محمود خضري يس - رائحـة الفســق.. قصـــــــــة قصيرة‏

الرائحة الغريبة التي تحملها العواصف الشمالية تنشرها في الصحراء تنفر منها اشعة الشمس التي تميل للغروب في وهن‏,‏ الرائحة الغريبة تجتاح الدار التي تاوي الفتي من أهوال الصحراء.

منذ ان هبط علي الرمال من رحم أمه لم يستطع ان يسد الفتحات الضيقة في الجدار امام تياراتها الشديدة فتقتحم أنفه ويضيق نفسه حتي يتقيأ كل مافي معدته التي تمتلئ بعد ذلك بالرائحة‏.‏
يشعر ان شللا يتسرب الي خلايا مخه فيتوتر بصره المعلق بسطور كتاب التاريخ التي تشابكت وتعقدت حتي صارت طلسما يصعب تفسيره‏,‏ يلتهب جسم الفتي تباغته اشباح الخوف الصاعدة من اعماقه‏,‏ يعري جسمه من جلبابه القديم في فزع يروح ويجئ في الدار علي استحياء‏.‏
البنت التي كان يعشقها وتعشقه في الخفاء تتجرد الآن من ثوبها الذي يواري جسمها الجذاب عن عيون البشر تحطم باب الدار الشاهقة الذي شيده جدها ليحصنها من ذئاب الليل حين تقبل بكثرة عند هبوب العواصف والزوابع‏.‏
تدوس البنت بقدميها عمامة ابيها الملقاة علي الرمال وهو نائم غير مكثرث بما يدور حوله حين يراها الفتي من احدي الفتحات الضيقة ينطلق من الدار يهبطان في آن واحد علي ارض منخفضة تتوسط المكان بين داريهما هما يحتضان يغيبان عن وعيهما وعندما يستيقظان يعود كل منهما الي داره وهو في شغف الي معاودة حضن الآخر‏.‏
سكون الليل يغمر المكان بعد أن هدأت العواصف‏.‏ بدأ الصراع يغزو رأس الفتي‏.‏
يدفعه الي التفتيش بأنفه في الفراغ عن الرائحة الغريبة ظنا منه انها تخفف عنه الصداع يحاول أن يشعل عود الثقاب ينطفئ عود الثقاب قبل أن يتمكن الفتي من تحقيق هدفه‏,‏ يقف مندهشا يعلو عزف الشبابة يمزقه السكون يرسم صورة المرح علي وجه الصحراء يداعب بهجة القمر فازداد اصراره علي ان يهب الرمال كل مايمتلك من نور‏.‏
تنهار محاولات الفتي في استرجاع كل ماقرأه بالامس في كتاب التاريخ‏.‏
تجمدت ذاكرته فأثارت الاحزان المترسبة في كيانه بدأت عيناه تذرفان الدموع‏.‏ الصبية يغنون علي دقات الطبول في سواد الليل بعد أن حجبت قطعة الظلام وجه القمر عن الرمال والصبايا يرددن وراءهم الاغنيات في خوف‏.‏
فجأة تعاود العاصفة هبوبها تكتظ الأنوف بالرائحة الغريبة يستحيل الناس اجساما عارية يقف الفتي متوترا حين يمتلك احدي العاريات‏.‏
يضاجعها بشراهة البنت التي يعشقها وتعشقه تخبئ الفتي الآخر في سحر جسمها بينما كتاب التاريخ يحتضر تحت الاقدام‏.‏


محمود خضري يس
قوص ـ قنا



* نقلا عن الاهرام المسائي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى