سي حاميد اليوسفي - أرض الله الواسعة.. قصة قصيرة

مات والدك منذ سنتين. لم يترك لك شيئا. أمك اضطرت للزواج من رجل غريب. لفظتك المدرسة، لأنك لم تعد قادرا على تحمل إهانات المعلم والمدير وعقابهما في كل مرة أخللت بالاحترام اللازم لزملائك.
العربي زوج أمك ولد الكلب يصرخ في وجهها، وعلى مسمع منك، بأنه غير ملزم بتوفير المبيت والطعام لك. أنت أصبحت رجلا، وعليك أن تعمل لتأكل وتنام وتلبس. سمعت الكبار يقولون بأن أرض الله واسعة، والانسان لا يموت من الجوع.
نم تحت النجوم في هذا الفضاء الواسع. اختر أي ركن شئت، وافترش قطعة من الكارطون. تمدد وتوسد نعلك، أو حذاءك. يجب أن تبقى حذرا. تغمض عينا، وتفتح أخرى مثل الذئب. يد تحرس مؤخرتك، ويد على السكين، أو يجب أن تحتفظ بشفرة الحلاقة بين أصابعك.
المبيت في أرض الله الواسعة، ليس مثل المبيت في المنزل. يمكن أن تنام في البيت نصف ميت قبل أن يوقظك صراخ العربي. في أرض الله الواسعة أنت تحظى بربع نومة، وقد يفسدها عليك متشرد مخمور، يستيقظ بداخله حيوان يريد أن يمارس الجنس حتى على الحجر. تمزق صفحة وجهه بشفرة الحلاقة وتهرب. يصرخ ويشتمك ويترنح. أرض الله واسعة. تختار مكانا آخر بعيدا عن موقع الحادث، وهو سيلعق جرحه. وجه النحس لو تخيل حيوانه صورة امرأة عارية وبدينة كما يشتهيها، لما وقع له ما وقع.
عندما توقظك شمس الصباح، وضجيج المارة، عليك أن تجد شيئا تأكله. تتحسس جيبك، تجده أفرغ من فؤاد أم موسى. سيشتد عليك الجوع في منتصف النهار منذ يومين لم تأكل كما يجب. ستحس بالدوار ثم القيء. أنهكك التعب، وأخذتك نصف نومة، فسرقوا صندوق السجائر من تحت ذراعك ولم تشعر.
رمقت لصا في سنك، وهو يسرق حقيبة نقود ذلك العجوز الذي كان يسير وسط الزحام في الممر الضيق الخاص بالسمك. تخيلت أمك تشرمل السمك، وتناديك:
ـ حسن تعال خذ لاطة السردين إلى الفرن!
رائحة التوابل والقزبر والمعدنوس تصعد إلى أنفك. بعد ساعة تناديك مرة أخرى:
ـ حسن خد نقود صاحب الفرن، وضع هذا الثوب تحث اللاطة، واحذر أن تحرقك، وتسقط في التراب، ويأكلك العربي!
وأنت قادم تشعر بأمعائك تكاد تهمس في أذنك أن تمد يدك لشركة سردين، وقطعة بطاطس. تتذوقها فتحرق لسانك، ومقدمة شفتيك. تفتح فمك، وتنفخ قليلا من الريح لتبرد المضغة.
ضجرت من أكل السردين. في فصل الصيف كل الجيران يأكلون السردين. رائحة أمعاء ورؤوس سمك السردين كريهة تثير التقزز والقيء. تمزق القطط أكياس القمامة، وتأكل حتى تشبع، ثم تلعب بالباقي بعد أن يلوثه لهيب شمس الصيف.
تذكرت يوم دخلت مرشحة الحزب الحاكم إلى الحي أثناء الحملة الانتخابية في عز الصيف. وعدت السكان بأنهم إذا صوتوا عليها ستقترح على البلدية اقتناء مبيد لمواجهة الذباب، ومعطر لطرد رائحة السردين الكريهة. المسكينة لم تكد تنهي كلامها حتى تقيأت على ثيابها. كادت أمعاؤها تخرج من فمها. كم ضحك عليها السكان، وهم يفخرون بأن أمعاءهم من حديد قادرة على هضم الحجر، ولا تهتم لرائحة قمامة السردين، فبعضهم عندما يشتد به الجوع يقتات منها.
كدت تنسى الطفل اللص. لقد انعرج، وسار في اتجاه هامش السوق. عليك أن تسرع لتدركه قبل أن يبلعه أحد الممرات، ويضيع منك.
رأيته يقدم الحقيبة لرجل أعرج، ويعود أدراجه. سرت بمحاذاته إلى السوق. هذه المرة لم تسلم الجرة. انكشف وكاد الضحية يقبض عليه. طلبت منه أن يرمي الحقيبة، وأشهرت السكين. أنقذته. تراجعتما إلى الخلف ثم هربتما معا.
هكذا بدأت حكايتك مع النشل والسرقة، حتى أصبحت تطير من المقلاة. لا بد أن تسرق، أو تبيع السجائر بالتقسيط، أو تمسح الأحذية، وأن تتشاجر، وتحمي نفسك بالسكين، أو شفرة الحلاقة لتأكل وتشرب وتدخن وتلبس.
كلما ضاقت بك أرض الله الواسعة، واشتد عليك الجوع، تشهر السكين في وجه أول منحوس تصادفه، وتحمي نفسك من المارة حتى تتدخل الشرطة وتعتقلك.
سمعت زبونا في المقهى يقرأ خبرا في الجريدة، ويتهكم على إدارة السجون ووزارة العدل كيف تخصص سبعين درهما يوميا للسجين؟!
قلت لنفسك :
ـ لو قدموا لأمي نصفها لما طردني العربي من البيت، ولما دخلت السجن أصلا. المهم الفطور والغذاء والعشاء مضمون وبانتظام. ثم المبيت بين بين أربعة جدران وفوق سرير. هنا سترقص مع ثعابين من نفس الطينة. لكن عليك أن تحرس مؤخرتك. فلا فرق بين النوم في السجن، والنوم في أرض الله الواسعة.




مراكش15 يوليوز 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى