عبدالله عبدالإله باسلامه - أحلام متوحشة.

(مؤامرة .. والله مؤامرة .. احنا بنموت يا خواتي.. احنا بنموت....)

أفزعني صراخها، وعبراتها المختنقة، واستغاثتها المرعبة ومع اختفاء صورتها، بقى ضجيج أصوات مختلطة، تلاه صمت إلا من زحرات أنفاسها المتقطعة.

كنت قد تعرفت على عشتار، وبلقيس، وحياة، ولبنى، وسعاد وأخريات عبر وسائل التواصل، ضمن مجموعة صغيرة سميناها مجموعة (الأخوات العربيات)جمعت بيننا هواية البستنة، ونبات الزينة، وحب الطبخ، وأخبار الموضة... وبتواصلنا اليومي تمتنت علاقتنا فنحن نتشارك الأذواق والاهتمامات، ونتشابه في المسؤوليات، ومشقة وهموم المعيشة، كما نتشارك حلما واحدا وهو أن نصبح مثل أختنا (أحلام)، رغم يقيننا باستحالة ذلك إلا أن لسان حالنا يقول "جالس السعيد تسعد" برؤية ابتسامتها الدائمة، ولهجهتها الخليجية المحببة، وضحكتها التي لا تتوقف، وإطلالتها علينا بأفخر الملابس، وإتحافنا بامتلاك أجمل المقتنيات، وأحدث الهواتف، وأدوات التجميل...الأهم والأغرب من ذلك أحلامها التي تتحقق بسهولة، وبصورة باتت ترعبنا!

مثل عقد الماس الذي عرضته أحد دور المجوهرات العالمية، والذي تمنت أحلام اقتنائه، لنتفجأ ذات مساء باثنتين من أخواتنا في المجموعة ينقطع تواصلهن معنا بسبب نشوب حرب مفاجئة في بلدهن؛ دهمنا الحزن والألم؛ أخذنا نلهج بالدعاء، والتضرع... ووسط الجو المشحون بالقلق والترقب أطلت علينا أحلام تسبقها ضحكتها الرنانة وهي تقلب العقد الماسي بين يديها، وتضعه بخيلاء على جيدها.

ظل حديث المجموعة يدور حول العقد النادر، الذي تستعرضه وتتباهى به أمامنا في مناسباتها، التي تصحبنا بكاميرتها في كل مكان تذهب إليه، حتى عرجت ذات يوم على أحد معارض السيارات الفارهة، وعند سيارة وردية اللون تخلب الألباب، أخذت تدور حولها، تتلمس بدنها المعدني، وتتحسس بشغف مقاعدها الجلدية، وتضم إليها عجلة القيادة بشغف.

كان حلمها في امتلاك السيارة، وشكلها الجميل، ولونها الفريد، وثمنها الخيالي، وغيرها من مواضيع تحيل الدردشة إلى متعة لولا صديقتنا بلقيس التي بدأت تبثنا همومها بعد بيع قلادتها الوحيدة، ثم مخاوفها من تأزم الحياة السياسية في بلدها، مع تدهور الحالة الاقتصادية، والأمنية.
ودون أن تفقد ابتسامتها أطلت علينا أحلام تشكو تعقيدات إجراءات البنك التي حالت بينها وبين السيارة، وفجأة تشوشت صورة بلقيس، ولثوان سمعنا صراخ يمزق نياط القلب:
- احنا بنموت يا خواتي ..احنا بنموت ..

أخذنا نتضرع إلى الله، وقد أصابنا التبلد والخوف، ننتظر بقلق وأسى، ونحاول التواصل معها دون جدوى، لنتفاجأ بزغرودة أحلام الحادة والطويلة، وصورتها وهي ترقص :
- باركوا لي يا بنات اشتريت السيارة.

وكعادتها استطاعت أن تأخذنا معها في سيارتها الوردية الجميلة التي تتجول بها، وعن طموحها في امتلاك شاطئ على مد البصر، ويختا بحريا عرضت علينا صوره وهو واقف يلمع تحت الشمس الساطعة، يتهادى وسط زرقة البحر، وراحت تخوض بساقيها في المياه الفيروزية، وتدس قدميها بين رمال الشاطئ البيضاء الدافئة.
كان حلمها الغريب والجنوني قد استحوذ على اهتمامي فلم أنتبه وأنا واقفة على شرفتي المطلة على الشارع العريض ذات مغيب وصول رتلا من العسكر مع مجموعة من المسلحين الملثمين، اتخذت كل مجموعة جانبا من الشارع، ليدوي انفجار تداعى له البيت، وتساقط الأثاث، بالكاد انزويت في مكان ما ارتعد من الخوف، غير مصدقة أننا نغرق في أتون حرب غريبة، تدور بين أطراف مجهولة، ودون سبب مقنع، لا شيء واضح فيها غير بشاعة صور الموت والفقر، ومرارة ذل الهجرة والقهر، ثم توقفت الحرب فجأة كما نشبت!

وبعودة خطوط الإتصال أسرعت بالتواصل مع مع أخواتي، كان لدي الكثير من التساؤلات، كان علي أن أتحرك، أن أتأكد، أن أضع حدا لما يحدث لكني تفاجأت بعدم وجود أحد في المجموعة غير أحلام !

عبدالله عبدالإله باسلامه.
اليمن / ذمار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى