محمد امباركي - طبيبة ملاك.. قصة

قال لي جليسي:

“شاهدتُ فيلمًا سينمائيًّا أربع مرّات متتالية”.

رددتُ عليه مستغربًا:

“قلتَ أربع مرّات متتاليّة؟! هذا كثير!”.

قال بحماس زائد:

“اسمع، سأحكي لك وقائع الفيلم”.

وراح يحكي ويسهب في الحكيّ عن أدقّ تفاصيل الفيلم الّذي شاهده. وتوقّف كثيرًا عند البطلة. كانت طبيبة نفسانية، مثل ملاك الرّحمة هبط من السّماء، تؤدّي خدماتها مجّانًا لدور العجزة وملاجئ الأيتام.

أحضرت الشّرطة رضيعًا إلى الملجإ في صباح يوم بارد. تخلّت عنه أمّه تحت سقيفة… تركته مقمّطًا في سلّة أحاطت بها بعض الكلاب الضّالّة التي كانت تتشمّمه وتفرّ منه بعيدًا حين يصرخ صراخًا غريبًا.

امتنع الرّضيع عن الرّضاعة الاصطناعية وراح يصرخ ليل نهار، ممّا جعل أطفال الملجإ يرعبون وينخرطون معه في صراخ جماعيّ مزعج.

استعانت مديرة الملجإ بالطّبيبة النّفسانية. هاتفتها، فحضرت مسرعة. أخبرتها بمشكلة الرّضيع… وقفت الطّبيبة أمام سريره وطلبت من المربّيات الابتعاد قليلًا، ومدّت يدها إليه وابتسمت له ابتسامة عريضة، وكلّمته مدّة كما تكلّم شخصًا يافعًا… ولمّا أنهت كلامها، توقّف الرّضيع عن الصّراخ الّذي دام ثلاثة أيّام. اندهشت المديرة والمربّيات حين شاهدنه يسكت ويقبض على أصابع الطّبيبة…

طلبت الطّبيبة من إحدى المربّيات أن تأتيها برضّاعة اصطناعيّة وبأيّ شيء تركته أمّ الرّضيع معه في السّلة. جاءتها المربّية بالرّضّاعة وبمنديل أبيض طُرّز عليه اسم الرّضيع على ما يبدو. كان ما يزال يحمل رائحة عطر من تركته. لفّت الطّبيبة الرّضّاعة في المنديل وقرّبتها مِنْ أنف الرّضيع… ابتسم ابتسامة ملائكية حين شمّ رائحة المنديل ومدّ شفتيه الرّقيقتين وبدأ يرضع الحليب من الرّضّاعة فورًا وبنهم شديد…

وانتهى الفيلم بتصفيقات حارّة للطّبيبة النّفسانية الملاك، ردّدتها جنبات القاعة العريضة.

****************************************************************

هبّ جليسي من مكانه ملسوعًا وخطا خطوتين اثنتين إلى الأمام وتوقّف واستدار نحوي وأخرج من جيب سرواله منديلًا أبيض رفعه إلى أنفه، تشمّم عطره طويلًا ومسح به دموعًا انهمرت على خدّيه الضّامرين…


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى