مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الفصل التاسع من رواية مريم

بعد يوم واحد ،جئتنى ، هادئة على غير المتوقع ، ثم ألقيت بورقة مطوية أمامى على المكتب ،وهممت بالانصراف دون أن تنبسى حتى بكلمة واحدة ، استوقفتك .
- ما هذه ؟
- استقالتى .
- لماذا ؟
- هذا أفضل للجميع .
- شئ متوقع منك .
- أنا لا أستطيع أن أنكر كل ماقدمته لى من رعاية ومساعدة ،فى كرم شديد لم يمارسه معى أى شخص .
- أنا لست بمثل أى شخص .
- بالتأكيد وخاصة أن كل ما فعلته لى قد تم تحت بند الصداقة .
- الصداقة !!
- وهل هناك أنبل من الصداقة ؟!
- ليست هناك صداقة بين رجل وامرأة .
- إذن فأنت ...
- أنا ماذا؟!
- عمر أنا لم أتخيل لحظة أنك ..
- أنى ماذا ؟
- ...
- أنى أحبك ؟
- لكن ...
- ولكن أنت تحبين أدهم أليس كذلك ؟
- من قال لك هذا ؟
- إذن ما هو سر تحولك ، وتغيرك المريب ، بل وتجنبك حتى الحديث معى ، هكذا فجأة ، وبدون أى مقدمات ؟
- إنك تحدثنى وكأننى قد خنتك !!
أنا لم أخنك ، ولم أخدعك ، ولم أقل لك أبداً أنى أحبك .
- للأسف لقد هانت على نفسى التى كنت مستعداً أن أقدمها لك ، فهان عليك كل شئ .
- عمر... أنت لا تفهم .
- بالتأكيد أنا لا أفهم ، ولا أرى الآن سوى خطيئتى .
- هل تعتبر حبك لى خطيئة ؟
- أنت خطيئتى الوحيدة .
- كنت أحسب إن الصداقة أعلى شأناً وأرفع منزلة .
سادت بيننا برهة من الصمت المريب ، ثم التفت إلى مكتبى الموضوع عليه ورقة استقالتك و همست :
- مريم ، إذا كان لى عندك أى تقدير ، أو حتى كما تدعين أننى صديق حقيقى لك ، فإنسى أمر هذه الاستقالة ، وعودى إلى عملك.
اطمئنى كل رسوماتك ستنشر فى العدد القادم .
- وكيف ستمضى الأمور بيننا ، بل كيف سيكون الحديث بيننا ؟!
- فلتكن كل مناقشتنا فى العمل .
- فى العمل فقط !؟
- وفى الأمور العادية .
- تقصد التافهة ، مثلنا مثل كل الناس ؟
- نعم مثلنا مثل كل الناس العادية .
- ولكن ...
- ولكن ماذا ؟
- ألم تذكر منذ قليل أنك لست بمثل أحد من الناس .
- هذا مجرد كلام لا معنى له .
- ولكنك بالفعل لست بمثل أحد من الناس ...أنت لا تعرف مدى قربك منى .
تطلعت إليك طويلاً ،ثم سألتك سؤالاً عجيباً:
- هل لو كنا سافرنا معاً نحن الثلاثة أنا وأنت وأدهم إلى شرم الشيخ ، حينها إذا خيروك أن تنامى فى حجرة واحدة مع أحدنا ، أنا أو أدهم فأى حجرة كنت ستختارين ؟!
وفاجأنى ردك السريع غير المتوقع ، فأنت لم تغضبى حتى من وقاحة سؤالى ، بل قلت بمنتهى البساطة :
- بالتأكيد سأنام فى حجرة أدهم .
ولما لاحظت دهشتى ، أردفت بسرعة :
- لأن أدهم جبان ولن يقدم على أى خطوة تحمله أى مسئولية ، أو تبعات ، بينما أنت لديك قوة وقدرة غريبة على المواجهة ،وتحمل المسئولية ، قوة تمكنك من فعل أى شئ تريده ، حتى لو واجهت العالم كله وحدك .
- ولكنك كثيراً ما اتهمتيننى من قبل بالضعف!!
. نقطة ضعفك الوحيدة هى صديقك أدهم -
إننى لا أتقن فن المراوغة ، وأنت فتاة زئبقية بكل ما تحملة الكلمة من معنى ..زئبقية الروح والقلب ، والعقل والجسد ...تشبهيننى فى أشياء كثيرة إلى حد الدهشة ، وتناقضيننى تماماً فى أشياء أخرى إلى درجة مفزعة ، فهل نتفق يوماً ، أم نختلف أبداً !؟


هل لازال بإمكاننا أن نحلم بغد مشرق ؟!
غد لا يوجد به ظلم ،أو جهل، أو فساد .
غد خال من المحسوبية والوساطة والإهمال .
ذلك كان موضوع مقالى الأخير.....
هل يمكننا أن نحلم بالخير لأجل أولئك الناس ؟!
أولئك المغلوبين على أمرهم ،وليس بوسعهم أى شئ ،سوى أن يتجرعوا مرارة الصبر .
يتجرعون كأس الخزى، والإنكسار . الوطن لازال ينزف ، والناس ما بين حزن،وحيرة
! ترى من المستفيد من هول ما يحدث ؟
قطر .....!!
الدولة العربية ،الشقيقة !!
ماذا تريد من مصر بكل أموالها ؟!
هل حقاً تريد إسقاط مصر ، كما اعلنت فى 25 يناير؟
ولكن بماذا سيفيدها سقوط أعرق دولة على وجه الأرض؟!!
وتساءلت أيضاً عن حركة حماس...
هل هى أكبر مثال للخيانة؟!
لا يوجد امرؤ عاقل يعادى أفضل أجناد الأرض !!!
تتار ،و صليبيين أو حتى يهود ...كل هؤلاء تلقوا أشر هزيمة من الأسد الذى لم يمت رغم توالى كل طعنات الغدر.
كما تساءلت عن أردوغان ...
وعن أى دور يمثله فى مسلسل حريم السلطان (القرن العظيم ) ؟!
هل هو يلعب دور السلطان سليمان القانونى، أم دور الوزير الأول إبراهيم باشا أم أنه يمثل وباقتدار دور السلطانة الداهية هيام صاحبة الدسائس والمؤامرات ؟!
وتناولت أيضاً بعض الإعلاميين، وأصحاب الشاشات الموجهة ،وأولئك المدعوين بالنشطاء سياسياً،وكل أتباع مسليمةالكذاب .
فوجئت بعد ذلك بثورة عارمة من أدهم ، الذى استدعانى إلى مكتبه وهو فى قمة الغضب والقلق، والخوف ....
- منذ متى وأنت تكتب فى السياسة ؟!
- منذ نعومة أظافرى ، ربما قبل أن ألتقى بك أوحتى أعرفك .
- ولكنك دوماً كنت مهتماً بالفن والفنانات .
- لا تنس أننى رئيس التحرير .
- بالفن والفنانات أصبحت رئيساً للتحرير .
اعترانى غضب شديد ، صحت به :
- ماذا تقصد ؟!
أدرك أدهم مدى وقاحة كلماته ، خفض من نبرة صوته ، همس:
- مقالاتك الأخيرة ، أغضبت الجميع .
- تقصد من بالجميع ؟
- كل من بالداخل والخارج .
- لهذه الدرجة ؟!
- أرجوك إهدأ قليلاً ، نحن لا نستطيع معاداة الكل .
- هل تريدنى أن أتوقف عن الكتابة ؟!
- لا يمكننى قول هذا ...ولكن عد إلى كتاباتك القديمة ، كانت أكثر إثارة وتشويقاً .
- إذن أنت تريدنى أن أتوقف عن الكتابة فى السياسة ؟!
- لماذا تقول هذا ؟! إن كل ما نكتبه هو بالفعل له علاقة بالسياسة ولكن لا داعى لكل هذا العمق السياسى ، لاتنس أننا مجرد مجلة الغرض منها الترفيه والتسلية .
- أدهم ..ألا ترى أن الوقت والمرحلة لا يتناسبان مع ما تقوله ؟!
- أنت لا تدرى أى شىء ....أرجوك كفاك ما سببته لى من كم هائل من المشاكل .
- عن أى مشاكل تتحدث ؟!
نظر أدهم إلى فى حدة ثم صاح :
- مشاكل رهيبة قد تؤدى إلى غلق المجلة.

***
ليلى الممثلة الشهيرة، حبى الأول جاءت إلى مقر المجلة فى زيارة غير متوقعة ، تجمع حولها عدد كبير من الصحفيين ما بين مرحب ومعجب ، الجميع كان منبهراً بأناقتها وجمالها ، أما أنا فقد تملكتنى الدهشة الممزوجة بإحساس غامض ،إنه الماضى بكل أشجانه يقف أمامى فجأة متجسداً ...
- ليلى أية رياح ألقت بك إلى هنا ؟
- أحتاج إليك .
- تحتاجين بعض الدعاية لفيلمك الجديد ؟!
- الموضوع لا يخص الدعاية ، ولا يخص أى أفلام .
- ماذا تريد ممثلة من صحفى إذن ؟
- الموضوع بخصوص قناتى الفضائية ، أريدك معى فى هذه القناة .
- من بين كل الناس لم تجدى سواى .
- بالفعل أنا لم أجد من بين الناس من هو فى كفاءتك وموهبتك ، أنت اسم كبير .
- هناك أسماء كثيرة أكثر خبرة وحنكة منى فى هذا المجال ، يمكننى أن أرشح لك بعضهم .
- لا أستطيع أن أثق إلا فى سواك .
- عذراً لا يمكننى قبول عرضك المجلة تأخذ كل وقتى .
- حدد أنت المبلغ الذى تريده .
- لم تتغيرى لازالت النقود هى محور حياتك .
- ولكنى أعرض عليك عرضاً مغرياً جداً ، مزيداً من الشهرة ، مزيداً من المال ، مزيداً من النفوذ.
- لا يمكن أن نجتمع أنا وأنت فى مكان واحد .
- لماذا ؟!
- لأجل كل ما كان بيننا .
- لا داعى لهذه الحساسية المفرطة ،لقد مضت سنوات طوال ،وأعتقد أننا صرنا أكبر من هذه الأشياء القديمة .
- هنالك من الأشياء ، ما تخلف من الأثار ما لا يستطيع الزمن حتى أن يمحيها .
- سأترك لك إدارة القناة بالكامل لن أتدخل فى أى شئ ،إذا كنت حتى لا تريد أن ترى وجهى طيلة تواجدك بمقر القناة فقط أطلب وأنا سألبى .
- لهذه الدرجة ؟!
- أنا أحتاج إليك فلا تتخلى عنى ، لقد وضعت كل ما لدى من مال فى هذه القناة ولكنى الآن أتعرض للعديد من المشاكل المادية والإدارية بل والفنية .... عمر أنا على وشك الإفلاس .

وعلى غير المتوقع اقتحمت علينا خلوتنا فى مكتبى ، لم تلقى بالاً لوجود ليلى ،كنت تحملين معك العديد من الرسومات، أدعيتى أنك تريديننى فى شئ هام لا يحتمل التأجيل ، ولكننى لا أدرى لماذا قلت لك :
- هذه خطيبتى ليلى ، لماذا لا تصافحينها؟!
ويسقط كل ما معك من أوراق ، وتفرين من أمامى هاربة ، للحظات تدارين فيها بكائك المفاجئ ، إلا أنك سرعان ما تداهمين مكتبى ثانية :
- هل أنت حقاً كنت تعنى ما تقول ؟
ولم تنتظرى ردى ، بل حتى لم تعبئى بدهشة ليلى التى زادت حتى ألزمتها الصمت ، مكتفية بسماع كل ما يدور بينى وبينك من حوار ، استطردت بصوت يعتصره الألم :
- هذا حقك ، لابد أن تستمر حياتك بشكل طبيعى مثلك مثل أى رجل ، لابد أن تتزوج وتصنع عائلة ، فعلاً هذا حقك ، ويجب أن أعترف بهذا .
وانصرفت حزينة غاضبة ، وعلى الرغم من كل علامات الدهشة المرسومة على وجه ليلى إلا أنها لم تسألنى عن سبب تقديمى لها
على أنها خطيبتى ، فقط ودعتنى على أمل اللقاء القريب ، مع ابتسامة أنثوية مريبة أعرفها حق المعرفة ، وفى اليوم التالى كان تصرفك أكثر غرابة ، حين جذبتنى على حين غرة إلى داخل غرفة مكتبك ، بينما كنت أمر فى الردهة المواجهة له ، سحبتنى بعنف حتى كدت اصطدم بك ، وجهك فى مقابل وجهى ، أنفاسى مخطلطة بأريج أنفاسك العطرة ، صدرك الدافئ بين ذراعى ، عيناك المسكرتان فى عينى ، شفتاك الملتهبتان تلامسا شفتى ، كدت تقبليننى ، لولا مداهمة ساعى المجلة لنا بفنجان القهوة السادة الذى اعتدت أن تتناولينه صباحاً ، قلت لى بعد أن التقت أنفاسك:
- عليك أن تتريث قليلاً ، قد تكون ليلى جميلة وغنية ، ولكنها لا تناسبك تماماً .
ثم طلبت منى أن ألقاك خارج المجلة ، وفى المكان الذى حددته بنفسك ، كنت أنتظرك .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى