مصطفى نصر - قصصنا الأولى في ثقافةالحرية بالإسكندرية

لم أكن أعرف قصر ثقافة الحرية، وعندما أمر من أمامه، اسمع صوت موسيقى وغناء، فظننته صالة أفراح، ودلني عليه صديق، أخبرني إنهم يشجعون الشعراء والكتاب ويعلمونهم أيضا، وذهبت إليه، في أول ندوة كان الدكتور علي نور ومحمد حافظ رجب ونبيل فرج وغيرهم.
تعرفت على كتاب القصة، كان محمد السيد عيد يكتب قصصا، قصة ناسي اسمها تقول إن الناس كانت تمشي على أياديها، ثم تطورت ومشيت على أرجلها. وقصة أخرى بعنوان " حمار حصاوي" ورجب سعد السيد كانت له قصة بعنوان " سي جاد " عن عامل في شركة غزل، كان رجب يمزج في قصصه بالمعلومات العلمية التي يهتم بها- ليس لأنه التحق بكلية العلوم، فكثير من الكتاب درسوا في كلية العلوم ولم يفعلوا مثله، فهو بطبعه مهتم بالعلم- فقدم قصص: معاناة صرصار مقلوب على ظهره، وقصة عن المصابين بالهيموفيليا، الذين لا يتوقف نزفهم، إذا نزفوا.
تحول محمد السيد عيد إلى ناقد، وحقق نجاحا ملموسا فيه، وفي حديث لثروت أباظة في إحدى الجرائد، سألوه عن الناقذ الذي يعجبه، قال: محمد السيد عيد.
لكن الكتابة الإذاعية، ثم التليفزيونية أخذته من النقد، وخسرنا بذلك ناقد جاد ومهم،
ومن الذين أثروا في، ولا أنسى فضلهم عبد الوهاب الأسواني، كنت أراقبه في الندوات بإعجاب شديد، فيهاجمه النقاد، ويتلقى الهجوم بتريث وفهم، بعكس ناس، لا يسمح لأحد بانتقادهم، وبنيت رأيي على هذا الأساس، من يتحمل النقد حاييجي منه، ومن لا يتحمل لن يتقدم خطوة. كان عبد الوهاب الأسواني محبا، طيبا، في أول لقاء معه، قرأ قصتي وقال لي بصوت خافت:
- أنت أفضل من كثيرين هنا.
وظل يساعدني، لم ينساني، كلما سافر وعمل بمجلة عربية، يرسل لي، وينشر لي قصصا لولاه ما نشرت هناك.
تعلمت من عبد الوهاب الأسواني أن استخدم لغة سهلة وسليمة في نفس الوقت، قال لي إنه خصص أجندة لكتابة الكلمات الفصيحة المستعملة في العامية. ففعلت مثله، تعلمت منه أن أتعامل في الأول على إني تلميذ جاء يتعلم من أساتذته الكبار، أعرف كتاب كانوا غاية في الجودة والموهبة، ضاعوا لأنهم تعاملوا من بداية حياتهم الأدبية على إنهم كبار، فلماذا يتعلمون، أحدهم عبد الغني السيد، كان يمزج فن القصة بالفن التشكيلي، وكنت أحب طريقته في الكتابة، وتوقعت أن يكون مهما جدا في القصة القصيرة، لكنه – الله يرحمه - تلاشى لأنه تعالى. قررت أن أخصص عددا من مجلة " قصص 80 التي كنا نصدرها عن قصر ثقافة الحرية – للقصة القصيرة – فنجمع قصصا كثيرة للجيل التالي لنا، ونرسل أربع قصص أو ثلاث لناقد كبير يكتب عنهم ، وقد فعلتها مجلة القصة القاهرية في عدد تاريخي ومهم، وطلبت من عبد الغني السيد قصة، فقال:
- لا، خليني أنا مع النقاد.
مازال في بداية حياته الأدبية، ويريد أن يكون في مصاف جلال العشري ود. سيد حامد النساج والدكتور محمد مصطفى هدارة وغيرهم من النقاد الكبار، وبذلك تلاشى وانتهى. وآخر جيد، وله طريقة خاصة، مميزة، لكن محدش عاجبه، وهو أكبر من الجميع، فظل كما هو. وشاب صغير في السن، وفي كل شيء، كان يتحدث مع نجيب محفوظ – في جلساته في الصيف - وكأنه صديقه المقرب، وقتها تذكرت التسجيل التليفزيوني، لطه حسن مع كبار كتابنا، يجلسون أمامه وكأنهم تلاميذ صغار أمام معلمهم.
لا يمكن أن أنسى رفقة محمد السيد عيد الذي كان مثقفا وواعيا في القصة والمسرح والموسيقى، ولا رجب سعد السيد بتفكيره العلمي ولا عبد الوهاب الأسواني بأستاذيته لي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى