علي حسين - موراكامي يعود بعد "6" سنوات ليروي اسرار المدينة الغامضة

أصبح صدور رواية جديدة لهاروكي موراكامي حدثا ثقافيا لمعظم قراء الادب في العالم ، ومنهم قراء العربية الذين يتلاقفون كتبه . قبل ايام صدرت روايته الجديدة " "المدينة وأسوارها الغامضة" باللغة اليابانية ، وتأتي الرواية الجديدة بعد ست سنوات من صدور روايته "مقتل الكومنداتور" – ترجمتها الى العربية ميسرة عفيفي - والتي صدرت عام 2017 . في منتصف ليلة الثاني عشر من نيسان الحالي كانت طوابير الناس تزدحم امام المكتبات في انتظار الحصول على نسخ من الرواية الجديدة ، موراكامي البلغ من العمر " 74" عاما ابلغ الصحفيين انه بدأ كتابة روايته الجديدة في كانون الثاني 2020 وانتهى منها في كانون الأول 2022 ، وهي سنوات تداخلت فيها العديد من الأحداث من كورونا حتى حرب اوكرانيا . قال للصحفيين : "عندما أكتب رواية ، أعرف أن الوقت قد حان". قال انه بسبب فيروس كورونا ... نادراً ما كان يخرج من البيت ، حيث يقضي معظم وقته مع المكتبة :" كنت أميل إلى النظر إلى ذاتي الداخلية. ثم فكرت ، ربما حان الوقت لكتابة تلك القصة "
عشاق موراكامي الذين احتفلوا بصدور روايته الجديدة وسط مدينة طوكيو ، كان العديد منهم ينتظردوره للحصول على نسخة من الكتاب . سيدة كبيرة في السن كانت تقف في الطابور الطويل قالت لفرانس برس : " لا بد لي من محاربة إغراء قراءة الكتاب في العمل." فيما قال احد الشاب إنه يعتزم القراءة طوال الليل في مقهى مع أصدقائه. لقد قرأ القصتين السابقتين للمدينة المسورة وقال: "أتطلع حقًا لمعرفة كيف تنتهي هذه القصة بشكل مختلف."
يقول موراكامي ان قصصه ليست متشائمة: "على الرغم من العديد من الأشياء الغريبة والجانب المظلم ، فإن قصصي إيجابية بشكل أساسي". مضيفا : أنا الآن في منتصف السبعينيات من عمري ، ولا أعرف عدد الروايات الأخرى التي يمكنني كتابتها. لذلك شعرت بقوة أنه يجب أن أكتب هذه القصة بمودة ، وأن أقضي وقتًا طويلاً للقيام بذلك" ، لا يزال يؤمن بدرس معلمه كافكا من ان كتابة الرواية تتطلب الغوص في العمق .
قال احد الواقفين في طابور الانتظار : " أريد أن أقرأ الرواية بمجرد وصولي إلى المنزل. واضاف :" ورغم انني أرغب في تذوق كل جملة ، إلا أنني سألتهمها على الأرجح في جلسة واحدة"
عن تقدمه في السن قال :" لا يعني أن الشاب الذي كان لي من الماضي قد بلغ من العمر دون أن أدرك ذلك ، ما يدهشني هو ، كيف أصبح الناس من نفس الجيل الذي عشت فيه من كبار السن ، وكيف أصبحتْ كل الفتيات الجميلات اللواتي كنت أعرفهن أكبر سناً بما فيه الكفاية ليحصلن على زوجين من الأحفاد ، إنه أمر محبط بعض الشيء ، حزين ، حتى ، على الرغم من أنني لا أشعر بالحزن أبدًا لأنني لا أفكر بعمري ، بل أفكر بحياتي ".
كانت تجربتي في قراءة هاروكي موراكامي قد بدأت قبل ما يقارب الخمسة عشر عاما عندما عثرت على روايته " "كافكا على الشاطئ " - ترجمة ايمان رزق الله –، كنت اسمع باسمه لكنني لم اقترب من رواياته التي كانت تترجم آنذاك الى العربية ، لكني ما ان قرأت السطور الاولى من " كافكا على الشاطئ - جتى وجدتني منغمسا في عالمها الغريب ، عالم مليء بالحنين والبحث عن الوجود ، وغرائبية الاحداث ، سيريالية غير مألوفة لم اعهدها إلا مع كافكا ، يتلاعب بالقارئ ويحول الفانتازيا الى عالم قابل للتصديق ، كتابة سحرية هكذا يمكن ان اصف انطباعي الاول بعد الانتهاء من قراءة " كافكا على الشاطئ " .قال موراكامي ذات مرة : "عندما كنت أصغر سنا ، كنت أرغب في كتابة قصص مليئة بالإثارة ، لكن الآن بعد أن كبرت ، أشعر بميل أكثر لتصوير الحياة الداخلية للناس بهدوء".
من خلال رواياته التي بلغت " 15 " رواية وعدد من المجاميع القصصية يريد هوراكاي موراكامي ان يقدم لنا ابطالاً يعيشون على هامش الحياة ، نراه دائما يضجر من العمل ومثل مثله الاعلى فرانز كافكا ، حاول في معظم رواياته ان يخلط الوهم بالواقع ، حتى يصعب الفصل بينهما ، تزوج وهو شاب صغير ، وعمل في احدى المقاهي ، بطله اشبه بابطال المرحلة الوجودية ، هجر بلادة عشر سنوات ، ثم عاد اليها وعندما كان في الثامنة والعشرين من عمره كتب بالصدفة رواية " اسمع صوت أغنية الريح " استطاع ان يجد لها ناشراً بعد عام ، وكانت المفاجأة انها نالت استحسان القراء واهتمام النقاد : "كدت أكون روائيا من حيث لا أدري. بل ولم أكن أتصور أن رواياتي ستصبح رائجة عبر العالم. واليوم ما زلت أقول بكل الصدق أن هذا النجاج يصيبني بالذهول حقا. فالشيء الوحيد الذي أستطيع قوله أنني أحب كتابة الرواية أكثر من أي شيء آخر أحبه في حياتي. لكن النجاح ليس عندي هو الغايةّ "
يعشق موسيقى " البيتلز " واستعار من احدى اغنيات الفريق عنوان روايته الشهيرة "غابة نروجية" ، والتي يروي فيها حكايات الحب الحزين ، وقد ساهمت هذه الرواية التي باعت فور صدورها ستة ملايين نسخة ان تحوله الى نجم من نجوم المجتمع الياباني ، كتب " كافكا على الشاطيء " التي وضعته في مصاف الكتاب الكبار ، يقول انه يرى العالم اليوم أقل بساطة وأماناً وشباباً ويشكو الخواء واليأس. يسعى ابطاله الى سلام النفس، يكتب عنه النقاد انه استطاع ان يخترع مقاييس جديدة للرواية الحديثة .
ظلت الموسيقى تشكل تاثيرا كبيرا عليه ، واحيانا تصبح الموسيقى صاحبة البطولة الأولى في رواياته ، يفتتح روايته Q 84 1 بهذا المشهد : " كان مذياعُ سيارةالاجرة مضبوطا على بث لموسيقى كلاسيكية عبر اثير موجة اف ام . انها مقطوعة سينفونيتا لمؤلفها يانتشيك "
ابطاله ترافقهم الموسيقى اينما حلوا :" منحتها الموسيقى شعورا غريبا وموجعا .لم يصحبه اي الم او ضيق ، بل احساس بان جوارحها جميعا تعتصر . لم تكن اومامة تدري شيئا عما يجري .؟ أتكون هذه السيمفونية حقا هي ما يثير داخلي ذلك الشعور الغريب ؟ -رواية 1984 الكتاب الاول
منذ شبابه اعجب بكافكا ودستويفسكي وتشيخوف وديكنز وارويل . تخرج من الجامعة وبحث عن عمل بعيد عن الادب ، حيث افتتح مقهى حولها فيما بعد الى مسرح لعازفين هواة يقدمون من خلاله الموسيقى التي كان يعشقها موراكامي.
يعجب النقاد وخصوصا في الغرب من قدرة موراكامي على الجمع بين الحياة اليومية والواقع ، مع السحر والحكايات المستمدة من الاساطير مع اتقان لغوي وادبي يجعل القارئ يفكر مرة أخرى في كافكا ودستويفيسكي ، وهو يرد على علامات الاستفهام حول الاشياء الغربية الموجودة في معظم رواياته بالقول :" اتعجب حين يقول النقاد ان حكاياتي عن سقوط الأسماك والمرأة المشبعة بطريقة خارقة للطبيعة ليست واقعية، إنها واقعيتى فانا أحب غابرييل غارسيا ماركيز كثيراً، لكننى لا أعتقد أنه فكر بما كتبه كواقعية سحرية ، أسلوبى يشبه نظارتى ، من خلال تلك العدسات، يكون العالم منطقيًا بالنسبة لى".
يبدأ الكتابة كل يوم من الساعة الرابعة صباحا ويستمر لمدة ست ساعات، مما ينتج 10 صفحات فى اليوم، قبل أن يقوم بممارسة رياضة المشي، والسباحة :" "أعتقد أنى يجب أن أكون قويًا جسديًا من أجل كتابة أشياء قوية" ، يقول ردا على سؤال حول طريقته في الكتابة :" ابدأ دائما بمشهد واحد أو فكرة واحدة. عندما أكتب ، اترك هذا المشهد أو الفكرة تتقدم من تلقاء نفسها. واضاف لا احب الروايات التحليلية :" إذا حاول الروائي بناء قصة تحليلية ، فسوف تضيع حيوية القصة لان التعاطف بين الكاتب والقراء لن ينشأ " ويضيف انه في كل ما يكتبه يسعى الى تسليط الضوء على الزيف الذي تعيش فيه "نحن نعيش في عالم مزيف ، ونحن نراقب الأخبار المسائية المزورة. نحن نخوض حربًا زائفة. حكومتنا مزيفة. لكننا العثور على الواقع في هذا العالم المزيف امر مهم ، لذا فإن قصصنا هي التي تعيد لنا رسم الواقع ." قال لمحرر صحيفة الغارديان انه يفاجأ احيانا باشخاص يركضون ناحيته ويوقفونه في وسط الطريق وهم يقولون : "عفواً، ألست الروائي المشهور " وفي كل مره كان يرد قائلاً :" لا، أنا مجرد كاتب. لكن من الجميل أن ألتقى بك! "ثم يضيف عندما يوقفنى الناس هكذا، أشعر بغرابة كبيرة، لأننى مجرد "
يخبرنا أن قدراً كبيراً من الموضوعات المتكررة في كتبه هي من حياته هو ــ قططه، مطبخه، موسيقاه، و هواجسه. و استمراراً مع عملية الكتابة لديه :" إن حلم عمري أن أجلس في قعر بئر. و هو حلم يتحقق. كنت أفكر: إن من المسلّي أن تكتب رواية، و يمكنك أن تكون أي شيء! و أنا أستطيع أن أجلس في قعر بئر، في حالة عزلة ... شيء مدهش!" – من حوار ترجمه الراحل احمد فاضل ونشر في المدى -
في كل مرة تظهر فيها رواية جديدة من روايات هاروكي موراكامي تبدأ الصحافة في البحث عن خفايا الكاتب الذي يقول ان لا اسرار في حياته ، وان الكتابة بالنسبة اليه هي معنى الحياة :" لقد جعلت الكتابة من حياتي شيئا مميزا.عندما اكتب :أتحول لحظتها إلى سوبرمان. يمكنني القيام بكل ما أريده،أتخلص من الخوف، بحيث يسمح لي الخيال كي أخلق كل شيء.عندما أكتب،أصير قادرا على إنقاذ العالم.لكن ما إن أغادر مكتبي،أستعيد شخصيتي الأصلية.يمكنكم تصديقي :فأنا حقا الشخص الأكثر بساطة في العالم. انأ زوج طيب لا أصرخ وأحافظ باستمرار على هدوء أعصابي. فيما يتعلق بحياتي العادية،لاتأتيني أبدا أي فكرة يمكنها إثراء أدبي.حينما أمشي أو أطهو أو أذهب إلى البحر،أفرغ رأسي تماما ".
أعلى