أدب المناجم محمد الدويمي - من رواية "مينورْ شَرْبونْ"..

لا زلت أذكر ذاك اليوم جيدا..
غمرني ذاك الإحساس الذي يشعر به فقط من يلتحق بعمله أول مرة..
كلف الكابْرانْ أحد العمال باصطحابي..
أمرني بانتظاره في مكان حدده له..
أخذت مكاني جنبه ب"السّْكيبْ" استعدادا لرحلة الهبوط..
عند وصولنا إلى الباطن، احتواني الظلام والغبار...
كان مصباحي بالكاد يرسم بقعة مستديرة مضيئة على الأرض تظهر موقع أقدامي.
سرت خلف مرافقي وأنا خائف.
توقعت أن يبتلعني الصخر وأسجن فيه إلى الأبد.
راودني شيء من الاطمئنان والأنس حين شاهدت العمال الآخرين غير مبالين ومكترثين بما يحيط بهم...
كنت أختلس بين الحين والآخر نظرات عن يميني وشمالي محاولا اكتشاف ما يحجبه الظلام عني..
أسمع هدير المحركات المزعج دون أن أتبين مصدره..
حين يبتعد مرافقي، يشير لي بمصباحه أن أسرع الخطى وألحق به.
انبهرت من كثرة الأنفاق المتقاطعة.
الأنفاق هي شريان المنجم...
إنها بمثابة الطرق والشوارع بالنسبة للمدينة.
سرنا مسافات طويلة...
كنا نضطر للانحناء في بعض الممرات الضيقة.
إن الأنفاق عندما تتعرض لضغط الصخور، يتقلص حجمها.

محمد الدويمي..
من رواية "مينورْ شَرْبونْ"..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى