مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الفصل ١٤ من رواية مريم

ليلى : أصحيح أنك ستتزوج قريباً ؟
- هذا شئ يخصنى وحدى .
- أنسيت كل ما كان بيننا ؟
- كان ...كان فعل ماضى .
- الماضى ...
- نعم الماضى الذى بعته أنت بأبخس الأثمان .
- و كل ما أقدمه لك الآن من مال ونجومية وشهرة...أليس هذا فعلاً مضارعاً ؟ أم أنك لا تتذكر سوى الماضى ؟
- دعينا نتطلع لما هو أهم .
- ماذا تقصد ؟!
- المستقبل الآن أهم من الماضى .
- هكذا بمنتهى البساطة تود محو الماضى ، هل نسيت أن الذى ليس له ماض ليس له مستقبل ؟
- بل يبدوأنك أنت التى قد نسيت أننى أنا الذى قدمت لك الكثير من قبل حتى جعلت منك نجمة كبيرة، وكان جزائى وقتها الجحود والنكران .
- إننى لم أنسك يوماً ،ولم أستطع قط التخلص من حبك وها أنا ذا أقدم لك مالى وقلبى .
- أعتقد إن النجاح الذى حققته القناة تحت إدارتى وكم ماتجنيه من أرباح هو الفيصل بينى وبينك ، يا سيدتى لازلت أنا من يقدم لك خبرته وموهبته ، ولازلت أنت المستفيد الأكبر .
- وأنت بسبب قناتى أصبحت أشهر إعلامياً فى مصر .
- ليلى ...ماذا تريدين ؟
- أريدك أنت .
***
عندما رفعت سماعة الهاتف إلى أذنى ، أتانى صوت مريب :
- ابتعد عن مريم .
- من أنت ، وما دخلك بمريم ؟
- أنا ابن عمها .
- جاسر !!
- عظيم أنك تعرف اسمى ، ولكنك حتماً لا تدرك ماذا بوسعى أن أفعل .
- هل هذا تهديد ؟!
- بل هو أبعد من هذا بكثير .
أغلقت الهاتف فى وجهه ،تملكنى غضب شديد،بينما أصابك أنت حالة من الهلع حين علمتى بمكالمة جاسر لى ، سألتك عن تحديد موعد للزفاف وإعلان خبر خطبتنا رسمياً ، ماطلت كثيراً ، ولا أدرى ماذا قلت وقتها سوى :
- اعطى نفسك فرصة آخرى للتفكير ،أنت مقامك عال جداً وأنا مجرد... .
- ماذا تقولين ؟ مقامى ومقامك!!
هذه كلمات غريبة لم أتوقعها منك ،هل لازال ثمة فارق بينى وبينك ؟!
ولم تجيبى على سؤالى البرئ ولكنك قلت لى :
- أخشى أن يأتى يوما و تنظر إلى على أننى مجرد فتاة وضيعة من أسرة مهلهلة ، خاصة بعدما علمت بكل ظروفى وحياتى القاسية.
أسألك وكأنى أسأل نفسى :
- هل كل ما أفعله خطأ ؟!
هل لا يحق لى أن أمسك بيديك الناعمتين ؟
أن أقبلك ؟ أن أخذك بين ذراعى ؟ أن أضمك إلى صدرى بقوة ؟!!
أم أن الخطأ هو أننى لم أفعل أى من هذا ؟!!!
أم أن الجريرة الكبرى كانت فى البداية ، عندما حاولت أخذك من صاحبى ؟
أم أن الخطأ الحقيقى كان حينما قرر صاحبى تركك لى ؟!!
أم أن الخطأ هو أن أظل على حبى لك ، بعد أن علمت بكل علاقتك السابقة ، وربما الحالية .
ترى من منهم قد اقتحم كل منفذ فى مسام جسدك ؟
أومن منهم لم يفعل ذلك ؟
ربما لو كانت علاقتى بك مجرد علاقة عابرة ، علاقة غير جادة ، تقوم على المرح واللهو ، ربما لو كانت علاقتى بك تقوم على هذا الأساس لكان هذا هو عين الصواب !!!
وتتطلعين إلى طويلاً ثم تهمسين :
- أشياء كثيرة فى حياتنا تحدث دون إ رادتنا ، أحياناً تأخذنا صوب ما نريده ، وأحياناً أخرى تبتعد بنا تماماً عما نريد ،أشياء كثيرة فى الكون لا نستطيع فهمها ، ليس لوجود عيب أوقصور فينا ،ولكن لأنها هكذا لايمكن للعقل البشرى إستيعابها !!
حتى إذا عدنا إلى الماضى حيث الأباء والأجداد ، فلن نستطيع أن نلقى عليهم بتبعية فشلنا فى الحاضر.
- يبدوأنك قد بلغت حد الاحتراف فى فن المرواغة .
- تقصد أننى مخادعة ؟
- منتهى التقلب ، منتهى القسوة ، منتهى الأنانية ، أنت لم تفكرى حتى يوماً أن تمنحيننى لحظة عطف ، فقط لم تخلفى لى سوى السراب .
- أنا لم أعدك يوماً بشيء ، لماذا إذن تنعتنى بأحط الصفات ؟
- أنت مجرد صورة صنعها خيالى .
- ما أعظم خيالك .
- بل هو خيال متعب ، مريض .
- ولكنه فى النهاية خيالك أنت .
- يمكننى صنع صورة أخرى أكثر صدقاً وعمقاً منك ، صورة يمكن إظهارها للعلن ، وليست صورة لامرأة فى علاقة خفية .
- أهذا ما تراه فى علاقتى بك ؟
- هذا ما حكمت به على نفسك .
- وأنت اتبعت كل الوسائل حتى تجعلنى أحبك .
خبراتك النفسية ، ذكائك الطاغى ، حضورك الرهيب ، كل هذا جعل يدخلنى فى حالة مافتئت تجبرنى عليها بكل الوسائل الممكنة .
- أنت لا تقلين عنى ذكاء وحضوراً، بل ربما تتفوقين على بخبرات ، ومهارات الأنثى.
- أنت تحسب أن كثرة الطرق على الحديد ستجعله يلين ، ولكن قد يحدث العكس وتتولد به قوة دفاعية جبارة تجعله أقسى وأصلب ، أرجوك توقف وأخرجنى من هذه الحلقة .
***
كم كان حزنى وغضبى عليك وعلى نفسى ،حين فأجنى أدهم بقوله لى بمنتهى القسوة :
- مريم تشتكى منك ، فهى تدعى أنك تحاصرها ، وهى لا تريدك ، كفاك إهانة لنفسك ، ابتعد عنها واحفظ كرامتك .
حينئذ شعرت بلطمة قوية تكاد تسحقنى ....
إننى مولع بك ، مولع بكل شئ تلمسه أصابعك أو تحط عليه أنفاسك ، كلما أنظر إلى وجهك ،وأجالس روحك أشعر بمدى عظمة الخالق الذى أبدع هذا الجمال الخرافى ، ولكن كيف يكون لهذا الجمال كل هذه القسوة ، وجهك لحظة إشراقته ، لحظة رؤيتك لى ، وفرحتك بلقائي ، هل هو وجه كاذب ؟
هذا الجمال غير العادى ...غير الملموس ...غير القابل للتسجيل ،هل هو جمال خادع ، كاذب،غير حقيقى ؟!
أم أنه جمال من نوع خاص يرفض أن يكون ملك لشخص واحد ، فهو جمال غير قابل للمحاكاة ، وكذلك غير قابل للإمتلاك .
ترى ماذا ألم بى ؟؟
يدعون أن الحياة بها العديد من الأشياء الجميلة ، ولكن الحقيقة أنه لم يعد ثمة معنى لأى شئ ...الحياة بكاملها لم يعد لها أى معنى !!
لقد فقدت طعم الأشياء ...كل الأشياء ولم يعد هناك شئ حقيقى ،شئ يشعرنى بالأمل أو حتى الراحة ،
الراحة من هذا الويل الذى أحياه ...ويل فى العمل ..فى البيت ...فى القلب ...فى الوطن .
إنك لازلت تسكنين مساحة كبيرة من عقلى وقلبى ،وأنا أحاول بكل ما أملك من قوة وكرامة أن أتجاهلك ، أن أعبر على كل ما يذكرنى بك ، ولكن كيف و مجرد رؤياك تصيبنى بصدمة !!
...صدمة عصبية مفاجأة ...قد أبدو أمام الناس متماسكاً ، ولكننى فى الحقيقة أكون فى أصعب لحظات ضعفى ،قد أكون شامخاً ، ولكننى وحيداً ،ولاسيما أنه لم يعد أمامى سوى الابتعاد ، رغم كل ما قدمته لك من فرص ، ومساعدات فى كل شئ ...فى حياتك الخاصة وفى عملك ، لقد جعلت منك رسامة مشهورة تتحدث عنك معظم الصحف والمجلات ، وكان فى جعبتى الكثير من الأشياء التى بوسعى تقديمها لك ، رغماً عن كل هذا رفضت اسمى وقلبى ووطنى ، وأنت مجرد فتاة ضائعة تكالبت عليها الدنيا كلها ، إلا أنا ...
أنا الوحيد الذى أحبك حباً حقيقياً ، وأنا الوحيد أيضاً الذى لم تسمحى له بأن يتلاعب بك !!
حقاً لماذا سمحت للجميع فيما عداى أنا
***
هل أنت حقاً فتاة مستهترة ؟!
مثلك مثل فتيات الليل بملابسك الفاضحة وحركاتك المثيرة ، وعلاقاتك الخفية ، أخرها أو حتى أولها علاقتك بجاسر ذلك الفتى الذى يلعب دور المناضل والبطل الفلسطينى ؟!
لقد قدمت لك كل الفرص الحقيقية كى تصبحى سيدة محترمة ، هانم من هوانم المجتمع بدلاً من كونك فتاة ضائعة ومع ذلك أبيت أن تكونى إلا ما أنت عليه!!
أحسبك ترفضيننى ، ولكن كيف وأنت قد اعترفت بحبك لى ثم ما لبثت أن عدت ثانية وأنكرت ؟!
ولما ابتعدت عنك مصدوماً حائراً ، فعلت كل ما يمكن أن تفعله امرأة حتى أعود إليك وكأنك تهوين لعبة اللقاء والفراق .
هل كنت تتمتعين بتعذيبك لى؟!
***
حين سألتك عن سبب تهربك منى ، ادعيت بأنك مشغولة بأمور كثيرة ، واختلقت العديد من الأعذار الواهية ، صحت بك :
- مريم كفاك مرواغة ، لابد أن أعرف منك الآن سبب تهربك منى ؟
وجاءت كلماتك مفاجئة غير مرتبة ، قلت لى :
- لقد جاءنى أدهم ، بعد علمه بنيتك فى الزواج منى ،ثم قال لى أن ما بداخلك نحوى ليس سوى رغبة رجل يشتهى امرأة ،وأنه بمجرد أن تنال غرضك منى ،سوف تلقى بى فى أقرب سلة مهملات.
أحزننى ما قاله صديقى ، كما حيرنى أيضاً قسمك بنكران قولك له بأننى أطاردك ، بل إنك ادعيت عدم فتح أى باب معه للنقاش فى هذا الموضوع .
صعب أن أصدقك ، صعب أن أصدقه هو أيضاً !!!
لما لاحظت علامات الشك والحيرة المرتسمة على وجهى قلت لى :
- أنت مغرور ، ولاتصدق أو تثق إلا بنفسك .
قلت لك فى غضب :
- إننى أنتمى إلى قبيلة إذا فقدت غرورها ، ضاعت ملامحها ، بل ضاعت هويتها بين السوقة والجهلة والمفسدين .
- قبيلتكم تمتلك غروراً مزيفاً ، وكل أفرادها أشخاص وهمية ، حتى أنت مجرد شخص مزيف غير حقيقى .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى