سعيدة الرغيوي - مســاءات صيفية

كعاداتها كل مساء تتجول “نور” في الزقاق الضيق، تتملى الوجوه الجالسة هنا وهناك، في مقاهي مدينتها حالة من التناقض وعدم التناغم تطغى على المكان، الكل شارد، هائم على وجهه…
إنها تستغرب لهذا العالم المتنافر غير المُتجانس…هي حائرة، تقلب أسطوانات قديمة، تسترجع ذكريات طفولتها الحبلى بالأفراح.
اعتادت “نور” تقييم الأوضاع، ترتيب دفاترها القديمة في الرفوف المتواجدة هنا وهناك ببيتها الذي تمتزج فيه الأصالة بالمعاصرة، تسترعيها أدق تفاصيل هذه الدوامة، تود النفوذ إلى لب الأشياء وكنهها، بيد أنها لم تستطيع التأقلم مع زوبعة الحياة وتياراتها.
“نور” فتاة في مقتبل العمر، تنضح بالحيوية والنشاط، رشيقة القوام، تنتمي إلى طبقة لها وزنها الاجتماعي، لكنها على الرغم من ذلك فتاة متواضعة، محبة للآخرين ولا سيما المنتمين منهم للطبقة الفقيرة المعوزة.
لهذا انخرطت في العديد من الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وذلك اقتناعا منها بحاجة هؤلاء الماسة والملحة للرعاية والدعم، لم يقتصر دورها على العضوية في هذه الجمعيات، بل أصبحت فاعلا نشيطا في مختلف الأعمال الاجتماعية والخيرية التي تهم هؤلاء.
لم تنحصر مبادرتها على الدور الاجتماعية والخيرية بل، قررت عن اقتناع خوض غمار التجربة الانتخابية اقتناعا منها بأن مدينتها في أمس الحاجة لأبنائها للنهوض بها وتنميتها وتحسين أوضاعها على كافة الأصعدة والمستويات خصوصا على المستوى الاجتماعي..
دخلت غمار الانتخابات مقتنعة بأهمية هذه الخطوة الجريئة منها، متحدية كل الصعاب متيقنة أنها ستجابه العاصفة أو لا ربما إعصارا، وليس الإعصار طبيعيا بل بشريا شحيحا ومدمرا، اعتمدت في كل ذلك على ثقافتها العالية وإيمانها القوي بان التغيير يبدأ بتغيير العقليات، خصوصا العقليات التي تعشش فيها أفكار إمبريالية، أفكار مريضة تطغى عليها النزعة الفردانية ،لقد كانت على حق، فحري بها مجابهة وتحدي أصحاب هذه العقليات.. حان الوقت للتغيير، للإصلاح، للقضاء على كوادر النظام القديم، للبرهنة على قوتها وعلى إمكانياتها.
لم يعد في مُكنتها الصبر على الإجحاف الذي يطال أبناء مدينتها المهمشة والتي تعيش على أصداء الماضي التليد، ماض لم يعد منه في الحاضر سوى الاسم.. سوى الرموز… وأخيرا ستخوض هذه التجربة المصيرية التي من خلالها سيتقرر مصير مدينة.


المصدر: ريتاج

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى