وداد معروف - نقطة دم.. قصة قصيرة

حينما أويت إلى فراشي بعد نهاية يوم طويل، بدأته من السادسة صباحا، وتنقلت فيه من مهمة إلى أخرى، ما بين عملي الوظيفي، مرورا بأشغال بيتي، وختامه في المساء، بوردي اليومي في كتابة رسالتي العلمية، وضعت رأسي على المخدة، وأنا أرتب تفاصيل يوم الجمعة، سأبدأه بطقوسه التي أحب، سيكون الفطور كعادتي فيه طبق التونة مع البصل في الخل، فلا أستطيع تناول البصل بقية أيام الأسبوع؛ حيث الخروج للعمل ومحادثة الزملاء والمتعاملين مع المصلحة التي أعمل بها، سأشعل عود البخور السميك، الذي اشتريته من تلك المرأة التي تبيع لنا المعطرات والصابون في العمل، ثم بعد ذلك أتناول معشوقي شاي الكرك، وكالعادة لن تمر سوى ربع ساعة وأقوم لأعد قهوتي المضبوطة؛ بعدها سأجلس للحاسوب كي أكتب قصتي الجديدة التي لم أجد لها وقتا طوال الأسبوع الفائت، يااااه سأظل أثرثر بالتخطيط للغد حتى أتأخر في النوم؟، عليَّ أن أنام حالا؛ كي أصحو مبكرا لتنفيذ كل هذا الكم من الأعمال والطقوس, ولأترك بقية الأعمال لوقتها.
مع آخر رشفة من فنجان القهوة، قمت لمرآتي رتبت شعري، ووضعت بعض العطر، فأنا لا أجلس للكتابة إلا إذا تأنقت، جلس زوجي على الفراش يتابعني بعينيه، ضحكت لأن هذه عادته اليومية، ما هذا الذي علق بعيني؟ أهو رمش سقط في عيني؟ ربما، فلأحاول إبعاده عن عيني، لا، لا، ليس رمشا، إنه يسيل في عيني، سائل أسود يملأ عيني، يا ألله ماذا فيك يا عين!!
ارتاب زوجي من حالي، أشار لي ماذا هناك؟
جلست على حافة الفراش أضع يدي على عيني وأقول له انظر فيها, نظر فلم يجد شيئا، نظرت في المرآه لا يظهر فيها شيء, ملأ السواد عيني فلم أعد أرى بها شيئا، لا أعرف ما الذي ألقى على لساني عبارة (نزيف في عيني) قال زوجي: لا... لا تقولي ذلك، هو رمش وسيزول عنها, جلست على الأريكة بجوار الشرفة، مكان الكتابة المفضل لديَّ، أغلق عيني الصحيحة لأجرب عيني التي ملأها النزيف إلا نقاط ضوء صغيرة، لا تكتمل فيها الصورة؛ وإنما ثقوب ضوء، الرعب تملكني، الآن عين واحدة التي أرى بها، وهي في الأصل كليلة البصر، تصورت حالي لو... ؟ لو ماذا؟ لو فقدت الرؤية بها؟ كيف تكون الحياة بعين واحدة وكليلة؟ لم أتحمل الخيال؛ فكيف به لو كان حقيقة! اللهم لطفك بي.
مر يوم الجمعة الحزين، فلا أطباء ولا مستشفيات، ولم يعد هناك كتابة ولا قراءة، تمددت على أريكتي التي طالما جلست عليها للكتابة ولمتابعة التلفاز وللبحث الذي يمتد بي ساعات لا أحصيها، أفتح عيني فتزيد العتامة، تتسع دوائر القلق داخلي، كلما ضاقت ثقوب الضوء في عيني، عبر الواتس كتب زوجي للطبيب عن حالتي، أخبره الطبيب أنه في مؤتمر خارج البلاد، لكنه كتب أصنافا عديدة من الدواء، قطرة للعين؛ وحبوبا قبل كل وجبة، وحقنا كثيرة، لكنني سمعت تساؤلا أضغمه زوجي وسط الكلمات: "أوقد يحدث هذا؟" صمت زوجي لبرهة ثم قال: لعل الله يخلف الظنون.ددددد

وداد معروف / مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى