سي حاميد اليوسفي - لينا لم تخرج رجلها من الشواري*

ذهبت لينا إلى صالون الحلاقة، وقررت أن تحلق شعرها حتى يلمع رأسها مثل حبة البصل.
لم تفكر في العواقب. هي حرة تفعل في نفسها ما تشاء. تعرف بأن زمن الشعر الأسود الطويل موضة قديمة، ذهبت إلى غير رجعة. كل شيء يمكن اليوم تعديله أو تزويره بالمال. لون الشعر وطوله، الوجه والبشرة، الشفتان والمؤخرة...
لو عاش الأجداد حتى رأوا ذلك، لفضلوا الدخول إلى مستشفى المجانين على العودة إلى بيوتهم.
مرت بجانب شاب قصير القامة، ولد الحرام، نادى بصوت مرتفع حتى قفزت من مكانها:
ـ وا حسن!؟
اللعين أراد لفت انتباه المارة إلى الفتاة ذات الرأس الحليق.
امرأتان خرجتا لتوهما من متجر (بيم)* تفاجأتا بلينا تمر من أمامهما. قالت إحداهن:
ـ ناري يا أختي لم يبقَ حياء في الدنيا؟!
أجابتها الأخرى:
ـ احمدي الله واشكريه، أنها لم تنزع سروالها الداخلي، وتخرج عارية؟!
من حسن الحظ أنها تضع نظارات سوداء على عينيها. تنظر إلى الناس، لكن الناس لا يعرفون إلى أي وجهة تنظر. كل من تمر بجانبه يتحرش بها، أو يحملق فيها وفمه مفتوح، كأنها هبطت من كوكب آخر. ذلك العجوز توقف عن المشي حتى اقتربت منه، وفحص جسمها من أسفل إلى أعلى. بدأ يضحك مع نفسه. سار بضع خطوات، والتفت كأنه يريد أن يلتهمها بنظراته الماكرة. قال من غير حياء:
ـ ما نشوفوكش* أ الغزال؟!
بصقت ناحيته، وشتمته في صمت، واستأنفت سيرها غير مبالية.
العامل الذي يجمع القمامة توقف عن العمل، وبدل أن يحتج على ضعف راتبه الذي يذوب في اليوم الأول من الشهر، نظر إليها باستغراب، وقال بصوت مرتفع حتى يسمعه المارة:
ـ لا بزّاف* على الحرية؟! هذه أصبحت فوضى وسيبة؟!
تتبعها وركز عينيه على مؤخرتها، ثم قال في نفسه:
ـ الجنية ردفاها جميلان. لو نامت معي ساعة لنسيت كل هموم الدنيا.
ـ وإذا فاجأتكما حليمة؟
ـ لتذهب حليمة وأمها إلى الجحيم، لقد سئمتَ من نكدهما، وطلعتا لك في الرأس!
ـ ثلاثون سنة وأنت لا تشم غير الروائح النتنة، حتى تعطلت عندك حاسة الشم.
ـ مالك تحمل هموم الدنيا على كتفيك؟ لتعم الفوضى، وتشتعل النيران في البلد، ماذا ستخسر؟
قالت فتاة لأمها:
ـ المسخوطة يبدو أنها استنشقت (البوفا)، ما مسوقاش* لعباد الله!؟
ردت الأم بدهشة:
ـ ماذا تعني (البوفا)؟
أجابت الفتاة:
ـ يقولون بأنها مخدر خطير، يُصنع من بقايا الكوكايين، والبعض يصفه بكوكايين الفقراء.
استفسرت الام ابنتها مرة أخرى لكن بغضب:
ـ وكيف عرفت ذلك؟! ياك ما ذقتها من قبل!؟
أجابت الفتاة بارتباك:
ـ لا أ ماما.. حرام عليك.. قرأت عنها في الأنترنيت. الصحف والمواقع الإخبارية تكتب عنها هذه الأيام بكثرة، وتحذر الشباب والأسر من خطورتها.
قالت الفتاة لنفسها:
ـ لو امتلكت أيتها الغبية ربع جرأة هذه المسخوطة، لتحررت من الكثير من القيود التي تفرضها عليك والدتك. أنت مخنوقة، بالكاد تتنفسين.
لفت حارس السيارات شخصا يقف بجانبه، لينظر إلى لينا، ثم قال:
ـ أراهن على أن هذه الفتاة التي يشبه رأسها البصل متحولة جنسيا!؟
ردّ عليه الشخص:
ـ قد تكون مصابة بالمرض الخبيث، وتعمل (الشيميو)، فتساقط شعر رأسها؟!
علّق الحارس:
ـ لو كان رهانك صحيحا لخشيت من الله، وغطت رأسها بمنديل.
توقف رجل ملتح، ووضع يده على رأسه، ثم صرخ بأعلى صوته، وهو يشير إلى لينا:
ـ اللهمّ إن هذا منكر؟!
كررها ثلاث مرات. عندما تأكد بأنه لن ينضم إليه أحد. قال:
ـ اللهمّ إني قد بلغت.
ثم مال إلى الزقاق المؤدي إلى المسجد.
اقتربت الفتاة التي يشبه وجهها وجه غلام أمرد من باب العمارة. رفعت يدها لعمر الذي يراقب الباب عن بعد. لم يتعرف عليها في البداية، لكن الثياب والقامة وبنية الجسم، كل ذلك يوحي بأنها لينا ابنة الفنان عادل.
قدم نحوها متظاهرا بأنه يريد أن يفتح باب المصعد، بينما هو يريد أن يتأكد هل هي لينا بالفعل!؟
سألها مستغربا:
ـ من فعل بك هذا!؟
ردت عليه بغضب:
ـ هل جئت تفتح الباب، أم تفتح محضر استنطاق؟!
اعتذر وفتح الباب. ثم انسحب، وهو يفترض بأن أحدهم حلق شعر رأسها ليمنعها من الخروج.
تذكر رواية الخبز الحافي. قابيل الشاب الذي يعمل في التهريب، حلق شعر وحاجبي صديقته سُلافة حتى لا تهرب من الكوخ. هكذا يفعل بعض المنحرفين مع الفتيات اللواتي تخرج أرجلهن من الشواري*.
بكت لينا في صمت. لم يكد يمض أسبوع على قطع علاقتها بوائل بعد ست سنوات من قصة حب لم تنته بالزواج كما كان متفقا عليه بينهما في العام الأخير. الكلب خطب فتاة أخرى لا تستأهل حتى التراب الذي تمشي عليه. الجرح لن يلتئم بسهولة. أصبح مزاجها سيئا، لذلك أقدمت على حلق شعرها كعقاب على غبائها كل هذه السنوات الست التي قضتها في وهم اعتقدت أنه حب.
المعجم
ـ بيم: سلسلة من متاجر تركية مختصة في بيع المواد الغذائية
ـ ما نشوفوكش: ألا نراك
ـ بزّاف: كثير
ـ ما مسوقاش: غير مهتمة
ـ الخبز الحافي: رواية للكاتب المغربي محمد شكري
ـ خرجت رجلها من الشواري: تجاوزت الحدود المسموح بها.


مراكش 30 غشت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى