مديح الصادق - محاضرات في علوم البلاغة مح 2 (عيوب فصاحة الكلمة وعيوب فصاحة الكلام).

2


أولاً- عيوب فصاحة الكلمة الأربعة:
1- تنافر الحروف: يترك هذا العيب ثقل الكلمة على سمع المتلقي، وينتج من تقارب مخارج حروفها، مثل: (هُعخُع) يراد بها نباتاً ترعاه الإبل، قال أعرابي: "تركتُ ناقتي ترعى الهُعخُع"، و(الظَّش) يراد بها الموضع الخشن، و(النقنقة) لصوت الضفادع، و(النُّقاخ) للماء العذب، و(مُسْتَشْزِرات) في قول امرئ القيس، بمعنى مرتفعات:
" غدائرُه مُسْتَشْزِراتٌ إلى العُلا ... تَضِلّ العُقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ".
.................
2- غرابة الاستعمال: عندما يكون معنى الكلمة غير ظاهر، ولا هي مألوفة الاستعمال عند العرب الفصحاء، ويكمن هذا العيب:
أ- في حيرة المتلقي بين معنيين أو أكثر ولا توجد قرينة توضح المعنى المطلوب، مثل كلمة (مسرَّج) في قول رؤبة بن العجاج:
"ومُقْلةً وحَاجِباً مُزَججَا ... وفاحماً ومَرْسِناً مُسَرَّجَا".
لقد اختلف أئمة اللغة في تخريجه، فقال ابن دريد: "أنفه كالسيف السريجي في الاستواء والدقة"، وقال ابن سيده: "إنه كالسراج في اللمعان والبريق"، وهناك من ذهب للتشبيه بسرج الفرس.
مثال اشتراك الكلمة في معنيين مع وجود قرينة تخصص المطلوب: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} الأعراف 157؛ وجود كلمة (نصروه) قرينة على إرادة التعظيم.
ب- احتياج الكلمة لكثرة البحث والتفتيش الطويل في المعاجم، نحو: (تكأكأتُم) في قول عيسى بن عمرو النحوي: "مالكُم تكَأْكَأْتُم عليَّ كتكَأْكُئِكُم على ذي جنَّةٍ؟ افرَنقعُوا".
يريد: (ما لكم تجمَّعتم عليّ كتجمعكم على ذي جنّة؟ تفرَّقوا).
وهناك ما لا يُعثر على معناه مثل: (جَحْلَنْجَح) في قول أبي الهَمَيْسَع:
"مِن طَمْحَةٍ صَبيرُها جَحْلَنْجَعِ ... لَمْ يَحْضهَا الجَدْوَلُ بالتَّنَوُّعِ ".
ذَكَرُوه ولم يُفَسِّروهُ، وقالوا: "كانَ أبو الهَمَيْسَعِ من أعْرابِ مَدْيَنَ، وما كُنَّا نَكادُ نَفْهَمُ كلامَهُ"
..................
3- مخالفة القياس: عندما تكون الكلمة غريبة عن النظام الصرفي المعروف عن العرب، مثل: (الأجْلَل) في قول أبي النجم العجلي:
"الحمدُ للّه العليِّ الأجلَلِ ... الواحدِ الفردِ القديمِ الأوَّلِ".
القياس (الأجَلّ)، ومن العيوب كتابة الهمزة قطعاً والصواب وصل، مثل (الإثنين، إسم، إبن، إمتحان)، ومن الأخطاء الشائعة: (السيارة المُباعة، ونضوج الفاكهة،، وعصاتي)؛ والصواب: (المَبيعة، ونُضج، وعصايَ). في قول للمتنبي كلمتا: (حالل، ويحلل)، الأفصح: (حالٌّ، ويحلُّ):
"ولا يبرمُ الأمرَ الذي هو حاللٌ ... ولا يَحللُ الأمرَ الذي هو مبرمُ".
ملاحظة: هناك كلمات ثبتت لدى العرب مُخالفة للقياس ولا يحسب ذلك عيباً، مثل: (المشرِق والمغرِب) والقياس (المشرَق والمغرَب)، و(المُدهُن والمُنخُل) والقياس فيهما (المِدهَن والمِنخَل)، و(آل وماء) أصلهما (أهل وموه)، وغير ذلك.
..................
4- الكراهة في السمع: عندما تكون الكلمة وحشية الوقع لدى المتلقي، تكرهها الطباع والذوق العام، مثل (الجِرِشَّى) أي (النفس) في قول المتنبي يمدح سيف الدولة:
" مُبارَكُ الاِسمِ أَغَرُّ اللَقَب ... كَريمُ الجِرِشَّى شَريفُ النَسَب".
قال أبو تمام:
"قد قلتُ لمَّا اطلَخَمَّ الأمرُ وانبعثَتْ ... عشْوَاءُ تالِيةً غُبساً دَهاريسا".
فيه ألفاظ جمعت الغرابة والثقل على السمع.
قال امرؤ القيس:
"رُبَّ جَفنةٍ مُثْعَنْجِرَة، وطعنةٍ مُسْحَنْفِرة، وخطبةٍ مُستحضَرةٍ، وقصيدةٍ مُحبرةٍ، تبقى غدًا بأنقرة، أكلت العرين، وشربت الصُّمادح، إني إذا أنشدت لأحبَنْطَى نزل بزيد داهية خنْفيق، وحل به عنْقَفِير لم يجد منها مَخلصاً. رأيت ماء نُقاحًا ينباع من سفح جبل شامخ، إخال إنك مَصْوُون، البُعاق ملأ الجرْدَحْل".
.........................
.........................
ثانياً- عيوب فصاحة الكلام: يُشترط في فصاحة الكلام أن تخلو مفرداته من العيوب الأربعة المشار إليها، وأن يخلو الكلام من العيوب الستة التالية:
1- تنافر الكلمات مجتمعة: عندما تكون الكلمات ثقيلة مع بعضها، قال شاعر: "وقبرُ حربٍ بمكانٍ قفرٍ... وليسَ قربَ قبرِ حربٍ قبرٌ".
قال أبو تمام:
"كريمٌ متى أمدَحْهُ أمدحْهُ والورَى .....معي وإذا ما لُمْتُهُ لُمتُهُ وحدي".
......................
2- ضعف التأليف: عندما يكون الكلام مخالفاً لقواعد النحو المتعارف عليها، كما في قول المتنبي حيث وصَلَ الضميرين وقدَّم غير الأعرف منهما، والفصل واجب: " خلتِ البلادُ من الغزالةِ ليلَه.... فأعاضهاكَ اللهُ كي لا تحزَنــا".
قال شاعر:
"كَسَا حِلْمُهُ ذَا الحِلْمِ أَثْوَابَ سُؤدَدٍ ... ورقَّى نَدَاهُ ذَا النَدَى فِي ذُرَى المَجْدِ".
الضمير في (حلمه) يعود على متأخر لفظاً ومعنى وحكماً كذلك في (نداه).
قال حسان بن ثابت:
"وَلَوْ أَنَّ مَجْدًا أَخْلَدَ الدَّهْرَ وَاحِدًا ... مِنَ النَّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الدَّهْرَ مُطْعِمَا".
العيب فيه عودة الضمير في (مجده) على (مطعم) وهو متأخر لفظاً ورتبة؛ لكونه مفعولاَ به.
...........................
3- التعقيد اللفظي: عند عدم ترتيب الألفاظ وفق ترتيب المعاني، بسبب التقديم والتأخير، أو الفصل بأجنبي بين الكلمات، ما يسبب الخفاء في المعنى، كقول المتنبي:
"جفختْ وهُم لا يجفخونَ بها بِهِم ... شِيمٌ على الحسبِ الأغرِّ دلائلُ".
الأصل: (جفخت بهم شيمٌ دلائلُ على الحسَبِ الأغرّ، وهم لا يجفخون بها).
قال الفرزدق:
"إلى ملكِ ما أمُّهُ مِن مُحاربٍ ... أبوهُ ولا كانتْ كُليبٌ تُصاهرُه".
(أبوه) مبتدأ مؤخر و(ما أمه من محارب) خبر مقدم.
يريد: (إلى ملكٍ أبوهُ ما أمُّهُ من مُحاربٍ).
......................
4- التعقيد المعنوي: عندما يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد، كما قال عباس بن الأحنف:
" سَأَطْلُبُ بُعْدَ الدَارِ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوْا ... وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُمُوْعَ لِتَجْمُدَا".
(سكب الدموع) كناية عن الحزن؛ لكن (جمود العين) لا يصلح كناية عن الفرح بالتلاقي.
......................
5- كثرة التكرار: عند تعدد اللفظ مرة بعد أخرى بغير فائدة، اسماً ظاهراً أم ضميراً كان، أم فعلاً، أم حرفاً. قال شاعر:
"إنِّي وأسطارٍ سطرنَ سطرا... لقائلٌ: يا نصرُ نصرُ نصرا".
قال المتنبي:
"أقِلْ أنِلْ أقطعِ احملْ علِّ سلِّ أعدْ... زدْ هشّ بشّ تفضلْ أدنِ سُرَّ صلِ".
قال شاعر:
"لو كنتَ كنتَ كتمتَ الحبَّ كنتَ كما... كنَّا وكنتَ ولكنْ ذاكَ لم يكنِ".
.........................
6- تتابع الإضافات: عندما يكون الاسم مضافاً إضافة متداخلة، كقول ابن بابك:
"حمامةَ جرعا حومةِ الجندلِ اسجعي... فأنتِ بمرأى مِن سعادَ ومسمعِ".
العيب فيه إضافة (حمامة) إلى (جرعا) و (جرعا) إلى (حومة) و (حومة) إلى (الجندل). الجرعاء تأنيث الأجرع قصرها للضرورة، وهي أرض ذات رمل لا تنبت شيئاً، والحومة معظم الشيء، والجندل أرض ذات حجارة سوداء.



مديح الصادق... من كندا.
...........
ألتقي وإياكم في الحلقة الثالثة (علم المعاني)؛ مع محبتي واحترامي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى