جمال عثمان همد - بعض من تيه الجسد شئ من ارتجاج الروح

نرميه فى البحر ..!! انكسر الصمت سقط حجر فى عمق تفكيرهم الراكد ، المتبلد تدورت موجة ، سرعان ما لاحقتها اخوتها.. هدأت نفوسهم التى انجرحت تشبثت بالفكرة اصبح بالامكان مناقشة الاقتراح المهين مع انه وفى زوايا اخرى من نفوسهم كان يتبلور سؤال ملح عن معنى الحياة.. معنى الرحلة العبثية حملتهم مآالمحروقة واتجهت مباشرة الى الجسد المسجى.

لا .. لا ..

لكنه سيتعفن

يمكن ان يصمت يوماً اخر حتى ..

ابو دقن ماذا ترى.. افتى؟؟

أكرام الميت دفنه

ثم غمغم .. تلى ذلك صمت خلوى ران على المركب المتجه صوب الساحل الشرقى للبحر الاحمر وعلى ظهره بضع وعشرون رجلاً وجثة لم تبرد بعد.

نظر الربان المدبوغ الوجه الى رفيقه بعينه الحادتين فأحس الجميع بالمكر ..بادر اصغرهم سناً وبحدة لا تتوافق مع ملرحه المعتاد:

سيمنع هذا الأجاج تعفن الجثة حتى جزيرة ميدى.

ضبط محمود بصره وهو يحوم حول الجثة المسجاة فى زاوية المركب اشاح بعيداً فى الازورد المتلاطم.. صفعه الأ العارى.. صعدت احشاؤه الى حلقه افرغ معدته.. عيون مطفاة .. صماء تحدق بتحجر فى فراغ المركب تتامل فراغها الداخلى .. اغمض عينيه ضغطهما داخل محجريهما بغية افراغ المشهد يا رب الفرج .. يارب.

احتوته السماء الصافية ، فاض برجاء لا حدود له .

“كأنه اودعنا اسرار وامال عمر يرحل من يعيل ؟ هل.. و ..

ارتدت اليه اجابات غامضة من العباب الذى يمخر المركب.

اربعة اشهر ماذا .. لو

“مصوع ” تذهب بعيداً باتجاه المغيب البحر انشطة تضيق كلما اتسعت بصيرته وامتدت الرحلة خوف يتسرب من ممكن خفى ..يتغلغل فى الاطراف ينحشر بين اللثة والاسنان.

جزيرة ميدى امنية تتوقف عليها الحياة !!، لهدأت الليل البحرى رائحة غامضة اختزنتها ذاكرته.. رائحة هى مزيج من هواء البحر..والاسماك.. رائحة مدينة رحل عنها اصحابها ..رائحة الليل البحرى رغم التباسها لا تثير الفزع ولا تطمئن من روع اية متعة تلك التى كانت تمتد فيه وهو يقرأ او يوازر الروسى او ذلك الشيخ الهمنغواى العنيد بهجة تلك الرائحة التى كانت تنفذ من زورا فى مجادلاته الليلية. اطلق عينيه فى غياهب الظلمة الكثيفة هرش مقدمة شعره يبحث عن مكان يلتجئ اليه.. ذاكرته يتوغل فيها الليل يلامس لحمها الطلرى يعبث بسنوانتها.. يرج بحيرتها الراكدة.. تتطاير كالقطن المندوف ، تحلق بعيداً تتجمع كأسراب طيور خريفية ططط طا..ططا..ططططا..طط.

الجمل المعافى يدور ببطء حول المحور الضخم للمعصرة ، وبرغاء كظيم يستجيب لأنين الاخشاب . طراخ..خ خ خ خ .ا خ خ

التجانى ، بكرشه المندلقة ، وصدره العارى يفرقع سوطه فى الهواء .. يهرب وسط اترابه وهم يتصايحون.. جلبتهم توقظ عم سعد الجبلى من غفوته الضحوية من على كرسيه الخشبى الكبير يشيعهم بعينين منتفختين ويعود الى اغفاءته مغمغما.

ططط ، ط ،ط

المركب يبحر باتجاه الشرق فى غفلة من العالم النائم جبال تتشكل تسير قليلاً وتصبح سراباً كانهمار الامال جبال ظزبد .. الرائحة تتكاثف اكثر .. البحر الاحمر بدأ ابيض ثم تدرج .. اصبح كحلياً داكنا ليصبح اسود .. الرائحة تزداد كثافة.


اية رائحة تلك ؟؟

قفزت الى ذهنه مرة ثانية رائحة الخيش المشبع برائحة السمك .. والطحالب والأشنيات، الرطوبة المتصاعدة والحشائش الصغيرة فى البنيات المهجورة.. رائحة الكاكى بعد المطر حول دفاعات المقاتلين..تفتح الحياة استمرارها.. النهار ليس بطيئاً لكن الليل ليس طويلاً.. وفى الليل معارك اخرى.

المنطقة تشهد نهوضاً ثورياً..الشعوب ادركت معركتها الحقيقية ومواجهة بحرب شرسة من قبل الدوائر الراسمالية وربيباته فى المنطقة.

حق تقرير المصير ليس مفهوماً مطلقاً وحوار لكسمبورغ مع ..امن البحر الاحمر مرتبط بأمن الثورة فى المنطقة.

حزبان ماركسيان فى مكان واحد وبان معا يعتبر احدهم انتهازياً ولمصلحة الثوريين وتطورهما.. الرفيق منقى فى خطابه الاخير امام المركزية دولة العمال والفلاحين..

توقف لهاث الرجل.. استقر شنبه الكث فوق شفتيه مسح رغوة البيرة .. مد انامله الناعمة لعلبة المالبورو وازاحها جانباً.. استوقفته انثوية انامله وهى ترتجف برقة اثناء اشعال اللفافة. كان يستخدم عينيه بطريقة فذة ومثيرة للاستفزاز.. كلماته تخرج من بين شفتيه واسنانه الصفراء لزجة، باردة.

لكم تتحمل هذه المقاعد كأنه يسمع انين الطاولات تحت وطأة الاذرع القوية وحياكة المؤمرات الصغيرة والمفردات الملتهبة..

– ابو جورج : ابو جورج يتحرك بخفة لا تناسب ما ينوء به كاهله من سنين مسح الموائد التى يحركها ابو جورج بفواتيره زطلباته.. الدخان يحوم على المكان.. تتقاطع الأيادى.. يتراشقون.. ابو جورج دائماً معهم كان يفك الاشتباكات الصغيرة .. هم دائماً نفس الرواد.. فى مقهى ام نبيل البيروتى.


انساك دة كلام

انساك يا سلام.. اهو ده المش ممكن ابداً..

الأيدى تشتبك.. يتم الفك.. يتلاطم الدخان..

ام كلثوم

تبث احزانها.. تفتت اكبادهم، الوجه يزداد اصفراراً.. يتطاول.. الاسنان تطل مدببة خضراء .. تتطاول الأنياب.

ام كلثوم تصدح .. يتجاوبون بأهات عاشورية تصب الكؤوس تطفى بعض احزانهم لا بد لهذه الامة ان تأخذ درساً فى التخريب تضج القاعة بالتصفيق.. والشاعر الثمل يلتقط انفاسه ويعبئ كأساً اخر..

غليان الدم يزداد ويتدافع بين فوضيه.. الرجل يرغى ويزبد..

تنمو قوة جهنمية فى ذراعه التى ظلت مستريحة الطاولة ترتفع قليلاً.. قليلاً.. تبتعد دقات قلبه.. يحس بصدره عارياً الا من القوة الخارقة التى تحرك ذراعه..

ابو جورج يهزه بعنف وهو يمسك ذراعه..

انتبه الى كفه المعلقة فى الهواء وقد ماتت فيها القوة وصلنا

وصلنا.. وهجم عليه.. احتضنه الفتى بقوة وهو يجهش بنحيب حاد.

خطأ صغير ممكن ان يحطم حياة كاملة ويسفح امنيات على قارعة هذه الصحراء التى تبدو ساكنة اساخ السمع.

( عواء الذئاب يعنى ان بالقرب بشر )

الكثافة المصمتة تحيط بالمكان ، وبالرجال الذين ينزلون بحزر من المركب الراسى.. سار بضعة خطوات والتفت التمعت عيناه فى الظلمة الفضة المتموجة.

فى هدأت الغسق الاول لامست قدماه البحر العارى ، سرت اللذة وئيدة قاسية وزاخرة باليقين يقين وجوده الان.

صرخة مكتومة متوحشة متقطعة.. انتهره القطبان.. تجلت امامه كل مباهج الحياة وفتنتها.. تدافعت الامنيات.. تلوث وجرت كثعبان امامه مخترقة الصمت الذى يربض امامه.

احتضنت كفة الثلاثينية المبنى كف الصبى الغض وفى الغش المبدد والمتلاشى دخلا الليل وهو يلفظ انفاسه الاخيرة تحت اقدام البحر.

هامش او فى حكم المتن فى مبنى القصة انه وفى الشهر السادس لرحيله صوب البحر كانت صحيفة يومية تحمل فى احدى صفحاتها المهملة الأعلان التالى:

اعلان محكمة

محكمة.. الشرعية

النمرة 27 ق 1997م

الى محمود..

لقد اصدرت هذه المحكمة حكمها الغيابى الاتى نصه ، فى مواجهة تلك المصالح المدعية زهراء……ولك الحق فى المعارضة والاستئناف خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ نشر هذا الاعلان.

الحكم:

حكمت غيابياً للمدعية زهراء … على المدعى عليه محمود .. الغائب عن المجلس بتطليقها منه طلاقاً بائناً للغيبة وخوف الفتنة مسنداً لتاريخ 1997م وامرتها باحصاء العدة..

قاضى محكمة… الشرعية

دائرة شؤون الأسرة الأول.



هوامش:

- جزيرة ميدى: جزيرة صغيرة على البحر الأحمر يلتجئ اليها البحارة والمهربين
- مصوع : الميناء الاول فى ارتريا
- الاشارة الى بطل حنا مينا وهمنغواى
- الجبلى: اسم يطلق على كل يمنى فى ارتريا
- منقى: تصغير لمنقستو هيلى ماريام دكتاتور اثيوبيا السابق
- الاشارة الى قصيدة لمظفر النواب مأثورة ارترية.

* منقولة من صحيفة الاضواء ” الاثنين 1 مارس 2004م)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى