عبد النبي فرج - الغندور

الشمس تلهب الأرض بنارٍ موقدة، ونحن نلهث تحت وطأة الرطوبة الخانقة، المراوح تقلب الصهد، ونحن نتقلب على الأسرة فى قيلولة قلقة، الشوارع خالية من البشر، إلا من شاب يقف تحت ظل مظلة معرشة بالغاب، يمسك خرطوم المياه ويرش فى الشارع، حتى تتلطف درجة الحرارة ويخفت الصهد، كان جسده طويلاً ممشوقاً كرمح، عيناه عينا صقر، ينظر فى خبث، فكانت الناس تتوجس من نظراته الإبرة باعتباره حساداً ينَشَّ العيل نظرة، فيقع يتمرغ فى الوحل، لذلك عندما يعود عيل باكياً أو مجروحاً، تلتقطه الأم وتضعه تحت الحنفية، وتغسل له وجهه ومكان الجرح.
نَشَّك ابن الحرام "أخسر ديني ما نَشَّه إلا هو أبو عين صفره اللى تندب فيها رصاصة"،
وعندما سقطت امرأة فى الشارع، تنهد تنهيدة ذات مغزى منحرف، إيه اللى طلعكِ من بيتك، على رأي المثل من طلع من دارة اتقلّ مقداره، يرتدى جلابية بيضاء على اللحم ويظهر السروال القصير واضحاً على مؤخرة رشيقة ويتبختر فى الشارع كمراهق غندور، ويبتسم ابتسامة صفراء ويغمز بعينيه كلما مرت سيدة ذات حسن وجمال. وفى يوم سمعنا طلقاً نارياً، أول من خرج كان محمد السيد عثمان جار الغندور، الحائط فى الحائط، وجد القاتل يمسك السلاح بيد ويتحرك فى الشارع بسرعة دون أن يجرى، ابتهج وهتف "كرم" ورفع علامة النصر، فعاجله القاتل برصاصة فى صدره أردته قتيلاً، بجوار جثة الغندور الذى ظل قابضاً على الخرطوم الذي يتدفق منه الماء فى الشارع.
..................
(*) من مجموعة (ندبة المغرد)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى