أدب السجون علاء الوردي - الثائر بطريق الحرية

عندما كان في سن الطفولة، بقيً يراقب والدته حتى ترتدي العباءة، ثم يتابعها سرا ويخرج معها، هذه عادتهُ منذ الصغر، وفي لحظة تسابق مع القدر خرجت امهِ خلسة، حتى لا يعترضها في عتبة الدار... يمسك بعباءتها ويصرخ بأعلى صوته، مصحوب بعويل يريد الذهاب معها ...
- يمه لا تعرض بعتِبة الدار ،العرضة فال سيئ ...
- اريد الذهاب معك لا تتركيني ..
انا ذاهبة إلى جنازة خالك، وليدي يمكن اتأخر بالطريق ..
- لا ،اريد أن أذهب معكِ، لا تتركينِ يا امي هنا ..
_ يا ابني لا تأخرني لان الجنازة قريبة جدا واليوم الجو حار .
وبعد إلحاح، ذهب معها وهو يستمع إلى ذلك النشيج الحزين الذي يصل في بعض الأحيان إلى النحيب والعويل مع ضرب الوجه بكلتا اليدين ،من قبل النسوة الآتي تجمعن داخل سيارة الجنازة، هكذا كانوا الاطفال ينشدون الحزن منذ نعومة أظفارهم، لما يشاهدونه من احداث، لم تسكت والدته من البكاء أبداً، والى أن وصلوا إلى ذلك المكان المخيف والمصحوب بالهيبة والوقار، الذي يحمل بين ثناياه همس من لحظات الوداع... ولاحت في الأفق لمعان تلك القباب الذهبية التي تعكس ضوء الشمس اشعتها نحو السماء، وهي تنافس شدة نورها الساطع وسط الأفق... أمسكت الام بولدها وذهبت معه بأتجاه تلك القباب، وهو لا يعرف من هو صاحب هذه القبة الفخمة، التي تحمل قبسات نورانية ووشائج روحانية من نشيد الخلود، عند دخولهم المرقد اصاب الطفل حالة من الذعر والخوف، من شدة ازدحام الناس حول ذلك الضريح الذهبي، يسأل امه من صاحب المرقد يا امي...؟
هذا الشفيع لنا يوم المحشر، ثم أخذت برأس ولدها وضربته بالشباك الذهبي، يحاول أن يستفهم منها، وهي تتهجد بالدعاء ويدها فوق رأس ولدها، كأن الملائكة التي تحرس المكان وتحفظ الزوار انتفضت في لحظاتها حاملة الدعاء ...
بعد أن ارتطم راس الابن أكثر من مرة ظهر قليل من الدم، وهي تقول لله الحمد سوف يصبح ولدي دكتور...! لقد فتح الإمام رأسه فأعطاني البشارة ...!
مرت السنون والطفل أصبح طالب في كلية الطب مرحلة رابعة، وأدرك معانِ من الحياة والنضال السري، لكي ينقذ الناس الفقراء من شر الطغاة، وعلى حين غفلة من الزمن جاءوا رجال الليل والخسة أخذوه من الجامعة، وبعد التحقيق الصوري تم تحويله إلى محكمة الثورة...
وإذا بقاضي المحكمة يحكم عليه بالسجن المؤبد بعد تحقيق وتعذيب مستمر، واعترف بأشياء لم يفعلها ..!!
بعد انتظار قرار التميز ، ولفترة من الزمن في السجن،تم اتهامه بأنه كان يتواصل مع نظام معادي ضد السلطة..!! ويتعامل مع مخابرات دولة معادية... صدر عليه حكم الاعدام شنقاً حتى الموت،ارتقى حبل المشنقة وهو يصرخ الحمد لله، سأذهب شهيدا مع ذلك الإمام الطاهر الذي شق راسي في شباكهِ منذو الطفولة، وانا ساعي نحو الحرية ورفقة الثوار والأحرار والبشارة التي زودتني بها الملائكة...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى