عبد السميع بناصر - القيصاص.. قصة قصيرة

في البَدْء كانَ مُعلـّماً.. نفثهُ بابُ مركزِ التـّكوين إلى' أقصى' الجَنوب.. ومع ذلكَ فقد كانَ يهزُّ خنافِرهُ للسّماء.. وعندما رأى هيْأتهُ على' المِرآة وهو يلبسُ الكوستيمَ لأوّلِ مرّة قرّرَ مُباشَرةً أن ينزعَهُ إلى' الأبد، بعدما ذكـّرهُ بأفراد أوركسترا الأعراس..

وقالت ابنةُ خالـَته، الـّتي لم يعُد يتسوّقُ لها منذُ أن انتسبَ إلى' وزارةِ التـّعليم:

- تـّفو عْلى' مْكجّفْ! شنو يْحسابْ له راسو؟!"..

كان يعرِفُ أنهُ لـَن يخرِقَ الأرضَ لكنـّهُ بلغَ الجبلَ الذي عُيّنَ فيه وسَكنَ قبواً هُناك قـُربَ الفرعيّة.. وتضاءَل الجبلُ، شيئا فـَشيئاً، أمامَ كبرياءِ المُعلـّم، قبل أن يُغادره نهائيا، مُنتقِلاً إلى' مدينة صغيرة..

وعادت ابنةُ خالتهِ البائرةُ تقول: "تـّفو.. المُعلـّمون سقـْرامين".. ولا أحدَ يعرفُ ما إذا كانَ معها حقٌّ أمْ إنـّها تحمِلُ في قلبـِها حقداً تـُجاه المُعلـّم الطـّموح..

صحيحٌ أنّ الرّاتبَ هزيلٌ، إلاّ أنّ الجيرانَ أكـّدوا وأقسَموا بـِربّ السّموات والأرض أنـّه ما أدخلَ يدهُ في جيبهِ إلاّ ليحُكّ ما بينَ فخذيه.. ومع ذلكَ فلا أحدَ يعرِفُ الحقيقة، ثـُمّ إنّ ألسنة النـّاس طويلة..

في المدينة كانَ، أيضاً، مُعلـّماً فقط.. يَحملُ رقمَ تأجيرٍ ودفاتِرَ يُصحِحُها كـُلَّ مساء.. ينزِلُ إلى' المقهَى بالبّانطـُوفة والكيطـْمةِ الـّتي اشتراها من أوّل "رابّيلْ".. ينزلُ ليشربَ فنجانَ قهوة دونَ أن يُبقيَّ فيه شيئاً.. نسَجَ علاقاتٍ معَ معلـّمين آخرين خلال سنـَواتِه الأولى'، فَصارَ مُوعالـّيمْ ديالْ الصّح..

في البَدء، كانَ مُعلـّما فقط.. يُناقِشُ أثمنة الياجورِ والإسمنت، يحفظـُ أنواع السّيارات..

- فلان عْندو إرْنـR9ـَافْ مْجهّدَة..

- هذاك؟ لا هذاك الدّيـ18ـزْويتْ خرجتْ عْليه بالأومبّان..

صارَ مَرجِعَ سابقيه من المُعلـّمين في معرفة جديد الوداديّات.. دخلَ النـّقابة.. اشترى' السّـْلك لبعض أعضاء المكتب وخرج منها كما دخل.. أسّس جمعية.. نصَبَ على' فلوس الدّعم وجمَعَ أرقاماً هاتفية من بعض المُستفيدات من دروس محو الأُمّية..

في البَدء كان مُعلـّماً.. لا يُناقِشُ غير التـّرقية، ويكيل الشّتائم للمُديرين والمُفتـّشين.. يعرفُ أخبارَ المُعلـّمات أكثر من أزواجهنّ..

- هاديك في شهرها السّابعْ.. غاتخرجْ رُخصة ولادة وغايعوّضها فلانْ..

- عْلاشْ؟..

- علاش.. طبعاً، حيثْ الآخر فائض في المدرسة الفلانية"..

في البدءِ كانُ معلماً.. يعرفُ أخبار المُعلمين قاطبة.. ويحكيها لماسحي الأحذية والنادلين:

- فلانْ دارْ كريدي لـُوجْمانْ والدّارْ ديالو كاتدخّـْل ليهْ غيرْ فالكاراجاتْ 100 ألف ريالْ..

- لا، هذاك خرجْ عليهْ الكـْريدي كونسُوماسْيونْ.. بيني وبينكْ راه مْسخوطـْ.. ما كايعرفْ بّـَاهْ بْالسّانسْ!

سِيري يا يّام وَاجي يَا يّام.. حْكَـّا ما حْكَـّا فكـّر أنّ هادْ الأخبار ما يْمكن تنفعْ إلا في كتابة قصَصْ.. وخُويْنا دارْها بالصّح.. شْرى أورديناتورْ كريدي (إلى' الآن مازال ما خْلـّصو) وبرْك يُقصّصْ في القيصاصْ..

أرسَل بعضها إلى' جرائدَ وطنية.. والـُو.. لم تنشر له حتـّى' الجرائد الحزبية.. واحدْ النهار ريحْتو عْطاتْ.. جابو واحدْ صاحْبُو عْند واحد السّيد يملكُ شركة للألـْبان ويُصدر دورية تختصّ في أنواع الألبان..

- أنت غاتنفعْني.. اكتبْ ليّ شي قصصْ عْلى' اللـّبنْ يْكونـُو حامْضينْ بْحالو وْغانتهلـّـَى' فيكْ..

صافي القضيّة مْشاتْ هكـّاكْ..

- شكونْ هذاك؟
- قاصّ مْعرُوفْ
- كيفاشْ؟
- كايكتب فـْالجّورنانْ!
- هادي ما فـْهمتهاشْ..
- بلاشْ عْليكْ!

صْدّقَ الموعالـّيم راسو. اللي تلاقى' معه:

- قريتي قصّتي الفلانية؟.. كيجيتكْ بْصراحة؟..
- السيّد دارْها بْالصّح، أول شيء فعله تهازّ مْع المُدير.
- وْعلاشْ؟
- أنت ما زالْ ما كتعرفني، راهْ بْمقال واحدْ نصيفطكْ تتربّى!"..

المُدير قديمْ وْعايْـق، حيتْ حتى' هو كان كايقرى' شي قصص في السّبعينياتْ ومْعاشْر مّوالينْ البيريّـَاتْ مْن الصّحافيين والنقابيينْ..

- نتربّى'؟ إيوا، أسيدي، أنا غانكتبْ بك وديك السّاعة شوفْ..
- ما تقصّرش، جْرّي طـْوالكْ...

ما تكونْ ليهْ غيرْ على قد فـْمّو، غيّب شي جوجْ سيماناتْ، كتبْ به المُدير تحبْسات ليهْ المانـْضة.. قال له مُول الحليبْ:

- ما عندي ما نعطيكْ.. وْزايدونْ أنا ما قاريشّ، وْداكْ التـّخربيقْ اللي كاتكتبْ فـْالمجلـّة دْيالي قال ليَّ وْلدي، اللي فـْالتـّ9ـاسْعة، غير كاتزبلْ فيهْ..
- تـّـْفـُو..
- تـّـْفـُو عليك نيتْ أنتَ.. نوضْ جمع عْليّ الوْقفة وضرّكَ كمّارتك!..
- شْكون هذاكْ؟
- واحد المُتشرّد وْمْسخوط
- ما فهمتشْ
- راه كايتسلـّفْ..
- هادي فهمتـْها.. إيوَا سْربي نوضْ، راهْ كايبانْ لي جاي جـِهتـْنـَا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى