مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الفصل ١٦ من رواية مريم

عدت إلى مجلة ألوان ، بعد أن طلبت منى علياء عدم التخلى عنها وعن مصالح ابنتها ، ابنة صديقى الراحل أدهم ، علمت بخبر مذهل ، لقد تم زواج زيزى وهى لازالت حامل فى شهرها الرابع من ممدوح ، الذى كان فى استقبالى وهو فى غاية القلق .
جأتنى زيزى ، رحبت بى كثيراً ، طمأنتها على مصير زوجها ، قلت لها : اطمئنى زوجك سيظل رئيساً لتحرير المجلة ،ولن يكون هناك أى اقصاء لأى فرد من العاملين التغيير الوحيد هو أننى فقط أصبحت رئيساً لمجلس الإدارة .
استوقفنى ممدوح قبل أن أغادر مقر المجلة ...
- أرجوأن تكون نسيت كل ما قد كان بيننا .
- بل أرجو أنا أن تكون أنت قد عدت إلى صوابك .
- إعذرنى إنها حرباً وفى الحروب تستخدم كل الوسائل .
- أ لهذا الحد وصلت الأمور !!
- الحرب ليست سوى معركة بين طرفين ، كل واحد منهما يصر على أنه صاحب الحق ، كل واحد منهما لديه مطالب لا يرضى بها الطرف الآخر ، كل واحد منهما يدعى أنه مظلوم ، ومن يموت من هذا الطرف
أو ذاك يشيع بأكاليل الزهور ويعامل على أنه شهيد .
- إذا أضحت الوسيلة الوحيدة هى الحرب فبأى منطق إذن ستمضى الأمور؟
- منطق القوى ...الأقوى هو الذى يفرض مبدأه ، وشروطه على الطرف الآخر .
- عن من تحديداً أنت تتحدث ؟
- عنا نحن أصحاب الحق.
- بأى صفة ، وبأى حق أو شرع أو دين يجوز للمعتدى أن يسلب صاحب الحق حقه ؟
- إنها لعبة توازنات بين العالم كله .
- بل هى بين القوتين العظمتين تحديداً ، وحسبما تقضى مقتضيات المصلحة بينهما يتحدد الحق على أساسها ، فقد يكون الحق فى مصلحة أحد الطرفين فيقف إلى جوار صاحبه وقد يكون فى مصلحة الطرف الآخر فيقف ضده ، ليتحول الحق فى لحظة إلى مجرد مهارة فى كسب تأييد الطرف الأقوى ، بينما الطرف الثانى لميزان القوى قد غرق هو نفسه فى مشاكله التى أكلته من الداخل حتى دمرته تماماً ، ولم يتبق منه سوى الهيكل الخارجى ، مجرد قشرة ، لم تلبث أن تساقطت وتحولت إلى رماد تذروه الرياح ، وتبقى مجرد دويلة تحمل جزء من الاسم السابق ، وبعض من التاريخ المنصرم ، وقليل من القوى التى كانت غاشمة .
- هل تظن أن الحق معكم فيما قد فعلتم ولازلتم تفعلونه ؟
- لا يمكن أن يكون الحق معنا إلا إذا كان مؤيداً بقوى عظمى .
- لم تنفعكم القوى العظمى أمام غضبة شعب بأكمله .
- لا تقل شعباً بأكمله .
- سنعود ثانية إلى إنكار الحقيقة ، وأنكم أنتم الأغلبية ، وماكينات التزوير ، وثورة الفوتو شوب ، والمهاترات التى تخدعون بها الخارج .
- نحن لا ننكر أن هناك بعض من الذين قد خرجوا ضدناً .
- بل لقد خرج ضدكم الملايين الغفيرة من الشعب المصرى.
- إنهم أناس بسطاء طيبون ، كعامة شعبنا ، لم يفهموا ، ولم يدركوا نبل مقصدنا ،بعد أن خدعهم الإعلام الفاسد .
- لماذا لا تدركون أنكم أنتم المخدوعين ، فى أفكاركم وقياداتكم الفاسدة التى تلقى بكم فى خضم النار بينما تنعم هى بالمال.
- لن أجادلك كثيراً ، بالتأكيد يوجد بيننا بعض الخونة والفاسدين مثل أى منظومة .
- تقصد مثل أى جماعة .
- لتسمها منظمة عالمية أو جماعة أو تحت أى مسمى ، ولكن الهدف الأسمى هو الذى سيبقى .
- وهل هناك من جولات أخرى .
- إذا كنا قد هزمنا فى إحداها فإن القادم لنا ، ويوماً ما سنعود .
- ستعودون باستجداء ثان لأى قوة أو تكتل كبير لتكون فى جانبكم .
- حتى وإن حدث هذا ، فإنه سيكون مجرد البداية ، فنحن نعلم جيداً أن الحل يكمن فينا نحن ، نحن لابد أن نتحول إلى قوى عظمى تدافع بنفسها عن حقها ووجودها وكيانها ومقدساتها وأراضيها وكرامة أفرادها ، وإذا كنا قد فشلنا من قبل فى استجداء الطرف الأوحد حالياً ، ومع انهيار الطرف الثانى الذى يحاول أن يعود ، ولم يتبقى سوى بعض التكتلات التى تحاول قبل أى شئ عدم الصدام بالقطب الأوحد ، لا مفر إذن من التحول إلى داخلنا ، لا مفر من قيام الدولة الواحدة العظمى .
- وهل بطرقكم الملتوية كنتم ستنجحون ؟
- ...
- هل بتدمير سوريا وتفتيت اليمن والسودان ولبيا وبيع سيناء والتخلى عن حلايب وشلاتين و...
- التخلى عن ماذا ؟! إنها كانت ستصبح فى زمة دولة عربية مسلمة .
- هناك هوة كبيرة فى مفهومكم للوطنية .
- وأنتم لديكم نفس الهوة فى مفهومكم للدين .
- لا خلاف بين الدين والوطنية ، الدين يدعو إلى التمسك بالأرض فهى الشرف والكرامة والعرض .
- حاول أن تفهم سمو مقاصدنا .
- أية مقاصد ، وأية سمو ،وأنتم جماعة مستبدة عنصرية ، لم تكد تمسك بالسلطة حتى انفردت بكل شئ واقصت جميع الأطراف حتى من شاركوها فى نفس المشروع ، جماعة لا تعرف كيف تدير اتحاد ملاك برج سكنى ، تريد تملك دولة بحجم مصر لتكون البوابة الكبرى لامتلاك العالم العربى والإسلامى كله ، وليتكم تستحقون أو تستطيعون أو أنكم شرفاء بحق ، ولكنكم فى ظل بضعة أشهر أغرقتم البلد فى حالة من الضياع والتخبط والسقوط ، عاديتم كل مؤسسات الدولة، القضاء وحصار المحكمة الدستورية ،الإعلام وحصار لمدينة الانتاج الإعلامى ، الكنيسة التى اعتبرتم كل اتباعها كفاراً تستحق عليهم الجزية وليسوا شركاء حقيقيون وإخواناً لنا فى نفس الوطن ، الشرطة ،الجيش ، بل والأزهر نفسه اتخذتم ضده مواقف أقل ما توصف به هو الجهل والغباء .
***

لابد من وضع نهاية لحيرتى معك !!
اختفيت تماماً من حياتى ،كلما حاولت الاتصال بك أجد هاتفك الجوال مغلقاً ، بحثت عنك فى كل الأماكن التى اعتدت ارتيادها ولم أجد لك من أثر !!
سألت عنك كل معارفك ولم يأتنى سوى رد واحد : لم نرها منذ فترة ، وادركنى التعب ، ،ولكن عقلى لم يتوقف عن التفكيروالتساؤلات المحيرة.
هل أنت إحدى جنيات ألف ليلة وليلة، ظهرت فى حياتى بغتة، وعلى غير توقع عدت ثانية إلى عالمك السحرى ؟
هل حقاً غادرت البلاد ، وتوجهت إلى فلسطين ؟
ويروعنى السؤال الأهم :
هل يمكننى أن أحيا بدونك ؟!
هل يمكن لعينى أن تبصرا دون أن تراك ، وهل أستطيع أن أمضى دون أن أتنسم ريحك ؟ لقد صرت أتنفسك كالهواء ،و أتجرعك كالماء ، فهل يمكن لى أن أحيا بدون الهواء والماء ؟!
تذكرت أننى قمت فى أحد المرات بتوصيلك قرب منزلك ، رفضت فى البداية ،ولكن يومها كنت فى حالة إعياء شديدة ،فلم تقدرى على مواصلة الرفض، إلا أننى قمت بانزالك من السيارة فى أحد الشوارع القريبة من بيتك الذى لم تخبرينى عن مكانه تحديداً ، ذهبت إلى هناك وقمت بعملية تمشيط للمنطقة الأهلة بالسكان ،سألت أصحاب محلات البقالة ،والأفران ، والمطاعم عنك ،عل أحد يعرفك ويعرف مكان بيتك ،ولم يفيدنى أى شخص، بل إن بعضهم كان يشملنى بنظرات الريبة ، وأحياناً الوعيد ،بل والسباب وطردى من المكان ، وظللت على هذا الحال لعدة أيام ، أقوم فى الصباح من نومى لأستقل سيارتى وأتوجه إلى منطقة سكنك ، أجوب شوارعها ،بحثاً عنك ،حتى يجن الليل على فأعود إلى بيتى متعباً منهكاً ، ولما وصلت إلى أقصى درجات اليأس والإحباط ، فى هذه اللحظة جاءتنى زيزى متهللة ...
- هذا ما تبحث عنه .
وأعطتنى عنوانك المنشود ، إلا أنها ،ولا أدرى لماذا طلبت منى توخى الحذر!!!
نهضت من مكتبى ، ألقيت بنفسى داخل سيارتى وانطلقت خلف طيفك ، كان الوقت متأخراً وكانت الاضاءة فى الشارع ضعيفة ،ورغم الزحام إلا أننى سرعان ما وصلت لمقر إقامتك ، ركنت سيارتى ، مترجلاً توجهت إلى بواب العمارة ، كانت الريبة تنازعنى هل حقاً هذا هو بيتك ، وكم كانت سعادتى بالغة حين سألت البواب عنك وأجابنى : حضرتك ... فى الدور الأخير .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى