أمل الكردفاني - سوسيولوجيا النكات الإباحية السودانية ومتواريها الثقافي ج(٢)

٢- القبيلة والطبقية اللغوية:

"حلفاوي مرتو عملت عملية حبن في جملها كل ما يجيهو واحد يسألو : مهمد سالح سلامتو مرتك مالو ؟ يرد عليهو: والله عامل عملية فوق جملو !!

ولدو زعل قال ليهو : يا أبوي مافي داعي للفضائح..
قال ليهو: يعني نكضب وللا ايه !!!

الولد : تقول عاملة عملية في المهبل مثلا !!
بعد شوية جا واحد سألو سلامتو مرتك مالو ؟
قال ليهو: عامل عملية فوق...فوق..(نسى)
كورك : ياولد انت قلت
كس أمك الجديد اسمو ايه ؟؟؟"
....

تظهر الثقافة الخاصة بالقبيلة في هذه النكتة وخاصة قبائل الشمال، يمكننا أن نطرح سؤالاً مهماً هنا، وهو لماذا اختار مؤلف النكتة هذه القبيلة تحديداً؟ وهل كان بالإمكان أن تستخدم اللهجة العاصمية العادية لإنجاز المهمة الإضحاكية بذات النسبة التأثيرية؟
سنلاحظ هنا عدة نقلات زمنية: جيل الأب الذي لا زال محتفظاً بلغته الأصلية مما جعل لغته العربية العامية ركيكة (يوصف اللسان الركيك بالأغلف أو اللِّكة)، وجيل الابن الذي غادر اللغة الأم وأصبح لسانه غير ذي عِوج. ولذلك سنجد الرابط بين العلم واللغة. إذ تبدو العربية العاصمية ناقلة للعلم، في حين اللغة الأصلية للأب مرتبطة بالأمية والجهل. فالأب لا يعرف كلمة مهبل، وهي كلمة علمية، لكنه يعرف كلمتين عاميتين، تتعلق الأولى بمجاز عرفي؛ حيث تطلق كلمة "جمل" في الثقافة السودانية على فرج المرأة، وكلمة عامية وهي "كُس" على الفرج أيضاً. لكن الأب لا يعرف كلمة مهبل، بل اعتبرها كلمة جديدة وغير حقيقية. يقول البعض بأنه لا توجد مترادفات في اللغة، وهذا حقيقي إذ أن المسميات الثلاثة لفرج المرأة غير متطابقة، فالجمل مجاز عامي، والكس كلمة ارتبطت بالوضاعة والسوقية (الطبقية اللغوية) وجاء في المختصر:( الكس بالضم: لِلحِرِ، فرج المرأة في العامية ، لَيْسَ من كلامِ العرب، إنما هو مُوَلَّدٌ. ويعتقد أن أصل هذا اللفظ من اللغة التركية,حيث يقال للبنت أو الفتاة باللغة التركية "كز"kiz",ويبدو أنها انتشرت هكذا وأصبحت تطلق عند العرب على العضو).
، وأما المهبل فكلمة علمية تصف كل الجهاز التناسلي للمرأة.
من هنا يمكننا أن نفهم لماذا أختيرت قبيلة الحلفاويين، إذ كان لابد من اختيار قبيلة لا ترتبط باللغة العامية العاصمية. وهكذا تم استبعاد قبائل تعتبر نفسها نموذجاً أمثلاً لتمثيل العربية العامية كالجعليين والشايقية والبطاحين..الخ. ولم يتم استخدام قبيلة من الشرق كالهدندوة أو البني عامر ولا من قبائل الجنوب والجنوب الغربي والغرب كالهوسا والزغاوة ..الخ. وذلك نسبة لجهل مؤلف النكتة بثقافة تلك القبائل فيما يتعلق بعيادة المرضى. إذ أن الحلفاويين هم أقرب لباقي قبائل الشمال من حيث ثقافة عيادة المريض. ومن قواعد اللياقة عند قبائل الشمال، هو السؤال التفصيلي عن حال المريض وفي حالات الموت أيضاً، فمن ثقافة تلك القبائل أن كل من يذهب لعزاء الميت يسأل عن سبب الوفاة وتفاصيلها. وعلى أهل الميت أن يكرروا قص حكاية الموت كلما سألهم أحد بالتفصيل الممل. وقد حدث أنني في إحدى العزاءات وجدت والد المتوفى وقد نصب ميكرفوناً وحكى قصة وفاة ابنه بالتفصيل الممل لجميع المعزين حتى يختصر الوقت والجهد بدلاً عن التكرار. ويعد السؤال والإجابة التفصيلية مظهر من مظاهر الاهتمام والحميمية عند تلك القبائل وليست شيئاً مستهجناً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى