ليلة فى بوخارست

اعتدت أن اتناول طعام الغداء فى مطعم القرن الذهبى فى كونستنزا وهو مطعم صغير رخيص يقع فى شارع كارول وتديره امرأة مسنة .. و كان فيه أشهى الأطعمة إلى قلبى .. الكفتة الرومانى .. والنبيذ الإيطالى المعتق .. والسلاطة الشرقية ..
وكانت صاحبة المطعم طيبة و سمحة النفس .. عندما أدركت أننى سائح وغريب ولا أعرف لغتها أدخلتنى إلى المطبخ وجعلتنى أختار ما أحب من الطعام .. وقد حفظت لها هذا الجميل .. وأصبحت أركب القطار كل يوم من كارمن سيلفا حيث أصيف لأتغدى عندها .. و أنا شاعر بأننى آكل فى بيتى ..
وكان عندها فتاتان تعملان فى المطعم .. وكانت كارولينا تجئ قبل زميلتها الينورا .. مبكرة فى الصباح تنسق الموائد وتضع عليها المفارش والزهور .. وكانت أصغر وكانت تتكلم فى صوت ناعم حلو .. وتتحرك فى لين ورشاقة كأنها ترقص ..
وكانت ترتدى مريلة سوداء لامعة .. وتعرف من الفرنسية ما يكفى للتفاهم .. و عندما تسألها عن طعام لا تعرفه .. يرف على خدها لون التفاح ..!
وبدأت معرفتى بها عندما أعطيتها ورقة من ذات الألف ليى لتفكها .. فلما فكتها أعطيتها ما قيمتة ثلاثين مليما كبقشيش .. فرقصت من الفرح و جرت إلى صاحبة المطعم تريها البقشيش الذى أعطاه لها هذا الأمير الشرقى ..!
ولا تعجب فقد كنا فى عام 1936 .. و كان الكساد على أشده فى أوربا كلها وكنت تستطيع أن تأكل وجبة غذاء كاملة بهذا المبلغ فى مطعم ال 17 دراخمة فى أثيا .. مع شوب من البيرة النمساوية الفاخرة ..!
وقد ذهبت كل هذه الأحلام بعد أن تحركت فرق العاصفة ودكت أوروبا ..
ولم أكن وأنا جالس فى المطعم أطلب من كارولينا أن تقدم لى قائمة الطعام .. أو أسالها ما عندك اليوم .. كنت أدعها تختار لى الوان الطعام بنفسها .. وكانت تصنع لى بعد الغداء فنجانا من القهوة التركية .. وعندما تفرغ من عملها فى حوالى الساعة الثانية بعد الظهر كانت تجئ لتحادثنى .. وتقدم لى ما جمعته من الكتب المصورة .. من شركات السياحة ..
ورأيتها فى صباح يوم من أيام الآحاد .. تستحم فى بلاج مامايا .. ولما وقع نظرها علىَّ و أنا أراقبها من شرفة الكازينو ابتسمت .. وبعد أن خرجت من الماء مرت تتهادى أمامى .. كفينوس والماء يقطر من جسمها ولوحت لى بيدها من بعيد و جرت لترتدى ثيابها ..
ولما قابلتها ساعة الظهر فى مطعم القرن الذهبى .. قالت :
- اتذهب كل صباح .. الى مامايا ..؟ و تقطع هذه المسافة الطويلة بالأتوبيس ..
- يوم الأحد فقط ..
- و كذلك أنا .. أذهب فى صباح الأحد .. إلى هناك .. و سأراك فى الأحد المقبل ..
- و لماذا .. لاتذهبين إلى كارمن سيلفا .. ؟
- مامايا .. أرخص وأقرب .. وأنا فقيرة .. كما تعرف ..
- تعالى لنمضى يوما فى كارمن وفى الليل سنذهب إلى الكازينو ..
- لا استطيع .. إن كونستنزا مدينة صغيرة ، والجميع يعرفوننى ، وصاحبة المطعم إنسانة طيبة وأنا لا أستطيع تركها ..
- و لكننى أحب أن أمضى يوما كاملا ..
- إنك ترانى كل يوم .. تقريبا .. و أنا لا أدع أحدا يجلس على هذه المائدة غيرك ..
- مرسى .. ولكننى أحب أن نقضى يوما معا .. واختارى أنت المكان ..
- دعنى أفكر إلى الغد ..
فى الغد سألتها :
ـ هل اخترت المكان ..؟
ـ و هل هذا ضرورى .. أنت ترانى فى كل يوم .. ولك شهر هنا ألم تسأم ..؟!
ـ لا .. وأنا غريب .. وأحتاج إلى عطفك ..
ـ إذن سنسافر إلى بوخارست .. و نقضى هناك ليلة واحدة .. ليلة واحدة هناك .. بعيدا ,, بعيدا .. عن الناس ..
واتفقنا على أن نسافر غدا إلى بوخارست .. دون أن نأخذ حقائب لنكون خفيفين .. وتواعدنا على اللقاء فى داخل المحطة .. فى الساعة الحادية عشرة ليلا لنأخذ آخر قطار ..
وجاءت فى الميعاد .. وقطعنا تذكرتين فى الدرجة الثالثة .. كرغبتها وإلحاحها علىَّ و نحن عند الشباك .. إذ قالت :
- أنت طالب .. و فقير .. فلماذا الإسراف ..؟
و جلسنا مستريحين .. وكانت العربة تكاد تكون خالية من الركاب فأخذنا نتحدث ونضحك بكل حريتنا .. ولم نر الكمسارى إلا مرة واحدة طول الطريق ..
وفى أخريات الليل .. أحست كارولينا بالنوم فتمددت على المقعد ووضعت رأسها فى حجرى .. وأخذت أمسج بيدى على شعرها .. و أشعر بلذة جبيبة ..
وكان القطار يمضى فى وادى الدانوب .. وكنا نرى المدن الصغيرة تتلألأ .. والوادى الأخضر تحتنا بادى الروعة .. وكانت نسمات الليل الحلوة تهز المشاعر .. وكل ما حولى يأخذ بلب المسافر .. ولكننى حصرت كيانى كله فى هذا الركن من العربة حيث نجلس .. وحمدت الأيام الطيبة التى جعلتنى أسافر .. وأركب البحر .. وأذهب إلى هذا المطعم لألتقى بكارولينا .. كانت بيضاء طويلة فى لون العاج .. وفى مثل سنى أو تكبرنى بعامين اثنين .. ومامن إنسان شاهدنا معا .. إلا تصور أننا طالبان فى جامعة واحدة .. ذاهبان فى العطلة الصيفية .. إلى رحلة جامعية ..
ولم يكن أحد يعرف أنها رومانية وأننى مصرى .. إلا إذا سألنا عن ذلك صراحة فقد كنا نتحدث بالإشارة .. بلغة الاسبرانتو .. ونتفاهم بهذه اللغة اكثر من تفاهمنا بأية لغة أخرى .. ومع أننى لم أقل لها أية كلمة غرامية .. ولكنها فهمت بغريزتها أننى متيم بها وأننى أشتهيها من أول لقاء لنا فى المطعم .. وأننى حبست نفسى فى كونستنزا من أجلها وتركت كارمن سيلفيا .. وسينايا .. وإيفورى .. وجورجيو كل هذه المصايف الجميلة لأجلها ,. ولم تصدنى .. بل كانت تشجعنى على توثيق العلاقة بيننا .. وتطورها .. ولم أسأل نفسى .. بعد أن استجابت لرغباتى وركبت معى القطار .. هل تحبنى كما أحبها فإن هذا لم يكن يعنينى على الإطلاق .. ولكننى كنت أثق بها وأراها تحرص على راحتى وتشير علىَّ دائما بالاقتصاد فى المصروف وترينى أرخص وأحسن الفنادق .. والمحلات التجارية .. وتعاملنى كأننى من جنسها فلم تكن تستغلنى أبدا ..
وأخذت أحدثها عن نفسى .. وعن رحلتى .. فى اليونان .. و تركيا و عن جمال البسفور ..
وسألتنى فجأة وهى ترنو إلىَّ بقوة :
ـ أمعك مسدس ..؟
ـ مسدس .. و ما الداعى إليه ..
ـ أحس بشئ جامد تحت رأسى ..
وقلت لها بكل بساطة :
ـ إنه حزام ..
ـ حزام .. ولكنه سميك ..
ـ إنه من الجلد السميك وبه جيوب ..
ـ جيوب لماذا ..؟
ـ لأضع فيه نقودى كلها .. هات يدك ..
وجلست ومرت بيدها فوق وسطى وقالت :
ـ إنها فكرة عظيمة ..
ـ عرفنى بها صديق .. وأنا أتهيأ للسفر ووجدتها فكرة حسنة فأنا آمن مطمئن فى القطارات والبواخر والفنادق ولا أخشى أن تمتد إلىَّ يد السرقة فى ليل أو نهار لأنه لا أحد يعرف مكان النقود ..
ـ هذا عظيم ..!!
وأخذت أحدثها عن الرحلة .. وكيف نشأت .. وكيف أننى ربحت مبلغا كبيرا فى المراهنة على سباق الخيل .. وخشيت أن يضيع فى المقامرة كما جاء .. فوضعته فى هذا الحزام وركبت البحر ..
ـ وهل المبلغ كبير جدا إلى هذا الحد ..؟
ـ نستطيع أن نطوف به حول العالم ..
ـ إنك سعيد ..
ـ اتركى العمل فى القرن الذهبى وأنا أجعلك أميرة ..
ـ ولماذا لم تضع المبلغ فى البنك ..؟
ـ هذا أحسن وأسهل .. لأننى ذاهب إلى بلاد مختلفة ..
ـ كم أنا سعيدة .. إذن سأشترى فساتين ومعاطف للشتاء من بوخارست .. كم أنا سعيدة ..
وأمسكت بيدها وضغطت عليها ثم أخذت أمسح بها على جبينها وشعرها .. وأغلقت عينيها ونامت .. وبعد ساعة أحسست ببرودة شديدة وخشيت عليها من البرد فخلعت سترتى وألقيتها على صدرها ثم غلبنى النعاس وأنا جالس فى مكانى ..
وأيقظتنى قبل أن تشرق الشمس وقالت :
ـ أصح لقد اقتربنا من محطة الشمال ..
وبعد قليل دخلنا مدينة بوخارست ..
***
وخرجنا من المحطة وركبنا سيارة دارت بنا أكثر من ثلث ساعة فى شوارع المدينة .. ثم قادتنا أخيرا إلى بنسيون صغير فى شارع ضيق .. وعانقت كارولينا صاحبة البنسيون ... ورحبت بى هذه السيدة فى بشاشة .. وأدخلتنا إلى الغرف الخمس التى عندها لنختار منها ما يروقنا واخترنا غرفة بحرية صغيرة منعزلة .. وقالت لى كارولينا وأنا جالس على المقعد الطويل لأستريح قليلا أن البنسيون خال لأن الناس يهجرون بوخارست فى الصيف إلى المصايف .. إذ أن حرها شديد .. وقد شعرت بوطاة الحر فعلا فقد كان جوها كجو القاهرة فى أغسطس ..
وقالت لى كارولينا إن مدام ليتا .. صاحبة البنسيون .. ليست رومانية وأنها كانت تعمل عندها وتركتها منذ سنتين .. للكساد ولسوء حالتها المالية .. حتى عجزت عن أن تدفع لها أجرا .. ولكنها عادت إليها الآن لتمضى معى ليلة ممتعة ..
ورأيت فى البنسيون ثلاث فتيات فيهن واحدة شقراء كأنها مجرية .. ولم اشاهد أى رجل ..
وأخذت حماما سريعا لأنشط ولأستطيع التجوال فى المدينة .. وخلال ذلك كانت كارولينا قد تزينت .. وخرجنا فى بكرة الصبح نشاهد ما نستطيع أن نراة فى المدينة ..
وبوخارست مدينة صغيرة لكنها جميلة ويسمونها باريس الصغرى لأنها تشبه باريس الكبرى فى كل شئ .. فى تخطيطها وفى شوارعها ومحلاتها التجارية .. ونسائها الأنيقات الفاتنات اللابسات أجمل الأزياء ..
وتغدينا وذهبنا إلى البنسيون لنستريح قليلا ثم نستأنف تجوالنا ..
وكنت قد اشتريت زجاجة عطر غالية لكارولينا .. ورأتها إحدى الفتيات فجرت تخبر زميلتيها .. وجاء الثلاثة ودخلن علينا الغرفة وأخدن يقلبن الزجاجة فى أيديهن وينظرن إليها وكأنها كنز ثمين .. ثم أخذ الثلاثة بداعبن كارولينا .. ويزينها ويضمخن جسمها كله بالعطر .. وينظران إلى ناحيتى وأنا ممدد بكامل ملابسى على السرير ويقلن لها كلاما فى اذنها .. كأننى أعرف لغتهن .. ثم أدركن خطأهن أخيرا فأغرقن فى الضحك ..
وفجاة سمعت صوت رجل فى الردهة و رأيت وجه كارولينا الضاحك يكفهر و يصفر فجاة ..
وقالت لى بعد أن خرجت الفتيات من الغرفة دون أن أوجه إليها أى سؤال :
ـ انه البرتو .. صديق صاحبة البنسيون .. جندى بحار فى البحرية .. ولا أدرى لماذا هو فى بوخارست الآن .. انه عجيب ..
وخرجت من الغرفة لعلها كانت تريد أن تتأكد من أنه البرتو حقيقة وغابت طويلا وعادت بعد مدة وكانت هادئة كما الفتها ..
ورأيت البرتو فى الردهة و نحن خارجان .. ومع أنه قابلنى ببشاشة ولكننى لم استرح إلى تعبيرات وجهه .. فقد رأيت فيه وجه أفاق ..!
ولم تحدثنى كارولينا عنه ونحن نتجول فى المدينة .. ولما عدنا فى الليل رأيناه جالسا فى المدخل كأنه فى انتظارنا .. وكان معه شاب اخر .. وقال إنه أعد لنا العشاء .. ولما عرف أننا تناولنا العشاء فى الخارج أظهر أسفه .. ووقف يتحدث مع كارولينا قليلا .. و قالت لى أنه يريد أن يحيينى بأن يقدم لى بعض الشراب الوطنى فلم ارفض .. وجلسنا جميعا إلى المائدة ..
وكان البرتو يتكلم الفرنسية والإنجليزية أحسن من كارولينا .. أما زميله فلم يكن يعرف غير لغته .. وشربت كأسين من شرابهم الوطنى .. وهو أبيض كالزبيب .. ولكنه شديد المفعول وعندما ملأ لى الكأس الثالثة رفضت أن أشرب و لم يلح .. وجلس مبتسما يشرب ويدخن ..
ورفعت المائدة ووضع عليها مفرش أخضر وبقينا فى مكاننا حولها .. وجاءت إحدى الفتيات بورق اللعب ووضعته أمامنا .. وأخذ هو يوزع الورق فى صمت ووضع ورقتين أو ثلاثا .. أمامى ، ثم اخرج كل منهم بعض النقود من جيبه وأخذوا يلعبون ..
سالنى لما وجدنى لا اشترك فى اللعب :
ـ لماذا لا تلعب ..؟
ـ لأننى لا أعرف القمار ..
فنظر إلى كارولينا بغضب .. ثم سألنى فى دهشة :
ـ ألا تعرف القمار ..؟
ـ لم العبه فى حياتى ...
ـ إطلاقا ..؟
ـ إطلاقا ...
فنفرت عروق وجهه من الغضب ولكنه كظم غيظة .. وقال بابتسامة صفراء ..
إذن تتفرج علينا ..
ولعبوا ساعة .. وطويت المائدة .. و نهضنا جميعا لننام ..
ودخلت غرفتى .. وغابت كارولينا عنى ثم جاءت .. وكنت قد خلعت ملابسى واستلقيت على السرير .. ولاحظن أنها صامتة وأن المرح قد ذهب عنها .. لم أسالها عن السبب .. وكانت تدخن بشراهة .. وعلى وجهها سمات التفكير العميق .. ثم نهضت وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح .. وأنزلت ستر النافذة .. ونظرت إلىَّ مبتسمة .. وقد عاد إليها بشرها سريعا ...
وأخذت تفك أزرار قميصها .. ثم قالت وهى تسقط الجونلة على الأرض ..
ـ أتسمح بأن أطفى النور ..؟
وقد عجبت لهذا من فتاه مثلها .. لها جسم فينوس .. وتعرف أننى رأيتها من قبل أكثر من مرة .. بلباس البحر ..!
وأطفات النور .. وأخذت تخلع ملابسها فى الظلام وبقيت بالمقيص ..
وأخذت تتحرك فى أرض الغرفة .. جيئة وذهابا .. ثم أضاءت المصباح .. ووقفت أمام المرآة وقد عاودها التفكير والقلق .. فتصورت انها عذراء .. وأنها تخشى أن تمر بالتجربة الجديدة ..
ونظرت فى المرآة طويلا .. وبدلا من أن تسرح شعرها نفشته بيدها وتركته ينسدل على جبينها ويغطى عينيها ..
وعندما اقتربت منى كانت دافئة ومشتاقة .. وكأنها تنتظر هذه الساعة كما انتظرتها ...
وقالت وقد أسبلت عينيها فى الظلام :
ـ أليس عجيبا .. أننى حتى الآن .. لا أعرف اسمك ..؟!
ـ عبد الحميد ..
ـ السلطان عبد الحميد .. ؟
ـ إنه اسم لا يشرف ..
ـ لماذا .. إنه سلطان .. ؟
ـ مؤامرات .. خيانة وقتل ..
ـ إذن .. سأسميك اليوشا ..
ـ اليوشا ..!؟
ـ أجل اليوشا .. فيك كل صفاته .. بساطة .. و طيبة .. ونبل ولم أكن أعرف اليوشا هذا الذى تعنية لأننى لم أكن قد قرات " اخوان كارامازوف " بعد .. وسألتها :
ـ وهل أحب اليوشا ..؟
ـ طبعا ..
ـ من ..؟
ـ كارولينا ..
ـ وضمتنى إلى صدرها وضحكت ..
وبدأت أغفو .. ثم خيل إلىَّ .. أننى أسمع نقرا خفيفا على الباب فلما تسمعت جيدا .. و أرهفت اذنى لم أسمع شيئا .. وأغلقت عينى .. محاولا النوم .. وكان قد نال منى التعب .. فأخذنى النعاس و صحوت على صياح شديد .. فقمت فزعا .. ولم تكن كارولينا بجوارى .. ولما اضأت نور الغرفة وجدت الباب مفتوحا .. و كان الصياح قد اشتد فخرجت مهرولا .. فوجدت كارولينا ملقاه على الارض وبجانبها الفتيات .. وكانت الدماء تسيل على وجهها ..
وكان البرتو واقفا هناك فى البهو .. منتصبا وهو فى حالة هياج وخبل .. وحوله رجلان لم أرهما من قبل ..
وتقدمت من كارولينا مسرعا .. وفى تلك اللحظة .. دخل رجال البوليس من الباب الخارجى .. وحاول الموجودن اسعاف كارولينا .. ولكنها كانت غائبة عن وعيها تماما ..
وأخذ رجال البوليس البرتو وانصرفوا .. وحملت عربة الإسعاف كارولينا وأنا بجوارها إلى أقرب مستشفى ..
وعندما فتحت عينيها وهى راقدة فى المستشفى وجدتنى جالسا .. قرب سريرها امسح على يديها فى رفق وحنان وسألتنى :
- هل قبضوا عليه ..؟
- أجل
- إنه هارب من البحرية .. و سيسجن ..
- يسجن ..!؟
- طبعا .. هل أنت آسف عليه ..؟
- إنه مسكين .. وهناك جانب للخير .. دائما فى كل إنسان ..
- آى .. اليوشا .. إنه كان يريد سرقتك وقتلك ..
- إن هذا لا يغير من الأمر شيئا .. وستنتهى حياتى على أى وجه من الوجوه ولكن من الذى أخبره أن معى نقودا ..؟
- انا ..
ونظرت إليها مدهوشا .. وسألتها :
- أنت ..!؟
- أجل .. أنا الذى أخبرته فى ساعة ضعف ككل النساء .. واتفقنا على سرقتك والهرب معا .. خارج الحدود .. ولكن عندما هممت بذلك تذكرت شيئا حدث منك فى الطريق .. شيئا بسيطا .. ولكنه أثر فى أبلغ تأثير .. تذكرت انك خلعت سترتك لتغطينى بها وأنا نائمة فى القطار .. أنت الغريب تفعل هذا .. وتصورت مبلغ حقارتى .. وأنا أخون الإنسان الأول الذى التقيت به فى حياتى .. فتراجعت .. ولما نقر على الباب .. ولم افتح له .. ولما عاود الطرق تناومت .. أخيرا خرجت لأواجهه بالحقيقة ..
وقربت شفتى من شفتى كارولينا .. لأمنعها من الكلام ..!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى