محمد جبريل - يا حلو يا اسمر

استمعت إلى الأغنية مرة وحيدة أمام الطاولة الرخامية ، تعلوها قدرة الفول ومقلاة الفلافل . وثمة مائدتان صغيرتان لصق الجدار المواجه ، يحيط بهما ثمانية مقاعد ، وفوق الرف المثبت فى نهاية المكان جهاز راديو ، تتناهى منه أغنية عبد الحليم حافظ :
يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا اسمر
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى أستمع فيها إلى أغنية عبد الحليم . ولم تكن ـ بالطبع ـ هى المرة الأخيرة . ربما يذكرنى باللحظة تنبهى إلى كلمات الأغنية . بدت سخيفة وبلا معنى . مجرد كلمات مرصوصة تخفّت فى لحن جميل وصوت عذب ..
أدركت المأزق الذى نحياه فى قول عم ربيع البائع وهو يعدنى بنتيجة حائط للعام الجديد :
ـ علشان الزباين اللى بيشتروا مننا دايماً !
كانت أسرتى ـ لظروف مفاجئة ، وقاسية ـ قد أصبحت بعض هؤلاء الزبائن الدائمين . ألفنا المكرونة ، والأرز ، وتقطيع البطاطس إلى شرائح فى صلصة الطماطم ، وقلى الباذنجان . أصبح الفول طبقاً رئيساً . ربما نزلت بالكسرولة الفارغة إلى دكان عم ربيع أكثر من مرة فى اليوم الواحد ..
غلبنى الحرج . أزمعت أن أقصد ـ فى المرات التالية ـ دكاناً آخر فى الشوارع القريبة . الصداقة بينى وبين عم ربيع ، أو الكسل ، أو اعتبارات لا أذكرها ، أو لا أفهمها ، عادت بى إلى الدكان . تكرر حملى لكسرولة الفول ، وعودتى بها . أسلم نفسى لشرود . لا آخذ من عم ربيع ـ كما ألفت ـ وأعطى . أغتصب الإجابة إن ألح بالأسئلة .. لكننى ـ فى لحظة لا أذكرها ـ أعطيت انتباهى للأغنية التى كنت أحفظ كلماتها دون أن يشغلنى معناها ، وصلت الأحرف بالكلمات بالسطر الشعرى . غاظنى الثوب الفضفاض على جسد يعانى الهزال ..
أستمع إلى أغنية النيل فى أى مكان ، فأنتقل إلى دكان عم ربيع بائع الفول . تلك هى اللحظة الوحيدة التى تذكرنى بها الأغنية .



* من كتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى