عبيدة حنا - من سرق سارتر مني؟

1-
صراحة لا أرغب في دعوة سيمون. ولكن ماذا أقول لجان بول؟ "ألو. مرحبا رفيقي. بخصوص دعوة العشاء. أرجو ألّا تصطحب سيمون معك لأنّي لم أقرأ شيئاً من كتبها. ولا حتى سطراً واحداً. وأرجوك أيضاً بأنّ تبقي الأمر سرّاً بيننا. لا أريد أن يُحكى بأنّني نسويّة غيورة لم تقرأ لدوبوفوار. الأمر محرج. والمثقفون، كما تعلم، لا يرحمون". أيُعقل الكلام؟ طبعاً لا. لا مجال للتملص من الدعوة. سأدعوها وإن لم أرغب في ذلك. أصلاً الأمر أقلّ تعقيداً من هذا كلّه. كلّ ما في الأمر، عشاء لطيف وخفيف وينتهي بعد ذلك كلّ شيء.

***

جان بول سارتر وياروسلاف سيفرت وتشارلز بوكوفسكي؟ لا أعرف لماذا اخترت هذه المجموعة بالذات. عليّ أن أكون دقيقة في الاختيار. فرصة العشاء مع كتاب أموات لا تتكرّر. أفكر، لا ضرورة لفائض القلق هذا. ولكن ماذا لو سخر تشارلز من تسريحة شعر سيمون؟ ثم ماذا لو علم ياروسلاف بأنّي سرقت أبياتٍ شعريةً من "أن تكون شاعراً" وحوّلتها إلى قصص. أحاول التخفيف عن روحي. أقول، تشارلز ألطف من كتاباته. ثم أقول، يجب أن أكفّ عن استخدام فعل السرقة. أنا لم أسرق ياروسلاف. الأمر نابع من فائض تأثر. نعم، سأسمّي ذلك تأثُّراً. أنا متأثرة بياروسلاف وبطفولته وبخوفه من امتحانات الرياضيات وبعلاقته بأمّه وبالمدرسة وبموزارت وبالصلاة وبأيقونة مريم وبالموت. هذا كلّ ما في الأمر. أصلاً ليته كان بإمكاني دعوة سارتر وحيداً. نشرب الشاي ونتحدث عن كامو وعن علاقته بالنساء. ولكن سيغدو الأمر أشبه بصبحيّة جيران منه إلى عشاء ثقافيّ. وأنا أرغب بأن أظهر بمظهر المثقف.

2-
انتهيت من كلّ شيء تقريباً. حتى إنّي حجزت مطعماً لطيفاً في قنوبين. أخبرت صاحبه بأنّني لم أجد مكاناً أجمل من كتف الوادي لإقامته فيه. سرّ صاحب المطعم بالفكرة جداً. طبيعي، اللبنانيون يسرّون بالأجانب. حتى أنّه اقترح عليّ بأن نقيم تكريماً واحتفالاً على شرفهم. لكنّي أخبرته بأن العشاء خاص وبأن "المعازيم" لا يحبّون الضوضاء. لم يقتنع؟ ثم أخبرته بأنّ سارتر، أحدهم، يكره الألقاب والاحتفالات، حتى أنّه رفض جائزة نوبل وأنّه ربما سيرفض درع البلدية رغم أهميته. لم يقتنع. الشاب لطيف فعلاً. سألني رغم فظاظتي عن لائحة الطعام التي أرغب بتقديمها. واقترح عليّ تشكيلة من المازات والأطباق الرئيسية. فقلت له بأن أمعاء الأجانب لا تهضم الكبيبات ولا الغمّة. مستحيل. لكنّه لم يقتنع.

3-
اليوم هو اليوم الموعود. أفتح راديو السيارة علّني أحظى بفيروز. أقلب. المراسلة تواكب ترقب وصول ضيوف لبنان من مطار بيروت. لا أفهم. أقلب. مراسلة ثانية تواكب تحضيرات بلدية الوادي. لا أفهم. أقلب. مراسلة ثالثة تواكب تجمهر الناس "العفوي" على جانب الطريق. لا أفهم. أقلق. لا أقلب. أطفئ.

***

اللوحة الالكترونية في باحة الانتظار تشير بأن طائرات براغ وباريس ونيويورك قد حطّت في مطار بيروت. حملت ورقة بأسماء ضيوفي الأربعة ووقفت. الناس تشير إليّ وتضحك. أقلق. نقل مباشر: أصوات المراسلات تلعلع في باحة المطار. أقلق. نقل مباشر: مطارنة ومشايخ ونواب وأحزاب وبلديات وفعاليات وجمعيات. أقلق. نقل مباشر: لبنان يستقبل حَمَلة نوبل. أقلق. أمشي. أركض. أفقد أعصابي. ولكن مهلاً، ما همّ الجمهورية اللبنانية في استقبال شيوعيين نسويين راديكاليين وجوديين عدميّين أموات؟ نقل مباشر: أكبر كتاب في العالم مصنوع من الشوكولا على شرف الضيوف. قلبي يغصّ. نقل مباشر: مرتلة مسيحية ومنشد مسلم في بازيليك حاريصا. قلبي ينوس. نقل مباشر: ترنيمة آفي ماريا مع الآذان. أفقد الوعي.
نهاية العالم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى