تماضر الطاهر - آكِلات الطین.. صفحة من مذكرات مدمنة تائبة

صفحةمن مذكرات مدمنة تائبة
،
روحي طلعت وأنا بفتش على شغل،
كان وقتھا لي سنة سنتين وأنا ضیفة ثقیلة على البیت ومستھلكة منتظمة للموارد.
المهم..
من حنان الصدیقات وحبھم لي البعرفو وبقدرو جداً، كل كم یوم كده بیرسلوا لي
"رابط" إعلان عن وظيفة ، وكان آخر إعلان جد مُشجِع، مفصل علي بالملي، فقمت استعدیت وقشرتا وشلت أوراقي واتوجھت صوب الخرطوم وبالتحديد منطقة "بُري
الشریف"' وما أدراكم ما بري..بحبها حب.
المهم..
طلعت من البيت ولسان حالي یُنشِد:
یا ھندینا الشریف
یا رُكازة الضعیف
السو إمامي
حُبك صار لي حلیف
،
بقيت ماشة في الشوارع كأنها اتعملت لي مخصوص،لا حسيت بي حفر، لا مطبات وما شفت بتاع حركة واحد طول الطريق.
ومن العجايب اللطيفة أي إشارة مرور صادفتها كانت خضراء تسر العابرين.
المهم..جاي جاي شمال يمين لاحت بري.
عادة باخد لي روحة صغيرة وبفوت الشارع المعني، المرة دي قلت إلا اتأكد فوقفت شوية، وراجعت العنوان لقيت نفسي قريبة شارع شارعين، مشيت
ووصلت باب المكتب،
كان مكتب ھندسي أنیق ، أثاث بسيط وعملي، لوحات على الجدران، وساعة حائط شغالة، وفي رائحة خليط ما بين رطوبة بعيدة وشاي بالنعناع.
أصوات ھنا وھناك..ثم سكرتیرة لطیفة وجھتني لمكان المعاینة.
شكرتها ودخلت المكتب.
مكتب كبير فيه شابتين مركزين في شغلهم.
ألقیت التحیة ووقفت في مكاني بدون حركة ، ردت علي القريبة مني بصوت متعادل لا تخين لا رقيق، وعاينت لي بنظرة مايكرسكوبية متفحصة، خليتا تكمل بحثها في شكلي من كل اتجاه، وابتسمت ليها ابتسامة تشجيع، ولما ابتسمت لي!!!! خوفتني وقطعت قلبي..
شدیت على ید شنطتي ،وضمیت أوراقي ورجعت خطوة للخلف ،كانت أسنانھا
سوداء تماماً، حتى نقاط البياض الفيهم زي الغلطات الما مقصودة.
وسعتّ ابتسامتها السوداء وأشرت لي عشان أجلس بي ثلاثة أصابع من يدها اليمين وبالأصبعين الباقيين كانت شايلة كتلة سوداء مبللة بلعابھا وبتحاول جاھدةً إخفاءھا عن بصري.
لاحظت لاندھاشي، وضحكت بصوت مسموع وقالت لي: ما تخافي..ده طین.
وواصلت شرحھا بعفوية : بعید عنك ربنا ابتلانا بي أكل الطین.
في سري قلت الكلمة المفضلة لجارتنا القبطیة لمن تكون مرعوبة : یا ماما !!!!
المهم..
وأنا بحاول أروق وأهدا، أدتني موية وحكت لي:
كنت براي في المكتب ده الباكل طین وبالدس كمان، لكن بعد فترة اكتشفت إنه
زمیلتي دي بتاكل طین برضها، وبقينا نقعد مرات مع بعض ونتونس، قمنا یوم اتناقشنا وحكينا عن حبنا للطين وعزمنا المھندسة الجدیدة معانا وطوالي
انضمت لینا، بقینا نجتمع مرة مرة نتبادل الطین ونتكلم عن اختلاف الطعم وعلاقته بالمنطقة
مثلاً..الطینة دي من كسلا، ورفعتھا لي بفخر!!
وعندنا في أدراجنا طین من بحر أبروف ومن بحري ومن الشكینیبة والطلحة ومن النیل الأزرق، ومن دكاكین
عطارین معينين في الخرطوم عندهم دليفري، وموعودين بي طين من الشمالية قالوا رهيب، ونسینا موضوع المعاینة وغصنا في وحل ممتع,
وبي إحساس صحفي فطري سألتھم عن البدایات.
حكوا لي بي متعة شدیدة بدایات مختلفة..واحدة عن أكل الطباشیر في المدرسة،
وأخرى عن حب طعم الطوب الأحمر وريحة الأسمنت الرطب الجديد، وأدھشتني المسئولة عن المعاینة لما قالت إنھا
كانت بتاكل بركة الزیارات!!!!
حكت إنه جدتھا كانت بتزور الأضرحة، وتشیل حفنة تراب أو طين من مكان الولي وتختفظ بيهم في وعاء فخار كبير وهي بتاكل منه،و
قالت إنه البتجیبو جدتھا من زیارة الشیخ حسن ود حسونة هو الأطعم لأنها بتفضل التراب الجیري. دردشنا وضحكنا، وأدوني شوية طين من كم نوع.
سارت الأمور كویس في الأول، أما الختام كان مطین جداً بعد ما انتهت المعاينة.. إذ اتضح أن الراتب قلیل جداً ولا یكفي مواصلات للشھر حتى مش بنزين.
المهم..
شكرتھم واعتذرت بلطف
وودعتھم
ومشیت، وقلت بقلبي للبنات الظريفات..
أھو كسبت طینتكم
،
شنو حكایة أكل الطین عند نساء السودان..وحتى الأطفال الصغار؟
يا ربي ھل في رجال برضو من أكلة الطین؟
لكن الحالة الأنا شفتھا دي فیھا شراھة وإدمان وتوحش!!!
الكلام العلمي حبابو، والحدیث عن نقص الحدید وعناصر أخري، لعله ھو السبب،
ولو إني أحسنت الظن وقلت ده تعمیق للحس الوطني مع موضة تصدیر التراب الخصب أو الرمال، بدیھم كل العذر ، طيننا و أخیر ناكلو بدل ندیھو للغرباء.
،
بصراحة جربت حتة من الأھدوني لیه وكان طعمو ظریف وغريب وشهي، ومن وقتها بقيت حريفة ومحترفة، لدرجة إني بحلل بيه الصيام مع الموية والتمرة.
لحد ما اتزريت زرة حاارة وتبت توبة لي حبوبة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى