مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الفصل الرابع من رواية (مريم) الفلسطينية الضائعة

علياء وأدهم زوجان لديهما طفلة جميلة ، تزوجا بعد قصة حب دامت عدة سنوات ، تقابلا فى الجامعة ، وقتها كان أدهم طالباً فى السنة النهائية فى كلية التجارة ، بينما علياء فى السنة الأولى لنفس الكلية ، أحبا بعض بمجرد أن ألتقيا ، عارضت عائلة علياء هذا الحب بشدة ، تقدم أدهم للزواج من علياء عدة مرات إلا أنه لم يكن يلقى سوى الرفض .
والدة علياء كانت تعتقد أن أدهم ليس بالزوج المناسب لوحيدتها ، ابنة اللواء كاظم حرب
الفارق الاجتماعى والمادى بينهما كان يصعب المهمة كثيراً على أدهم ، الذى غرق فى حالة مزرية من الاكتئاب ، ولم يخرجه منها سوى إصرار علياء عليه ، واقدامها على محاولة الانتحار عدة مرات ، حتى لم يعد أمام أسرتها سوى الموافقة على زواج ابنتهم من ذلك الموظف المعدم .
إلا أن ذلك الموظف المعدم بفضل ذكائه،وربما اصراره على النجاح وعلى أن يثبت لأفراد عائلة اللواء كاظم حرب أنه ليس بأقل شأناً منهم، فى ظل سنوات قليلة استطاع أن يصبح واحداً من كبار رجال الأعمال والمقاولات فى مصر ، وقد كانت بدايته مع الصعود ، من خلال مشاركته فى بناء العمارات السكنية ، حيث كان يقوم بالاتفاق مع ملاك العقارات القديمة على هدم العقار المكون من عدة طوابق ، ثم يعيد بنائه بتصميم جديد كبرج سكنى فاخر ، ويكون لأدهم ملكية هذا العقار مناصفة مع صاحب الأرض الأصلى ، وقد كان أدهم بعلاقاته مع بعض موظفين الحى ، وطرقه الملتوية يستطيع أن يقوم بتشيد عماراته فى فترة قياسية مخالفاً لقانون المبانى ،وفى فترة وجيزة أصبح لأدهم رصيداً كبيراً فى البنك ،بعدها استطاع أن ينضم للحزب الحاكم ، وصار يمارس العديد من الأنشطة السياسية ، ويمتلك الكثير من الشركات المختلفة ، حتى أصبح واحداً من كبار رجال المال فى الحزب ،ولكن العجيب أنه فى تلك الفترة ساءت علاقة أدهم بعلياء كثيراً !!
وكما كاد المال الشحيح لدى أدهم فى بداية علاقتهما أن يدمرها، يكاد أيضاً أن يدمرها الآن بكثرته وكأنه بكل أحواله بات مصدراً للنقمة .
****

أحاول وأنا معك دائماً أن أجمع شتات نفسى المبعثرة ولكن عبثاً أفعل ..!!
سألتك بغتةً :
- لماذا كل هذا الإحساس بالاضطهاد والعذاب ؟
ونظرت إلى فى حسرة ثم قلت فى حزن مشبع بالمرارة :
- نحن أمة وقف العالم كله ضدها ، أمة تآمر عليها الجميع ...بل كل حكومات العالم ، وحتى الأتراك والعرب أنفسهم .
- كيف ؟
- إن أصل الصراع بيننا وبين اليهود ليس على مساحة من الأرض ، ولكنه صراع بين القرآن والتلمود ، صراع بين عقيدة تجمع كل البشر بلا تمييز ، وبين عقيدة متعصبة محرفة .
- القرآن نفسه يذكر" وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً "
- لم أكن أعلم أنك حافظ للقرآن !
- بل قارئ له .
- يبدو أنك قارئ جيد.
- أحاول وأرجو أن أفلح.
- مظهرك لا يوحى بذلك على الإطلاق !
- لماذا ؟ هل تريننى شيطاناً ؟!
- لا أقصد هذا .
- مريم ...أيتها الصبية المتمردة ..أريد منك تعريفاً محدداً لوطنك.
- تقصد ماذا ؟!
- أنت فلسطينية أم مصرية ؟!
- حين يكون لك طفلين وأحدهما مريض أيهما أولى برعايتك وحبك ؟!
- أخشى أن أقول لك أن كلاهما مريض .
- ولكن فلسطين دولة تآمر عليها الجميع ...الكل باعها فى مزاد عالمى بمنتهى الوقاحة والعلنية أيضاً .
- أليس فى كلامك هذا بعض المبالغة ؟! الكل باعها !الكل خانها !!
- نعم الكل باعها بما فيهم الأتراك والعرب !!...إن فلسطين هى ذلك الجزء من العالم العربى الذى حنثت فيه القوة الاستعمارية بوعودها فى الاستقلال بكل صراحة ، لذا فإن الانتداب البريطانى قد رسم لها الحدود الجغرافية .
- ولكن لا يوجد قوة فى العالم تستطيع أن ترسم التاريخ لأى أمة ، التاريخ هو حقيقة لا يمكن التلاعب بها .
- أشك فى كلامك كثيراً ...حتى التاريخ يتم التلاعب به ، خاصة وأن اليهود هم أكبر مزورى التاريخ على مدار كل العصور.
- فلسطين هى بلد الفلسطنيين ، غزاة البحر الأبيض فى القرن 13 ق.م
- فى الحقيقة فلسطين لديها تعريفات كثيرة فرضها الواقع التاريخى لغزاتها ، إغريق أو رومان أو بيزنطيين أوإنجليز أو حتى صهاينة ...دخلها المسلمون سنة 638 م وكان العرب أغلبية ، وقد دخلوها منذ أكثر من 3000 سنة منذ الهجرة السامية الأولى من الجزيرة العربية ، ويصدق على ذلك الأموريين والكنعانين والعبرانيين ، وكما تعلم إن الإسلام دخل ليكمل الرسالات الإلاهية لا ليدمر أويهدم أو يتعصب .(قولوا آمنا بالله وما أنزل ، وما أوتى النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد منهم ونحن مسلمون ) أل عمران 184
وقد خلصهم الإسلام من نير الاستبداد والاضطهاد الفكرى العقيدى للبيزنطيين ، لذلك قابل الفلسطينيون المسلمين بالترحاب .
- لا تنسى ما قاله المؤسس الأول للصهيونية تيودور هيرتزل : نحن شعب وفلسطين وطننا التاريخى الذى لا ينسى ، وقد صيغ برنامج مؤتمر بال بسويسرا سنة 1897 على أن الصهيونية تستهدف أن تنشئ للشعب اليهودى وطناً فى فلسطين ، مضموناً بواسطة القانون العام ، مستعيناً بموافقة الحكومات وتنظيم اليهود وتوحيدهم فى تشكيلات محلية أو قومية تبعاً لقوانين كل بلد يقطنون فيه مع الاستمرار فى استعمار فلسطين بالمزارعين والمهنيين والتجار اليهود .
- لقد ظل هذا البرنامج هو دستور الحركة الصهيونية حتى المؤتمر الثالث والعشرين الصهيونى سنة 1951 فى أورشليم ، حيث تم تحديد برنامج أورشليم على أن أهداف الصهيونية هى وحدة الشعب اليهودى على أن تكون إسرائيل هى مركز حياته ، وتجميع الشعب اليهودى فى وطنه التاريخى .
- أتعلمي أن هيرتزل لجأ للغموض والخبث ، فقد قبل صيغة (وطن) فى فلسطين لا دولة يهودية ، كما قبل صيغة القانون العام بدلاً من القانون الدولى ، حتى لا يشعر تركيا بأنه اعتدى على سيادتها لفلسطين ،حتى أن هيرتزل قال فى صحيفة سنة 1897 إذا كان واجباً أن ألخص المؤتمر فى كلمة واحدة كنت قد امسكت عن نطقها علناً فهذه الكلمة هى أننى فى بال أسست الدولة اليهودية .
- لقد استغل اسطورة العودة التى تحشد الجموع ، وقد ساعده فى ذلك التنافس الاستعمارى بين دول أوربا على وراثة الإمبراطورية العثمانية المتداعية ، وكذلك نزعة معاداة السامية الموجهة إلى اليهود المضطهدين حيث تريهم أن المخرج هو الهجرة ، وكذلك فإن الحكومات سوف تتمتع بميزة التخلص من اليهود إذا ما أعطوا أرضاً مستقلة يعيشون عليها .
- إننى أتذكر الآن مقولة جولدا مائير : إن الإنجليز لم يختاروا العرب لاستعمار فلسطين بل اختارونا نحن .
- بعد أن انهزمت ألمانيا وحليفتها تركيا أمام إنجلترا وفرنسا صدر وعد بلفور فى 2 نوفمبر 1917 بالسماح لليهود بإنشاء وطن قومى لهم فى فلسطين ، وحتى العرب دخلوا فى الصراع ضد الترك ، باغراء الشريف حسين ملك الحجاز بالخروج على السيادة العثمانية لتنصيبه ملكاً على كل الجزيرة العربية ، وكذلك الشام ، واذكاء النعرة القومية العربية فى مقابل النعرة التركية ، وتمت مراسلات بينه وبين المندوب السامى البريطانى فى مصر بهذا الشأن ، ومن المؤلم أن فلسطين كانت ثمن هذه الصفقة
- فى سبيل الوصول لكرسى الملك تستخدم كل الوسائل حتى ...
- نعم تستخدم كل الوسائل حتى خيانة الأمانة والدين !!
- يا له من عار .
- لقد كتب بلفور فى مذكراته فى 11/8/1919 كاشفاً تحالف الغرب الصليبى مع الصهيونية ضد فلسطين قائلاً : إن القوى العظمى الأربع (إنجلترا – أمريكا-فرنسا-إيطاليا) انحازت إلى الصهيونية وسواء أكانت الصهيونية صوباً أم خطأً ، خيراً أم شراً فإن جذورها تمتد فى تقاليد عريقة وفى حاجات قائمة ، وفى أمال مستقبلية ذات أهمية أعمق بكثير من الرغبات وألوان الحرمان التى يشعر بها الفلسطينيون ...وبيجن نفسه دوماً كان يردد فى منتهى الوقاحة : لسوف ترد أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل كاملة وإلى الأبد ..
ونصمت لبرهة وكأننا نلتقط أنفاسنا إلا أنك تردفين فى ألم :
- ألم أقل لك من قبل إن العالم كله تآمر على فلسطين ؟!!
- مشكلة وطنك لن يحلها سوى السلام .
- وهل ما تفعله إسرائيل ، وما ترتكبه من مذابح متعددة يعبر عن رغبة حقيقية فى السلام ؟!
و تشردين قليلاً، ثم تواصلين فى حزن بالغ :
- الاعتداءات على الجنوب اللبنانى 10/4/1996 ، القصف عمداً لأحد مراكز قوات الأمم المتحدة التى يحتمى بها الهاربون من جحيم القصف الوحشى والذى ترتب عليه مقتل أكثر من 110 فرد ، وإضافة قانا إلى القائمة الطويلة من الاعتداءات على حوالى ثلث الدول العربية ، والتى تجاوزت أكثر من أربعين ألف اعتداء منذ قيامها سنة 1948 ...أى سلام هذا الذى تتحدث عنه ؟!
أنسيت ما قاله نيتنياهو زعيم الليكود فى واشنطن ( لا تقلقوا فالعرب سيتعاملون مع الواقع الجديد شديد الإهانة ، تماماً كما تكيفوا مع كل هزائمهم )
أنسيت اللاءات الإسرائيلية الشهيرة ( لا للدولة الفلسطينية ، لا لتقسيم القدس ، لا للتنازلات بالجولان ، لا لمنع الاستيطان فى الضفة وغزة )
إن جبهة المتدينين تصف العرب بالصراصير ، وترى أن لغة القوة هى اللغة المناسبة بل إن أحدهم كتب معلقاً على مذبحة قانا قائلاً :
( لم نقتلهم عن قصد مسبق ولكن قتلناهم بسبب الفجوة بين الأهمية المقدسة غير المحدودة التى نراها لأنفسنا وبين الشخصية محدودة القداسة التى نفترضها لهم ، والتى سمحت لنا بقتلهم .)
أنسيت مؤتمر مدريد وأوسلو والاتفاقات المتتالية للسلام المزعوم مع مصر والادارة الفلسطينية والأردن والهرولة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيونى ، ثم تعديل الميثاق الوطنى الفلسطينى ، واسقاط كل كلمات الجهاد المقدس !!
سنة 47 قال شارون : يجب أن نضرب ...نضرب دون توقف ..نضرب الإرهابيين فى كل مكان ، فى إسرائيل وفى البلاد العربية وما وراءها ، أنا أعلم كيف يعملون ، لقد فعلته أنا نفسى ...ولا ينبغى أن يكون فعلنا بعد عملياتهم فحسب بل يكون فى كل زمان ومكان ...وإذا علمنا أن بعضهم موجود فى بلد عربى معين أو فى أوربا فيجب أن نصل إليه ...ليس فى وضح النهار بل يختفى فجأة ..أو يوجد ميتاً ، وفى أماكن أخرى يطعن بعضهم فى ناد ليلى أوربى.
- المشكلة فى أمريكا ودعمها الدائم لإسرائيل بكل المساعدات المالية والعسكرية والعلمية غير المحدودة .
- كل هذا بسبب تحكم رأس المال اليهودى فى الاقتصاد الأمريكى .
- لا تنسى أن إسرائيل تمتلك مفاتيح أكبر الطرق التجارية والعسكرية الممتدة من الغرب والشرق ، بفضل موقعها الاستراتيجى فى ملتقى ثلاث قارات ، فهى تمثل الشرطى فى منطقة الشرق الأوسط ، وهى تستطيع مراقبة السويس ومناطق البترول ، كما أنها تقدم قواعد أمنة لحلفائها ، وهى مهمات لا تستطيع أن تؤديها الولايات المتحدة بمفردها ، وخاصة بعد هزيمتها المريرة فى فيتنام .
- ببساطة وجود إسرائيل مرتبط بوجود أمريكا .
- مع الأسف كلتاهما وجهان لعملة واحدة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى