عبد علي حسن - قصيدة النثر العراقية والحساسية الجديدة

ظهرت قصيدة النثر في البنية الثقافية العراقية في ستينيات القرن الماضي على نحو واضح ومؤثر ، ولم يشكّل ظهورها صدمة ثقافية في الوسط الثقافي العراقي بسبب من ظهور محاولات التجريب والتحديث في قصيدة التفعيلة وشيوعها في حركة الشعر العراقي أولاً ولظهور تجارب الجيل الأول من شعراء قصيدة النثر التي تبنّت مشروعها مجلة ( شعر ) اللبنانية التي نشرت نصوص روادها الاوائل ثانيا ، لذا فقد تمظهرت تجارب الشعراء العراقيين في قصيدة النثر عبر جماعة كركوك التي تمكنت من تجاوز محلية المدينة إلى الظهور اللافت للنظر لنصوص فاضل العزاوي وسركون بولص وجان دمو وسواهم ، وشكّلوا مايمكن تسميتهم بالجيل الثاني لقصيدة النثر العربية بعد شعراء مجلة ( شعر ) التي اهتمت بتجارب العزاوي وسركون وصلاح فائق ونشرت نصوصهم التي شاعت في العديد من البلدان العربية ، لذا لايمكن التغافل عن وجود تأثير لكتاب قصيدة النثر العراقية في التجارب اللاحقة لكتاب قصيدة النثر العربية ، واحرزت تجاربهم مكانة مهمة في حركية قصيدة النثر العربية ، فضلاً عن التأثير الذي أحدثته هذه الجماعة على الجيل القريب منها وهو جيل السبعينيات الذي عانىٰ من اتهامات الجيل الستيني بتبعية منجزهم الشعري لتجارب الستينين ، وأزاء ذلك فقد اجتهد شعراء السبعينيات في تقديم تجارب من الممكن تلمس اثر كتاب قصيدة النثر الستينية عليها ، كما امتد هذا التأثير إلى الجيل اللاحق الثمانيني الذي أفرز مجموعة مهمة من كتاب قصيدة النثر وما أن حلت التسعينيات من القرن الماضي حنىٰ ظهرت قصيدة النثر العراقية بمظهر الجدّة والفاعلية والإتساع ، ويلاحظ أن كل الذين كتبوا قصيدة النثر العراقية قد دخلوا من منطقة الشعر فانسحبت تقاليد قصيدة التفعيلة التي ابتدأ مشوارهم الشعري منها وظهر تأثيرها الايقاعي منها بشكل خاص وشيوع بنية الانقطاع ونظام التسطير في جميع ما أنجزوه من قصائد نثر ، وبذلك فقد خرجوا من المنطقة والقواعد التي توصلت اليها سوزان برنار لكتابة قصيدة النثر ومنها نظام الفقرة والمجانية والتعبير الحر وتفجير طاقة النثر ليصل إلى مستوى الشعر ، كما أن شيوع وانتشار قصيدة النثر وتبني الصحافة الأدبية تجارب الشعراء قد حدا بعدد من الشعراء الشباب الذين وجدوا في مايعتمل في المشهد الشعري العراقي مايهدد هيبة ومكانة الشعر العربي الذي قام على نظام العمود الشعري فقدموا مشروعهم بما عرف ب(قصيدة الشعر) مقابل ( قصيدة النثر ) في تسعينيات القرن الماضي وأصدروا كتاباً ينظر لتجربتهم هذه كما قدموا مهرجانات طرحوا عبرها مشروعهم هذا الذي لم يكتب له تلك الفاعلية التي راهنوا عليها بسبب -كما نراه - يتعلق بقواعد التجديد والتحديث إذ تناسوا أن الفيصل في أية عملية تحديثية أو تجديدية إنما تقع في الشكل الجديد الذي يستدعيه المتحول والصيرورة في الرؤية الفكرية والفنية وهو مالم تتمكن قصيدتهم هذه من تخليقها ، وبذلك لم يتمكن مشروعهم هذا من أحداث الحساسية الجديدة كما أحدثته قصيدة النثر التي استمرت في صيرورتها المتتابعة والمتلاحفة حتى وقتنا الراهن علىٰ الرغم من عدم اكتمال ونضج عدد كبير من التجارب المطروحة بفعل ما تعانيه من بعض الأمراض منها على نحو مؤثر في قيمتها الفكرية والفنية كإغارتها على السرد المسهب واقتراب أكثرها من بنائية الخاطرة الجديدة وشيوع ٱليات وتقنيات فنون القول الشعرية ، ولعل ماينشر في وسائل الاتصال الإلكترونية المعاصرة يعاني من الأمراض التي أشرنا إلىٰ بعضها مما يستدعي عدم استسهال النشر وتوفير مبدأ المسؤولية الفنية ووضوح الأهداف الفكرية وبضمنها توفير الرؤية بملامح تشير إلى قصيدة نثر مؤثرة حاليا وعلى نحو مستقبلي .

عبد علي حسن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى