ماجد سليمان - أُمَّةٌ مَفتُونةٌ بفُنونِ القَول

نحن أمة بيان قبل أي شيء، أمة مفتونة بفنون القَول من شعر ونثر، أمة لغتها مدارات واسعة شاهقة المعاني، مصقولة تبهر من طالعها على الدوام، فقد أدركنا ذلك مبكرا مذ أنشد امرؤ القيس واصفاً الزمان ومؤرخاً للمكان:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشـَمْأَلِ.

كما أدركنا ذلك حين وقف قس بن ساعدة في سوق عكاظ خاطباً في الناس، فالقاً صبح الحكمة وغارساً نخل الفطنة:
«أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.. مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاْج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج».

إن اللغة العربية لغة مقدسة قدسها الله بكتابه الكريم الذي أوحاه بلسان عربي مبين على الرسول العربي الأمين، فتفجرت ينابيع العربية أكثر فأكثر، وفاضت عيونها وأخرجت كنوزها قصصا وخطبا ورسائل وحكم وعلوم ونثائر وقصائد ومواعظ، فاتخذنا قناطر مقنطرة من ذهب القول وفضته.

إن اللغة العربية لغة عبادة ودعاء، وتقرب ورجاء، وتضرع، وأمل، وطلب غفران، وهي أيضا لغة غزل وشجن، وديوان غراميات ومعجم لسانيات، ولغة سياسة ومفاوضات، خصوصا إذا تبادل الملوك رسائلهم المدبجة بالبيان العربي النقي.

إن اللغة العربية في حياتنا اليومية كائن حي، ونحن نكتبها أو نقرأها فإننا نشعر بحواسنا تلتهب لها، وبمعانينا الإنسانية وهي تضخ دم الطبيعة البكر في نفوسنا، فنراها ترسل حماس الصور إلى مخيلتنا الشغوفة المتلهفة للبديع.

لغتنا شاعرية بطبيعتها، كذلك هي في أحوالها الخطابية والمقالية والمنظومة والمنثورة، فقط حين نكتبها بشغف، بعد أن تركنا باب هيامنا المستعر بها مشرعا.

إنها لغة تدفق للمغرمين بها، والراكضين في دروب صحرائها، فلا يكفي أن نحبها فقط، بل أن نكون معجونين في رمال نحوها، ومنحوتين في أحجار صرفها، وأجنحة في فضاءات خطوط حروفها وإملائها، ومنطربين لبحور عروضها، وسابحين في محيطات تصويرها البهي الفني الذكي، كي نرسم آفاق العقل المستنير، وننتج أدبا فاتنا، وسردا آسراً، وقصائد ساحرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى