مديح الصادق - من أخطاء الكتابة، إهمال علامات الترقيم

بما أن الكتابة- بكل أشكالها، وأغراضها- صارت حقّا مُيسَّراً لكل من يرومها، بغض النظر عن مستوى إلمامه بقواعد اللغة العربية، أو أصول الكتابة فيها؛ فإنه لَمِن الطبيعي أن تتكرر الأخطاء؛ بل تتضاعف في حال انعدام الرقيب، أو المُقوِّم، وليس غريبا أن نطالع كل يوم نصوصا قد تخرج عمَّا وضعت له من غايات بسبب تلك الأخطاء، وما دفعنا للكتابة عن أهمية علامات الترقيم سوى قلقنا- ومعنا كثيرون- من نصوص لا يُعرف أولها من آخرها، استفهامها من تعجبها، إلى غير ذلك؛ لهذا نضع هذه الملاحظات بين أيدي زملائنا، وأصدقائنا؛ علَّها تساعدهم في إخراج نصوص تصل المتلقي باكتمال كل جوانب كتابتها، ومنها علامات الترقيم.
علامات الترقيم في اللغة العربية هي علامات اصطلاحية توضع بين الجمل، وفي نهايتها، وفي نهاية المقاطع، في بداية الكلام أو خلاله؛ كي تعين الكاتب على تقديم صورة جلية للأفكار التي يتناولها في الموضوع الذي يكتب فيه، وتساعد القارئ على فهم ذلك النص دون أن يقع في حيرة التباس المعاني، واختلاطها، فهي تُعِّين مواضع الفصل والوصل، والوقف، والابتداء، وطبيعة نبرات الصوت أثناء القراءة بحيث توضح المعنى الذي قصده الكاتب، وفيما يلي عرض لكل منها مع إيضاح لإغراضها
أولا- الفاصلة ( ، ) : ويُحسَن عندها وقوف المتحدث أو القارئ وقفة قصيرة بدون تنفس، أما مواَضعها فهي:
أ- بين الجمل القصيرة المعطوفة على بعضها، وإن اختلفت في المعنى نحو: في العلم تزدهر الشعوب، وفي الفنون غذاء النفوس، والمجالس مدارس، وخير الناس من اقتدى بالحكماء.
ب- بين المفردات المعطوفة في حال التقسيم أو التنويع، نحو: في السنة أربعة فصول: شتاء، وربيع، وصيف، وخريف.
ج- بعد المنادى في أسلوب النداء، نحو: يا زيدُ، ألم يصلك مني جواب؟
د- بين المفردات المعطوفة التي يرتبط بها ما يطيل الكلام، كالنعت مثلا، نحو: احذر جاهلا زاد على جهله خبثا، وأحمق لا يقتدي بحليم، ومنافقا يهز ردفيه لكل إيقاع.
ه- بين جملة القسم وجوابه إذا طالت جملة القسم، نحو: أقسم بالله العظيم الذي لا حدود لسلطانه، لأبتعدنَّ عن أصحاب السوء.
و- بين جملة الشرط وجوابه إذا طالت جملة الشرط، نحو: مَن ينصر الحق بلا خشية من باطل، فهو الإنسان بكل معانيه.
ز- في حال التركيز على ألفاظ البدل التي لها أهمية، نحو: شهدالعام الحالي، 2020 ميلادي، كوارث جسيمة.
ح- قبل الجملة التي تكون صفة أو حالا أو ظرفا لما قبلها، وفي الأولى بعض الطول، نحو: استقبلتُ صديقي الذي فارقته مذ زمن طويل، وكانت عيناه دامعتين.قرأتُ على أحد المواقع قصيدة لشاعرة مبدعة، تجيد سبك العبارات.
ط - قبل وبعد الجمل الاعتراضية، نحو: اعتمد أئمة اللغة العربية، وهم يضعون قواعدها، القرآن والشعر القديم مصدرين أساسيين لها.
ثانيا- الفاصلة المنقوطة ( ؛ ) : ويُحسَن عندها الوقف وقفا كافيا يمكن خلاله التنفس للقارئ أو المتحدث، وتكتب في المواضع لتالية:
أ- بين جملتين تربطهما علاقة سببية، نحو: لقد استفحلت أنظمة الدكتاتورية في العام العربي؛ فانفجر بركان ثورات الجماهير.
ب- إذا اشتركت الجمل المعطوفة في غرض واحد، نحو: اللغة أداة الكاتب؛ وهي وسيلته في التعبير عن أفكاره.
ج- في حال الاستدراك أو الإضراب، نحو:الصبر من شيم الشجعان؛ لكنَّ للصبر حدودا.
الديمقراطية ليست فضلا من حاكم على شعبه؛ بل هي حق الشعوب على حكامها.
ثالثا- علامة الوقف ( . ) وعندها يسكت المتحدث أو القارئ سكوتا كاملا، وموضعها في نهاية الجمل المستقلة عما بعدها في المعنى والإعراب، نحو:قدم شعب العراق أفواج الشهداء، وخلفت الحروب آلاف الجرحى والمعوقين.تحيط العراق دول أنظمتها تنظر بأعين الطمع إلى ما يملك من ثروات طبيعية وبشرية.
رابعا - علامة الاستفهام ( ؟ ): وتوضع في نهاية الجمل الاستفهامية سواء أكانت مذكورة أداة الاستفهام أم مقدرة، نحو:
متى يستقيم الظل والعود أعوج؟
تعتقدُ أنَّ الرأسمالية ستنهار حتما؟
ولا توضع علامة الاستفهام حين يكون الاستفهام معلقا، نحو: لم أكن أدري لماذا ناجى الشعراء البدر والنجوم والأطلال
خامسا - علامة التعجب أو الانفعال ( ! ) : وتوضع في نهاية الجمل التي يُفهم منها دلالة القول على تهيج أو انفعال قائلها، نحو:
ما أجمل أن يلتقي الأحبة!
أكرِم بزيد !
وا عراقاه! أيحكمك اللصوص والمارقون؟
حذارِ من صحبة الغادرين!
وفي أسلوب الإغراء أيضا.
سادسا - علامة التنصيص ( " " ) وتستعمل لحصر النصوص المنقولة من مصدر آخر نصا بدون تغيير أو إضافة، نحو:
قال عيسى بن عمرو النحوي: " مالكم تكأكأتم عليَّ كتكأكئكم على ذِي جِنَّة؟ افرنقعوا عني "
وتستوي في ذلك النصوص المنقولة نثرا كانت أم شعرا.
سابعا - النقطتان { : } : وتوضع بعد القول أو التقسيم أو التفصيل، نحو:
حدَّثنا الأستاذ قائلا: الصدق سلاح الشجعان، والكذب وسيلة الجبناء.
الفعل ثلاثة أقسام: ماض، ومضارع، وأمر.
علامة رفع جمع المذكر السالم هي الواو، مثل: المبدعون هم صوت الجماهير.
ثامنا- الشرطة ( - ) : وتوضع بجانب الأعداد، أو أسمائها، أو حروف التسلسل كما ورد في مقالنا هذا
تاسعا- علامة الاعتراض ( - .. - ) وهي شرطتان توضعان في بداية وفي نهاية الجمل الاعتراضية أو التفسيرية، كقول الشاعر:
إنَّ الثمانينَ- وبلغتُها- أحوجت سمعي إلى ترجمان.
نحن- العراقيين- ما صبَرْنا على ظلم وظالم.
تاسعا- القوسان الكبيران ( ): ويستعملان لحصر مصطلح علمي، أو اسم أعجمي، أو لتفسير مفردة أو جملة، نحو: قرأت روايات الكاتب العالمي (تولستوي) جميعها.أحب أكلة الكسكسي (وهي وجبة طعام شائعة في المغرب العربي) كثيرا.
عاشرا - علامة الحذف ( ... ) وهي ثلاث نقاط متتالية تدل على أن هناك كلاما محذوفا، إما لكونه غير لائق، او للاختصار، نحو:
قال أبو هلال العسكري في كتابه، الصناعتين: " الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد... لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له... "
قد تكون في بداية الكلام، أو وسطه، أو نهايتة.
حادي عشر - القوسان المُزَهَّران { }: لقد اعتاد كثير من الكتاب على حصر النصوص القرآنية بين علامتي التنصيص، أو بين قوسين كبيرين ما يدعو إلى اللبس، واختلاط النص القرآني بغيره من النصوص المقتبسة؛ لذا أرى أن تكون الأقواس المُزهَّرة علامات تمييز تفيد الكاتب والقارئ على حد سواء، وتُبعد الشبهات عند التعامل مع النصوص.
هذا ما تمكنَّا من أن نضعه بين أيدي زميلاتنا وزملائنا الكتاب والقراء الكرام؛ لعلَّنا قد أصبنا بعضا مما سبقنا إليه أعلام نذروا أنفسهم، وبذلوا ما كان بوسعهم؛ كي يسلمونا أمانة تفرض علينا حفظها، فهي أداتنا في التعبير عما يجول فينا من أفكار، وما يقض مضاجعنا من هموم، وبورك الأستاذ والطالب؛ فكلاهما خازن علم، أمين.



بقلم مديح الصادق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى