أمل الكردفاني - في مزايا دراسة القانون

كتب القانون أكتر من كتب الطب. منذ أولى وحتى رابعة كان أقل مقرر وهو كتاب واحد من خمسمائة صفحة هو كتاب قانون العمل. كتاب القانون الدولي كان جزئين كل كتاب قرابة ألف صفحة، وهكذا باقي المواد.. بمعنى أنك لكي تنتهي من كلية القانون يجب أن تكون قد أكملت قراءة آلاف الصفحات وربطت بين هذا وذاك.. بمعنى انك لو دخلت الكلية حمار فستتخرج منها بني آدم بالعافية.. لأنك لو استوعبت فقط خمساً وعشرين في المائة من كل المقررات لكفاك فهماً لما يحدث في العالم من حولك.
تعتبر دراسة القانون من الدراسات التي تمنحك علم متخصص إلى جانب ثقافة عامة ضخمة، لأن القانون ينظم كل مناحي الحياة، فللمهندسين قانون وللمباني التي يشيدونها قانون ولمن يستأجرونها أو يشترونها قانون ولمن يسمسرون فيها قانون وكذا للأطباء وخدم المنازل والعمال، والمزارعين، والصيادلة وسيارات الأجرة، وبائعي الطعام من جزارين ومطعمجية، وستات شاي.. الخ، وفي القانون الدولي العام ستعرف الكثير عن الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية والاتفاقيات الدولية..الخ. وبدراسة القانون ستعرف قوانين الشركات والتجارة والأعمال والبنوك، والإدارة والاقتصاد..الخ، وغير ذلك الكثير والكثير.. فإذا كانت العلوم كلها محصورة في شيء واحد، فالطب في جسد الانسان، والبيطرة في جسد الحيوان والهندسة في مبانيها ومكناتها وغير ذلك. فإن القانون هو أفضل ما يجمع بين التخصص والعلوم والمعارف الأخرى.
فكل دارس للقانون مثقف (بالرجالة) شاء ذلك أو أبى.
لذلك إذا كان هناك سياسي محنك، فيجب أن يكمل مهاراته بدراسة القانون.
وستجد أن أغلب وزراء العالم هم من خريجي القانون. وكذلك بعض الرؤساء كأوباما وغيره.
لكن على مستوى المال، فالقانون لا يحقق دخلاً كبيراً إلا بعد سنوات. فالتجارة أفضل منه كثيراً. أما مستقبلياً، فإن علوم الحاسب الآلى والذكاء الاصطناعي ستكون هي العلوم المطلوبة في سوق العمل أكثر من أي علوم أخرى. قد يفضي الذكاء الاصطناعي إلى إنهاء بعض الوظائف المتعلقة بالشؤون والأعمال القانونية البسيطة: ففي الغالب، ستصبح كتابة وصياغة العقود مسألة لا تحتاج لمحامٍ. ولقد رأينا أن العالم بدأ يميل للعقود النموذجية، وسيتم التوسع فيها بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وعلى ذات المستوى فالترجمة القانونية ستبدأ في الانكماش، لتحل محلها برمجيات ترجمة قوية تتجاوز المهارات البشرية. على مستوى المحاكم، وخاصة في القضايا الصغيرة الإيجازية، كالقضايا المرورية، سيحل الكمبيوتر محل القاضي، وربما نعتبر أن الرادار الذي يلتقط المخالفة المرورية ويحددها ويحدد الغرامة مجرد إشارة عابرة لما سيحدث مستقبلاً. ولكن هذا سيستدعي -بدوره- تطوير الدراسات والأبحاث القانونية، لتميل نحو الابحاث متعددة التخصصات وتتمكن من معالجة التطورات التكنولوجية المذهلة في تسارعها في العالم. فهناك جرائم ستظهر بقوة، كالجرائم الناتجة عن تكنولوجيا التزييف العميق، حيث يستطيع تطبيق صغير تزوير صورتك وصوتك، ويصنع فيديو لك، ويبدو كما لو كان حقيقياً، وهذا سيعرضنا جميعاً لخطر الاستخدام الإجرامي، مثل انشاء فيديو جنسي مزيف كما فعل البعض مع أحد القيادات السياسية في السودان. أو يجعلك تعترف بجريمة لم تقترفها..الخ، وهذا سيستدعي تطوير قوانين الإجراءات الجنائية حول العالم لتتكاتف وتتصدى لمثل هذه الجرائم الخطيرة، عبر التخلص من بعض القيود الإجرائية في الملاحقة والمحاكمة.
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى