وهيَ التَّضادُّ المُستحيلُ
إذا سألتَ، وحكمةٌ لا تستحيلُ
إلى تَضادٍّ يَستميلُ يديكَ تقتحمَان أمنَكْ؛
أسماؤُنا يعدو الغُموضُ بها
ونَحنُ نُرتِّبُ أبْجديَّةَ صوتِنا لنَكونَها
لكنْ تفرُّ.
تفرُّ منْ أصدائنا أثرًا على آثارنا
لكنْ تفرُّ لتسحَبَ اللُّغويَّ منْ أسمائِنا؛
فالأرضُ أكبرُ
منْ نداء العابر الرائيِّ،
أصغرُ منْ رداءِ الماءِ يَخطُبُ جَونَكْ؛
الأرضُ تكتُبُ سيرةً عليا
على أجسادِنا خبرٌ منَ الأرض القديمةِ
هذه أجسادُنا شَذراتُها الشِّعريَّةُ الأولى كأنْ لغةٌ ..
هيَ الأرضُ القديمةُ تبتدي بوصيَّةِ الموتى إلى موتى
كأنَّ، بطينِها، لونَكْ؛
فاسحبْ وصيَّتكَ الأخيرةَ منْ يدِ المعنى
إلى أشيائِكَ الأولى تُعدِّلُها قليلا، واستبِدَّ يدًا
إذا الأرضُ استبدَّتْ
لا تَدورُ، كمَا تدورُ لغاتُها،
بيني وبينَكْ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى